رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيئة الأمر بالملبوس والذوق العام


أخيرًا تنبهت النائبة البرلمانية «غادة عجمى» إلى أهمية الحفاظ على الذوق العام، وهو اكتشاف جميل حتى لو جاء متأخرًا، ومن ثَمّ تقدمت فى ٣٠ أكتوبر الماضى، بمشروع قانون لتغريم كل من يخالف الذوق العام، الذى جاء تعريفه لديها على أنه: «مجموعة السلوكيات والآداب التى تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته حسب الأسس والمقومات المنصوص عليها فى الدستور والقانون».

لا يمكن لأحد أن يتفق مع تعريف «عجمى» الغامض لموضوع الذوق، ولا بد لكل عاقل أن يتساءل: كيف نحدد السلوكيات والآداب التى تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه؟ أما إحالة موضوع الذوق العام إلى نصوص دستورية فلا تثير إلا الدهشة، لأن الدستور لم يتعرض بحرف لمفهوم الذوق، لكنه على العكس أكد الحرية الشخصية للمواطن.

لكن النائبة تحدد لنا الأمور التى تخالف الذوق العام فى تقديرها وهى، على سبيل المثال: التلفظ بأى قول أو إصدار أى فعل فى الأماكن العامة قد يؤدى للإضرار بالموجودين وإخافتهم أو تعريضهم للخطر، وتنص المادة الرابعة من المشروع، الذى قدمته النائبة على أنه: «لا يجوز الظهور فى مكان عام بزى أو لباس غير محتشم أو ارتداء زى أو لباس يحمل صورًا أوأشكالًا أو علامات أو عبارات تسىء إلى الذوق العام».

وإذا كنا لم نفهم بدقة ما الذوق العام، فإننا الآن لا نفهم أيضًا ما هو بالدقة «الزى غير المحتشم» أو ما بالضبط «العبارات التى تسىء إلى الذوق العام»؟

هكذا يمضى المشروع من تعريف فضفاض ومطاط للذوق إلى تعريف آخر فضفاض ومطاط لأشكال الإساءة للذوق، إلى تحديد لائحة المخالفات بأنها السلوكيات الخادشة للحياء التى تتضمن تصرفات ذات طبيعة جنسية.. إلى آخره.

ومجددًا نحن فى الغموض، فما بالضبط السلوكيات الخادشة للحياء؟ ومن الذى سيحدد إن كان سلوكًا بعينه خادشًا أم نصف خادش أنه قد مر بسلاسة ولله الحمد؟ لكن مشروع «عجمى» ينتهى بنتيجة واحدة واضحة، وهى المطالبة بتغريم المخالفين للذوق العام من خمسمائة إلى ألف جنيه، ويمكن العثور على أولئك الضحايا كما يشير المشروع فى الأماكن التالية: «الأسواق، المجمعات التجارية، الفنادق، المطاعم، المقاهى، المتاحف، المسارح، دور السينما، الملاعب، المنشآت الطبية والتعليمية، الحدائق، المتنزهات، الأندية، الطرق، الشواطئ، وسائل النقل المختلفة، والمعارض».

هكذا اعتمادًا على عبارات غامضة عن الذوق العام، تنطلق النائبة نحو تغريم الناس الذين لا يرتدون زيًا محتشمًا، وإن كان أحد لا يدرى ما الزى المحتشم، وتغريم مرتكبى السلوكيات الخادشة للحياء، وإن كان أحد لا يدرى ما تلك السلوكيات؟

النائبة عجمى التى تريد الآن فرض الغرامة على الزى غير المحتشم، هى نفسها التى تقدمت فى نوفمبر العام الماضى بمشروع قانون لحظر النقاب فى الأماكن العامة! وفيه أيضًا توقيع غرامة تصل لألف جنيه على كل من ترتدى النقاب فى الأماكن العامة! وهى ذاتها التى أعلنت عقب دخولها البرلمان فى ديسمبر ٢٠١٦ أنها سوف تتبنى تشريعًا يجبر المصريين بالخارج على تحويل مائتى دولار شهريًا لدعم الاقتصاد المصرى.

هكذا تنطلق كل مشاريع غادة عجمى من وإلى تحصيل الفلوس، مما يجعلنى أتساءل إن كانت تعمل فى مصلحة الضرائب قبل دخولها البرلمان، كما ينطلق مشروعها الأخير من شكل القضية وليس جوهرها، فالذوق العام إن كان مستواه يؤرق السيدة عجمى فهو يرتفع ليس بالغرامات، وليس بما هو محتشم وغير محتشم، بل بنشر الثقافة وبالتنوير وبالفن وبأسعار رخيصة للكتب، هذا بينما يصل ثمن تذكرة الأوبرا فى بعض حفلاتها إلى ألف جنيه، ويصل سعر الكتاب من هيئة الكتاب الحكومية إلى أكثر من مائة جنيه، وتنتشر الأفلام التى تصدم وتسىء للذوق العام.

نحن مع الارتقاء بالذوق العام، لكن كيف نفعل ذلك؟ بأن نؤسس هيئة «الأمر بالملبوس»؟ فتجرى الفرق فى الشوارع لتحدد: «هذا محتشم، وهذا غير محتشم؟». أظن أن الحكومة تهمس لنفسها حين تأتى سيرة البرلمان: «اللهم اكفنى شر أصدقائى».