رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داعش يضرب من جديد


تنظيم «داعش» أعلن، السبت، مسئوليته عن الهجوم الذى استهدف، الجمعة، قاعدة عسكرية شمال شرقى مالى. وأوضح التنظيم الإرهابى، فى بيان تناقلته مواقع تابعة له، أن من وصفهم بـ«جنود الخلافة» هاجموا قوات تابعة للجيش المالى واشتبكوا معها بمختلف أنواع الأسلحة.
وقع الهجوم، إذن، بعد ساعات من إعلان التنظيم، مساء الخميس، فى تسجيل صوتى، عن تنصيب زعيمه الجديد، أبوإبراهيم الهاشمى القرشى، أو محمد سعيد عبدالرحمن المولى. وبينما ذكر يايا سنجارى، المتحدث باسم حكومة مالى، أن الهجوم أسفر عن مقتل ٥٣ جنديًا ومدنى واحد، زعم «داعش»، فى بيانه، أن الهجوم أسفر عن «مقتل ٧٠ وجرح العشرات وتدمير عدد من الآليات والدبابات، واغتنام أسلحة وذخائر متنوعة وآليات».
الهجوم، الذى استهدف منطقة ميناكا، القريبة من الحدود مع النيجر، هو الأعنف من نوعه، ضد الجيش المالى الذى تدعمه قوات فرنسية. وسبقه بشهر تقريبًا، مقتل أربعين جنديًا فى هجومين استهدفا حدود مالى الجنوبية مع بوركينا فاسو، بحسب مسئول فى وزارة الدفاع المالية. ومع ذلك، تركت الرئاسة الفرنسية كل هؤلاء وأولئك، وركزت فى بيان أصدرته، السبت، على مقتل جندى فرنسى، فى عملية أخرى تبناها «داعش» أيضًا!.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قدم التحية لـ«تضحية» الجندى، وأعرب عن تضامنه «مع رفاقه فى العمليات فى منطقة الساحل والصحراء»، ومع القوات «التى تدفع ضريبة باهظة فى مكافحة الإرهاب». وأكد على أن «الأمة بكاملها تتضامن فى هذه الظروف المؤلمة». كما أعلنت فلورانس بارلى، وزيرة الجيوش الفرنسية، عن أنها ستتوجه «قريبًا جدًا إلى مالى لإجراء محادثات مع السلطات المالية». وأضافت بارلى، فى بيان، أن «مقتل الجندى، رونان بوانتو، يثبت أن المعركة ضد المجموعات الإرهابية فى الساحل لم تنته».
تنشط فى شمال مالى جماعات إرهابية كثيرة، أبرزها «جماعة نصرة الإسلام» التابعة لـ«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، و«تنظيم الدولة فى الصحراء الكبرى» المحسوب على تنظيم «داعش»، ويقوده «أبوالوليد الصحراوى»، الذى بايع التنظيم الإرهابى سنة ٢٠١٥. ولو عدت إلى مقطع الفيديو، الذى نشرته مؤسسة «الفرقان» التابعة للتنظيم الإرهابى، أواخر أبريل الماضى، ستجد أبوبكر البغدادى، يتوعد بأن يخوض التنظيم «معارك أخرى»، بزعم أن هناك معركة طويلة بين «الإسلام وأهله، مع الصليب وأهله». وستجده أيضًا يشيد بـ«مبايعة» عناصر له فى مالى وبوركينا فاسو، ويطالب «أبوالوليد الصحراوى» بشن مزيد من الهجمات على الأهداف الفرنسية هناك «ثأرًا» لقتلى التنظيم، فى معركة «الباغوز»، آخر معاركه فى سوريا.
الجماعات الإرهابية كانت قد سيطرت على شمال مالى فى ربيع ٢٠١٢. ومع أن فرنسا تدخلت عسكريًا، فى يناير ٢٠١٣، بنحو أربعة آلاف جندى، إلا أن الهجمات تواصلت واتسع نطاقها من شمال مالى إلى وسطها، ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. وفى يونيو ٢٠١٧، تبنى مجلس الأمن قرارًا، صدر عن «قمة مالى» بنشر قوة مشتركة تضم خمسة آلاف عنصر من دول الساحل الخمس: بوركينا فاسو، مالى، موريتانيا، النيجر وتشاد، لمحاربة الإرهابيين فى المنطقة. غير أن مجلس الأمن لم يمنح تلك القوة تفويضًا أمميًا، بسبب قلق واشنطن من الالتزامات المالية التى قد تترتب على الأمم المتحدة جراء ذلك. وبالفعل تشكلت تلك القوة، لكنها لم تنجح فى أداء مهامها بسبب مشاكل فى التمويل!.
بعد شهر من «قمة مالى» ومن تبنى مجلس الأمن قرارها، حذّر محمد ابن شمباس، الممثل الخاص للأمم المتحدة فى غرب إفريقيا، أمام المجلس، من أن «حالة عدم الاستقرار فى مالى تتمدد إلى بوركينا فاسو والنيجر»، وأشار إلى أن الحدود بين الدول الثلاث «شهدت توسعًا كبيرًا فى أعمال العنف والأنشطة الإرهابية» وأن «تجار المخدرات ومهربى البشر وتجار السلاح يعبرون تلك الحدود وينتشرون فيها بشكل مؤقت قبل انتقالهم إلى مناطق جديدة».
قرار تلاه تحذير، سبقتهما وتلتهما قرارات، تحذيرات ومبادرات أوروبية، أممية، أمريكية وصينية. ومع ذلك، تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، فى النصف الأول من العام الجارى. بينما لا تزال دول الساحل تعانى نقصًا حادًا فى أنظمة الدفاع والأمن، وتعجز عن توفير أقل من نصف مليار دولار، لتزويد قواتها بالأسلحة والتجهيزات اللازمة لمكافحة الإرهاب، مع أن تلك الدول غنية بالنفط، اليورانيوم، الذهب و... و... وغيرها.
مؤسف جدًا أن تتحول محاربة الإرهاب فى أضعف حلقات القارة السمراء وأكثرها بؤسًا، إلى حرب نفوذ شرسة بين قوى دولية عديدة لا يعنيها القضاء على التنظيمات الإرهابية، بقدر ما تعنيها السيطرة على تلك المنطقة واقتسام ثرواتها. وعليه، كان طبيعيًا أن تشهد مالى أولى عمليات تنظيم «داعش» بعد مقتل زعيمه السابق أبوبكر البغدادى، وتنصيب الزعيم الجديد.