رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

واللى يزعل يتفلق


العبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، الخميس الماضى، خلال افتتاحه مصنع الغازات الطبية والصناعية رقم ٣ التابع لشركة النصر للكيماويات: «حانفتتح كل مشروعاتنا على طول، واللى يزعل يتفلق». وصباح أمس الثلاثاء، رددها مصريون كثيرون، على شبكات التواصل الاجتماعى، مع افتتاح الرئيس لعدد من المشروعات التنموية فى السويس وجنوب سيناء.
عبارة «اللى يزعل يتفلق»، موجهة، قطعًا، للأعداء. إذ لا يمكن أن يزعل (يغضب) أى مواطن مصرى، أو من أى جنسية، أو أى دولة صديقة أو محايدة، من افتتاح مشروعات قومية وتنموية فى مصر، خاصة فى سيناء التى كانت، حتى وقت قريب، تعانى فراغًا سكانيًا، كنتيجة طبيعية لقسوة طبيعتها وصعوبة الحياة فيها لعدم وجود مرافق أو خدمات.
أضعاف هذه المساحة، مساحة المقال، لا تكفى لتوضيح أهمية المشروعات القومية والتنموية للاقتصاد المصرى. وعليه، سنكتفى بالحديث عن سيناء التى أشار الرئيس إلى أن الدولة ضخت فيها استثمارات بنحو ٨٠٠ مليار جنيه، خلال السنوات الماضية، شملت محطات تحلية، طرق، أنفاق، مناطق الصناعية ومساكن: «سيناء اللى كنا دايما بنتكلم عنها وماحدش إداها الاستثمارات الكافية.. الدولة المصرية خلال السنوات اللى فاتت حطت استثمارات هائلة، والموضوع مش مرتبط بعدد السكان، ولكن مرتبط بأمن مصر القومي».
المشروعات التى افتتحها الرئيس، صباح الثلاثاء، تأتى فى إطار خطة أشمل تستهدف تحويل مدن القناة وأرض الفيروز إلى إقليم تنافسى يسهم فى نمو الاقتصاد الوطنى. وباكتمال تلك الخطة، وبالقضاء على الإرهاب، يمكننا أن نقول إن «سيناء رجعت كاملة لينا» واقعيًا، وليس مجازًا، كما قالت العظيمة شادية. إذ إن النظر إلى توازن القوى وليس إلى توازن المصالح، جعل أرض الفيروز نقطة ضعف فى جدار أمننا القومى. وحولها إلى مرتع للخارجين على القانون، وقاعدة أو نقطة انطلاق للتهريب وللأعمال التخريبية فى الوادى والدلتا. وظل الوضع يتدهور حتى وجدنا أنفسنا أمام ما لم نكن نبالغ أو نسخر حين سميناه «منتخب العالم فى الإرهاب».
سبق أن أوضحنا، ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء، أنها حين «رجعت كاملة لينا»، سنة ١٩٨٢، عادت بقيود الحدود الآمنة، لا بقيود الحدود الجغرافية أو السياسية. وبالتالى، ظلت منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، وبتراخى السلطات الإسرائيلية المتعمّد، وتواطؤ حركة «حماس»، صارت مرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها العسكرية. بالضبط كما ظل حلم التعمير حبيس الكتب، إلى أن استعادت الدولة عافيتها الاقتصادية واستردت قرارها السياسى.
سيناء، كما ذكر جمال حمدان، فى كتابه «سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا»، ليست مجرد صندوق من الرمال، لكنها صندوق من الذهب، بما تمتلكه من ثروات طبيعية وبيئة فريدة، جعلتها «تختزل جيولوجيا مصر كلها تقريبًا»، وكل هذه الثروات، كما جاء فى الكتاب الصادر سنة ١٩٩٣، تنتظر التخطيط الاستراتيجى الواعى، لإطلاق طاقات التعمير، التى تحتاجها مصر للنهوض على المستوى الاقتصادى، لربط سيناء بالوادى والدلتا. وكان حلم التعمير، كما رسمه جمال حمدان، هو أن تكون قناة السويس مزدوجة، وأن يتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها، وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة.
ملامح حلم تعمير سيناء، التى رسمها جمال حمدان، ظلت حبيسة دفتى كتابه، وكتب ودراسات أخرى له ولآخرين، ولم تبدأ تتحول إلى واقع إلا منذ ٥ أغسطس ٢٠١٤ بتوقيع الرئيس وثيقة حفر قناة السويس الجديدة، التى ألزم فيها منفذى المشروع بالانتهاء منه بعد عام واحد فقط، بدلًا من ثلاث سنوات. وبانتهاء حفر القناة الجديدة، زادت كفاءة قناة السويس وتعززت مركزية البحر المتوسط، بتضاعف البضائع المنقولة، عبره، مرتين. والكلام على عهدة دراسة للأكاديميين الإيطاليين «أنريكو فاربيلا» و«جيورجيو بوردي».
ما حدث فى سيناء، ينسحب كذلك على كل المشروعات التى جرى ويجرى تنفيذها فى كل أنحاء مصر، والتى كانت مخططاتها موجودة، إلى أن جاءت لنا الفرصة لإخراجها وإعادة صياغتها وتطويرها وتنفيذها، كما قال الرئيس، الذى وعدنا، صباح أمس، بتنفيذ «قدها عشر مرات»، وبأن نتقدم أكثر، ليس فى الطرق فقط، التى قفز ترتيبنا فيها لـ٩٠ مركزًا، ولكن أيضًا فى التعليم والصحة والحوكمة ومكافحة الفساد وفى كل شيء «بس جزء كبير من الموضوع ده كله مرتبط بالاستقرار»، لأن «لو مفيش استقرار، يبقى مفيش حاجة حاتحصل».
نوجز فنقول إن مصر المستقرة استعادت عافيتها العسكرية، السياسية والاقتصادية. ومع القفزات التنموية، والمشروعات القومية، التى تسير وفق استراتيجية التنمية المستدامة «مصر ٢٠٣٠»، يكون طبيعيًا ومنطقيًا أن «يزعل» الأعداء، الإرهابيين والضالين، وأن يتفننوا فى إطلاق الشائعات، الأكاذيب أو الهلاوس، لإشاعة اليأس والإحباط. ويكون طبيعيًا ومنطقيًا، أيضًا، أن يقول الرئيس ويردد خلفه المصريون، المصريون الحقيقيون: سنستمر فى تنفيذ وافتتاح المشروعات القومية والتنموية و«اللى يزعل يتفلق».