رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جديد المستنقع الأفغانى



بعد نحو أسبوع من زيارة مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى، توجه زلماى خليل زاد إلى العاصمة الأفغانية كابول، والتقى عددًا من كبار المسئولين، بينهم الرئيس المنتهية ولايته أشرف غنى. بينما لا يزال الأفغان ينتظرون أو يترقبون الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية التى خاضها ١٨ مرشحًا، وانحصرت المنافسة فيها بين «غنى»، وعبدالله عبدالله، رئيس السلطة التنفيذية، أو الرئيس التنفيذى لحكومة الوحدة.
خليل زاد، المولود سنة ١٩٥١، فى مدينة مزار الشريف، شمالى أفغانستان، وتخرج فى الجامعة الأمريكية بالعاصمة اللبنانية بيروت فى سبعينيات القرن الماضى. وخلال صعود وسقوط حركة طالبان، لعب أدوارًا مريبة، ثم اختارته الولايات المتحدة سفيرًا فى كابول منذ ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٥، ثم سفيرًا لدى بغداد حتى سنة ٢٠٠٧، وصولًا إلى اختياره مبعوثًا أمريكيًا خاصًا لدى أفغانستان، وقيامه بقيادة المفاوضات الأخيرة مع «طالبان» حتى انهيارها. وجاءت زيارته الأخيرة إلى كابول وسط تكهنات بأن واشنطن تحاول إعادة إطلاق جهود إنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة. وبالتزامن مع ظهور تحذيرات من أن أفغانستان صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المهزومة، والمحاصرة، فى منطقة الشرق الأوسط.
جولات المفاوضات التسع، التى انتهت إلى لا شىء، استضافتها الدوحة، وتحملت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة تكاليفها: الإقامة والنقل والمصاريف، بعد أن رفض الكونجرس الأمريكى مقترحًا بإدراجها، مع مبالغ أخرى لقادة «طالبان»، تحت بند دعم أنشطة التسوية، لأن القانون يمنع تقديم دعم مادى للجماعات الإرهابية. وكادت تلك المفاوضات تنتهى بتوقيع اتفاق تسحب واشنطن بموجبه قواتها فى أفغانستان، مقابل تقديم الحركة لضمانات أمنية. لكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قام بإلغاء اجتماع بين الحكومة الأفغانية وممثلى الحركة، كان مقررًا أن تستضيفه الولايات المتحدة فى سبتمبر الماضى، وأعلن أن المفاوضات باتت فى حكم «الميتة»، مبررًا قراره بمقتل جندى أمريكى فى هجوم شنته الحركة فى كابول.
ملف الوضع فى أفغانستان احتل صدارة أجندة نقاشات وزراء دفاع دول الناتو، التى استضافتها بروكسل، الأسبوع الماضى. وخلال مؤتمر صحفى انعقد فى ختام اليوم الثانى من النقاشات، أكد ينس ستولتنبرج، أمين عام الناتو، التزام أعضاء الحلف الـ«٢٩ دولة» وكثير من الشركاء، بالمهمة الأطلسية فى أفغانستان. وقال: «لا نفعل ذلك لأننا متضامنون مع أفغانستان ومع الشعب الأفغانى فحسب، ولكن أيضًا من مصلحتنا التأكد من أن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى بلدًا يمكن للجماعات الإرهابية الدولية أن تتدرب فيه، أو القيام باستعداداتها وتخطيطها لهجمات إرهابية على بلداننا، لذلك نحن فى أفغانستان لحماية أنفسنا، وللتأكد من أننا لن نرى شيئًا مماثلًا لما وقع فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ ضد الولايات المتحدة».
أيضًا، أكد حلف الأطلسى، فى بيان، أنه سيعمل على جعل القوات الأفغانية أكثر قوة حتى تتمكن من محاربة الإرهاب الدولى، وحتى تتمكن من خلق الظروف الملائمة للسلام. وأشار إلى أن الحلف سبق أن دعم محادثات السلام فى وقت سابق من العام الجارى، مؤكدًا أنه سيرحب باستئناف هذه المحادثات، لكنه اشترط لكى يتم التوصل إلى اتفاق موثوق، أن تقدم طالبان تنازلات حقيقية. كما أشار البيان إلى أن الوزراء ناقشوا الانتخابات الرئاسية الأفغانية.
انتخابات الرئاسة الأفغانية التى جرت فى ٢٨ سبتمبر الماضى، وكان مقررًا إعلان نتائجها الأولية فى ١٩ أكتوبر الماضى، لن يتم إعلانها قبل منتصف الشهر الجارى، بسبب مسائل تقنية أعاقت فرز الأصوات، بينها محاولة قرصنة النظام المركزى الذى وضعته شركة «ديرمالوج» الألمانية لمنع التصويت المزدوج. وفى تصريحات صحفية، قالت حوا علم نورستانى، رئيسة لجنة الانتخابات، إن تفويت الموعد لا يعنى الفشل، لأن الانتخابات «تشكّل مسألة محددة لمصير البلاد، ونحن لا نقبل التضحية بالشفافية من أجل السرعة».
تلك هى رابع انتخابات رئاسية منذ إطاحة الولايات المتحدة بحكم «طالبان» فى ٢٠٠١، والثانية التى يتنافس فيها أشرف غنى، وعبدالله عبدالله، بعد انتخابات ٢٠١٤ التى تم التشكيك فى نتائجها، ولم يعترف الأخير بنتائجها، إلا بعد أن استحدثت له واشنطن منصب رئيس السلطة التنفيذية. وسواء تم الإعلان عن فوز «عبدالله» أو «غنى» فإن «طالبان» لن تعترف بأى منهما، لأنها لا تعترف بشرعية السلطة الأفغانية، أساسًا، وترفض إجراء أى محادثات معها، وتصفها بأنها مجرد «دمية» تحركها الولايات المتحدة.
أفغانستان، كما أشرنا، صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المهزومة، والمحاصرة، فى منطقة الشرق الأوسط. وقطعًا، ليست صدفة أن تزعم منظمة «هيومن رايتس ووتش» المشبوهة، فى تقرير نشرته الخميس الماضى، أن «المجموعات الضاربة» المدعومة من المخابرات المركزية الأمريكية، ارتكبت «انتهاكات خطيرة» بين نهاية ٢٠١٧ ومنتصف ٢٠١٩، بعضها «يرقى إلى جرائم حرب»!