رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سوق" الحشمة


يظهر من آنٍ لآخر بعض النخب في دوائر المجتمعات الهشة تتشدق بالفضيلة والأخلاق، وعلى الرغم من كونها غارقة في بحر النفاق، فإنها لا تتوقف مطلقًا عن رصد الرذائل الشنعاء التي تستتر وراء هذا النفاق المنتشر، في محاولة للحفاظ على مظهر وقوام المجتمع الفاضل، لتحقيق مشهد الوقار، وهي في الواقع تؤصل مكانة المجتمع في قاع التخلف والسطحية.

بعيدًا عن أن تناول البعض أفكارًا لولبية لفرض غرامة على من يرتدون "الملابس غير المحتشمة" في الأماكن العامة، وأن هذا الأمر قد يتعارض مع الحريات المنصوص عليها في الدستور، ولا ينم إلا عن ردة فكرية شديدة الهوس بملابس السيدات، فإنه أيضًا يكشف عن قراءة متخلفة لواقع الشارع، ما يتسبب في انحطاط الرؤية والتوجه العام.

البعض منا يرغب في الحرية في كل مقام كأننا أحرار العالم، ويتكلم بمنتهى الرقي والوقار عن الحريات والحقوق، وبأن الإنسان هو الكائن الأكثر رقيًّا على سطح الكرة الأرضية، وبمجرد أن يحل موسم "تجارة الحشمة"، وتفشي ظاهرة "الحياء من أهل الصَّلاح" ، تظهر من حولنا شخصية "المتفاصح الخارج عن حد العادة" وهو شخصية تحاول الوجود في دوائر ليست لها علاقة حقيقية بها، كأنها رغبة في عضوية نادٍ اجتماعي لا يتناسب مع قدراته الواقعية.

في المقابل قد يقوم بعض قادة الفكر والكتاب ببعض المحاولات لمواجهة مثل هذا النوع من البشر ليكشفوا عنه قناع نفاقه، في محاولة لمواجهته بحماقاته، وهنا تكمن المواجهة، التي سوف يرفض أن يسلم بأنهم محقون في نقدهم، وسيصب عليهم غضبه متهمًا إياهم بأنهم هم الفاسدون، وغالبًا ما يكون هناك اختلاف فى الرؤى بين المثقف والسياسي النخبوي، على الرغم من استقرار العلاقة في بعض الأحيان، فالمثقف ملتزم بقضايا وطنه وينطلق فكره وقناعاته بالدفاع عن مصلحة المواطن، ومقاومته وتصديه للفساد ولا يوافق على الوضع السائد، وهذا ما يثير حفيظة السياسي.

وفي ما يخص قضية نسبية المظهر المحتشم فهناك أوجه عدة للحقيقة، وطرق عديدة لرؤية الأمور، كما في المجتمعات المتقدمة، التي تعتمد على اعتبارات حقيقية في نسبية التذوق تجاه المظهر أو الفن أو أي شيء، والذي يتضمن تقييمًا ذاتيًّا بشكل كامل، ولكنّ نوع "النسبية" المثير من الناحية النقدية هو نسبية معايير الاحتشام للنخبة السياسية!

جميعنا ينظر إلى المعتقدات والعادات والتقاليد بطريقة مختلفة، ولا يزعجنا أي نوع من الصراعات إذا كانت تخص أمرًا لم يتدخل فيه التراث، كتشجيع فريقك الرياضي المفضل على سبيل المثال، ولكنّ قبول الاختلافات الثقافية، قد يصبح مسألة صراع عندما تتخذ قرارات تخص قضايا أخلاقية موروثة.