رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد عاطف يكتب: مصر اللى فى المنتدى

جريدة الدستور

لست خبيرًا ولا أريد
جربت مرة ولم أكررها
اكتفيت بدور قائد الفريق أو المحرر فى معظم الأحيان.
لست ممن يدورون فى "حلقات الذكر" التى ينظمها دراويش الكلمة فى المناسبات الإعلامية والسياسية، لكن أعترف بأن النسخة الثانية من "منتدى إعلام مصر" كانت حدثا استثنائيا، أنا شخصيا أدعمها فى ذات نفسى بشدة، ولا أعرف إن لم يكن هذا المنتدى والقائمون عليه موجودين ويفكرون فيه، فمن ذا الذى سيفكر وينفق أمواله من أجل نقاشات لمهنة أصبح العاملون بها ملاحقين بسهام الكذب والنفاق والطرد والحبس أحيانا.

عندما اختلط النقابى بغير النقابى، والطالب بالأستاذ، والحكومى بالخاص، والمحلى بالدولى، وقفت أشاهدهم جميعهم تحت سقف غرفة واحدة يناقشون أزمتهم ومستقبلهم بلا مراقب أو تصيد متعمد، كيف نصنع صحافة جيدة؟ هذا هو محور منتدى هذا العام، لكننى لخصت ما سمعته لأحد الزملاء الذى سألنى "وماذا بعد أن صنعنا صحافة جيدة؟ مواقعنا مغلقة فما الفائدة فى ذلك؟. فتذكرت قبل أن أجيبه مقولة قد قرأتها ذات مرة تقول: "فى المرة القادمة عندما تُهمُّ بفعل بسيط يعبّر عن اعتراضك لا تسمح لأحد بأن يقلل من أهمية ما تفعل، لا تسمح لنفسك بأن تسألك إن كان كل ذلك سيأتى بأى نفع. وفى إحدى الأزمات الفلسطينية كتب أحدهم على تويتر: "هذه تغريدة لن تحرر فلسطين، ولن تحرك من العرب شيئًا. هذه تغريدة أكتبها كى لا تموت القضية فى قلبي".

(1)
ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، وهو الآن يشغل مدير مكتب صحيفة الشرق الأوسط فى القاهرة، قال إن الضمان الوحيد الذى يجعل الدولة تفتح المجال العام لحرية الصحافة، هو أن نظل نتحدث دون ملل فى المنتديات والمؤتمرات بصوت عالٍ عن الوضع الكارثى للصحافة فى مصر لكى يسمع المسئولون، وعندما عدت بعد نهاية اليوم قال لى أحد كبار الكُتاب الذين أعمل معهم "إذا كانت الدولة التى تطالبونها بحرية الصحافة هى فى الحقيقة السبب الرئيسى فى بقاء الصحف والمواقع حتى الآن تعمل رغم ما بها من خسائر فادحة، هى التي تدفع رواتب تلك المؤسسات وميزانيتها، ولولاها لكان الجميع جالسا فى بيته الآن، خاصة أن الأزمة ليست مصرية ولكنها إقليمية وعالمية، لكن إذا أردت أن تتحدث حدثنى كيف نقلل الخسائر وكيف نصنع صحافة تباع بالمنطق التجارى لا السياسى، لا تتحدثون عن المستقبل بدون أن تروا الحاضر".

(2)
بكيت بشدة عندما رأيت صورة والدة زميلتى مها صلاح الدين تتسلم جائزة المركز الثالث بمسابقة النادى الإعلامى، لظروف سفرها التى لم تسمح لها بالحضور واستلام الجائزة بنفسها، بكيت لأننى تذكرت أمى -رحمها الله -عندما فزت بجائزة نقابة الصحفيين عن أفضل تحقيق استقصائى ولم تتركنى أمى أذهب بمفردى رغم مرضها الشديد فى هذا الوقت، فربطت حزاماً طبياً كى لا تشعر بالألم وتكون بجانبى فى أسعد لحظات حياتى، حينها قال لى زميلى عبدالفتاح فرج إن أمى كانت تبكى بشدة من الفرحة عندما كنت على المسرح لاستلام الجائزة، بل وذكرنى بها فى العزاء، أتمنى أن تكونى الآن يا أمى فى مكان أفضل مما كنتِ فيه، أما مها صلاح، فتستحق مليون جائزة لدأبها واجتهادها وإيمانها بنفسها.

(3) 
"عاشور الناجى والصحافة الاستقصائية" كان هذا هو التنويه الذى أعلنه أستاذنا علاء الغطريفى، رئيس التحرير التنفيذى لمؤسسة أونا، بالطبع هو أحد أعمدة الاستقصاء فى مصر وتجاربه فى المصرى اليوم والوطن تشهد له، ودائما ما نتعلم منه، لكن هل يجوز لى أن أسأل لماذا اعترض على أن يخوض الصحفى مغامرة متخفيا فى زى طبيب لكى يكشف قصورا فى الرقابة والإدارة، ووافق من ناحية أخرى بل وأشاد بزميلتين صحفيتين دخلتا أحد المصانع على أنهما عاملتان للحصول على عينات من "لانشون" لكى يتم فحصه وإثبات عدم مطابقته المواصفات ويتم غلق المصنع، أليس هذا تضاربا، وأليس أنت من علمتنا أن استخدام الصحفى للكاميرا السرية متخفيا فى زى آخر يكون بمثابة قرينة ودليل ضمن حزمة من الدلائل، وربما تكون الوحيدة فى بعض الأحيان، لكن على من يستخدمها أن يحصل على تدريبات صارمة قانونية وأخلاقية وتحريرية، كى لا يتورط قانونيا أو يلحق ضررا بأحد ممن يتعامل معهم؟.

(4) 
منحاز بشدة لزملائى أحمد الليثى وأسامة الديب وصفاء صالح. فعلى الرغم من اختلاف تخصصاتهم فى فنون الصحافة، إلا أنهم كانوا نجوما فى المنتدى بل والتفَّ حولهم الكبير والصغير، لما لهم من خبرة عظيمة فى الصحافة وطريقة تقديمها بشكل حديث، وكل منهم له تجربة تستحق أن تروى وأن نفخر بها، أما هشام علام فهو يغرد فى منطقة منفردة فى مصر والعالم العربى منطقة تستحق أن تجعله يلتفت له الكثيرون فى مصر، فهو تقريبا الصحفى المصرى الوحيد الذى درب صحفيين فى أغلب دول العالم، فلماذا تبخل علينا المؤسسات المصرية الحكومية والخاصة فى الاستفادة منه هنا؟، وهذا يحسب لمنظمي منتدى إعلام مصر وللزميلة نهى النحاس.

(5)
حرفيًا كنت أول من وصل مرحلة التسجيل والجلسة الافتتاحية فى اليوم الأول من انعقاد المنتدى، وما شاهدته من تنظيم يشير إلى أن التجارب تزيد الخبرات وتجعلها أكثر تداركا للأخطاء، كان كل شىء منظماً للغاية وشملت الورشات معظم ألوان العمل الصحفى المعتاد والحديث، لكنها كانت تحتاج وقتا أكثر، كانت أيضا تحتاج بعض الورش للتطبيق العملى وليس النظرى.
ما أدهشنى هو وجود قيادات بى بى سى رغم حجب موقعهم فى مصر، ومدربين اضطروا لأن يأخذوا إجازة بدون راتب من مؤسساتهم بعد الأوضاع السيئة التى نمر بها، وتوقفت عند إفيه الدكتور ضياء رشوان نقيب الصحفيين عندما قال "اكتبوا ماتخافوش واللى يتحبس هنطلعه"، أما أحمد سمير، فكان فاكهة المنتدى ليس لأنه ضمن المنظمين فحسب، بل لأنه كان معبرا عن رأى جموع شباب الصحفيين الغاضب واليائس.

فى النهاية مصر تحتاج إلى صحافة تليق بها، وتحتاج إلى نقاشات خارج الغرف المغلقة، نختلف ونتفق لكن على أرض واحدة دون تخوين، سهل أن نناقش الصحافة السيئة والسخرية منها، لكن الصعب سيكون بالطبع فى الإشارة للبعض بأنهم يمتلكون الصحافة الجيدة دون غيرهم، ولذلك سأنتظر النسخة الثالثة من المنتدى بشغف إن كان فى العمر بقية.