رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقييد الحريات لن يكون تحت قبة البرلمان




أتوقف هذا الأسبوع عند قضية مهمة شغلت الرأى العام عدة أيام مؤخرًا، حيث نرى نماذج نسائية يجب استبعادهن من مواقعهن المهمة لآخرين جديرين بشغل تلك المواقع، صحيح أننى قد عُرف عنى دفاعى المستميت عن حقوق المرأة وتعزيز مكانتها ودعمها بالقوانين التى تحفظ كرامتها ومساواتها بالرجل، لكننى أيضًا وفى الوقت نفسه لا أنحاز للخطأ أو لعدم الكفاءة أو للبلطجة، أو الفتونة من جانب أى امرأة مهما كان موقعها أو نفوذها.
أتوقف عند كلمَتى: بلطجة وفتونة، لأننا فوجئنا بسيدة برلمانية تظهر علينا بقانون يشبه أُسلوب البلطجية أو الفتوات الذين كانوا يمسكون بالعصا لضرب المارة والضعفاء والرافضين للانصياع لهم، هؤلاء الذين يفرضون الإتاوات على أهل الحارة قديمًا، وكنا نراهم فى الأفلام، وتكون نتيجة فتونتهم الدخول إلى السجن أو «علقة ساخنة» من بطل الفيلم، وأعتقد أن هذا ينطبق على نائبة خرجت علينا منذ أيام بمهزلة جديدة وغريبة فى صورة مشروع قانون مقدم إلى البرلمان يُسىء لحقوق أى سيدة أو فتاة مصرية، ويضع وصاية عليها، كما يسىء بالمثل لصورة مصر المتحضرة فى الخارج.
وقبل كل هذا، فإنه يتعارض مع مواد الدستور المصرى التى تكفل الحريات، فقد جاء فى مادته الـ٥٣: «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ كل التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز».
هذا هو نص الدستور المصرى الذى لا توافق عليه السيدة النائبة، التى تطالب بفرض غرامة ٥٠٠٠ جنيه على كل سيدة ترتدى ملابس غير محتشمة فى الأماكن العامة، وتجديد الغرامة فى كل مرة.. وفى الحقيقة، كنا ننتظر من هذه البرلمانية أن تقوم بدور ما فى اقتراح قوانين تعزز من مكانة المرأة أو أن تتقدم بمشروع قانون بتشديد العقوبات على التحرش والبلطجة والفتونة والعنف الذى يمارس ضد المرأة والفتاة، بدلًا من أن تبحث عن مشروع يعتبر «ردة إلى الوراء»، ويعتبر مهزلة لا يصح أن تقوم بها نائبة بكل المقاييس.. فهل معنى ذلك أنها ستطالب أيضًا بتأسيس جماعة متشددة مثل جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ليمسكوا بعصيان فى شوارع مصر لإيقاف السيدات وتحديد موافقتهن أو رفضهن ملابس النساء؟
ومن الذى أعطاها حق أن تحكم على ملابس نساء مصر اللاتى هن أصل الأناقة والرقى فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى؟.. هذه حقيقة وواقع لا يزال يعرفه عنا الجميع، ولا تزال الأفلام المصرية تعكسه لنا فى الفضائيات من وقت لآخر، إلى أن أدخل علينا فى ثمانينيات القرن الماضى بعض الظلاميين الدخلاء فكرة الرداء الوهابى، ثم أدخلوا علينا بعدها النقاب الدخيل علينا، وكلها أزياء وملابس غير مصرية، أما الهدف بالطبع من تلك الملابس غير المصرية، فهو إضعاف الهوية المصرية ثم محوها تدريجيًا.
لذا فإننا نطالب برفض مناقشة هذا الاقتراح المشين الذى يتعارض مع دعم الرئيس عبدالفتاح السيسى وتقديره واحترامه المرأة المصرية، ونطالب فى الوقت ذاته بتسريح هذه السيدة من البرلمان، حيث يتناقض مشروعها الهزيل مع مواد الدستور المصرى الخاصة بالحريات، والذى أقسم النواب على احترامه تحت قبة البرلمان.
وكعادة نساء مصر، فإنهن أعلن رفضهن التام تقييد الحريات والتمييز العنصرى، كما رفضن أى ردة إلى الوراء، وتصدين بكل وضوح وقوة لمحاولة هزيلة، تهدف إلى إعادتهن لعصر السبايا والعبودية، وقد ظهر هذا واضحًا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، حيث وجدنا على العديد من هذه الصفحات سخرية من هذا الاقتراح المعيب ورفضه رفضًا تامًا، وقد نشر عدد منهن صورًا لهذه النائبة على صفحاتهن بالفيسبوك وبقية مواقع التواصل الاجتماعى بملابس ضيقة ومكياج صارخ، كأنها ذاهبة إلى سهرة، وللحقيقة أقول إن هذه البرلمانية هى من وضعت نفسها فى موضع سخرية من نساء وبنات مصر.
وأحب أن أذكّر النائبة بأن نساء مصر لا يقبلن المساس بكرامتهن أو حريتهن، ولن يقبلن قهرهن أيضًا بأى صورة من الصور، وأذكرها بأن نساء مصر كن فى الصفوف الأولى لثورة مصر الشعبية الحاشدة ضد الظلام والقهر وتقييد الحريات والعودة للوراء فى يونيو ٢٠١٣.. وإننى أقول لها أيضًا إن نساء مصر يرفضن أى وصاية عليهن أو تقييد حريتهن أو اختيار ملابسهن.. أو تغيير هويتهن المصرية العريقة.
إن نساء مصر لسن فى حاجة إلى تدخل فى شئونهن، بل إنهن فى حاجة إلى دعم ورعاية ودفاع عن حقوقهن فى التعليم والصحة والحياة الكريمة، وإن نساء مصر المعيلات الأكثر احتياجًا فى حاجة ماسة إلى مشاريع اقتصادية ودعم مادى ومعنوى يحسّن من أحوالهن، ويمد يد العون لهن لتعليم أبنائهن وفى مدارس لائقة ومناسبة.
ولا شك لدىّ فى أن البرلمان المصرى العريق سيرفض هذا المشروع المهزلة الذى تريد النائبة أن يناقشه البرلمان.. لأن لدينا كثيرًا من المشاكل المهمة التى نأمل أن يناقشها البرلمان، ومنها مثلًا: إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية يضمن وصول النفقة إلى الأبناء فى حالة الطلاق، ومنها قانون لتشديد العقوبة على العنف فى الشارع المصرى.
إن مشروع هذه السيدة قد لقى عاصفة من الغضب من السيدات والبنات على كل مواقع التواصل الاجتماعى، أما الأمر الذى أساء لبلدنا نتيجة هذا الفعل المهزلة، فهو نشر أخبار متعددة فى مواقع صحفية غربية عن هذا المشروع المعيب، والذى أوضح محتواه أن نائبة فى البرلمان المصرى تريد تقييد حريات النساء المصريات، وتحديد ملابسهن وفرض غرامات عليها، لذا أعتقد أن هناك نماذج نسائية تُسىء إلى النساء، وهذه السيدة أوضح نموذج على هذا.