رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بن لادن والزرقاوى والبغدادى.. ليسوا آخر القائمة


عاش خائنًا، ومات كافرًا.. عبارة قد تلخص حياة الإرهابى أبوبكر البغدادى الذى شغل العالم، طيلة السنوات الماضية بكل ما ارتكبه وتنظيمه، من عمليات إجرامية، لم يقرها أى دين سماوى، وتعارضت دائمًا مع كل القيم الإنسانية.
يكفى «البغدادى» خزيًا، فى الدنيا قبل الآخرة أن قال الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، خلال إعلانه عن مقتله، فى منطقة باريشا شمال إدلب بسوريا: «لم يمت بطلًا، بل جبانًا.. كان يبكى وينتحب ويصرخ، وهو يركض فى نفق مسدود، قبل أن يُفجر سترته الناسفة، مصطحبًا ثلاثة من أولاده إلى النفق، فقُتلوا معه»، وكأنه أرادهم دروعًا بشرية، قد تحميه من بطش من لا يعرف للإنسانية معنى وهم القوات الخاصة الأمريكية، التى اشترك قرابة سبعين منهم، فى عملية ملاحقته وقتله، كعميل خان دينه وبلاده من أجلهم، فكان ورقة من أوراقهم واحترقت، لينضم إلى قائمة من سبقوه، أسامة بن لادن وأبومصعب الزرقاوى، ممن عملت المخابرات الأمريكية على احتضانهم وتنشئتهم شوكة فى ظهر بلادهم، ولعنة حلت على أهلهم، يقتلون أطفالهم ويستحيون نساءهم، وينهبون خيرات جادت بها السماء على أوطانهم، دون أن يدركوا، أنه مهما طال الزمن أو قصر، فإنهم لا محالة هالكون، على يد من صنعهم، متى استنفدوا أغراض بقائهم. لذلك، وعلى الرغم من الاحتفاء بمقتل أخطر الإرهابيين على مستوى العالم، إلا أن زعماء الغرب يعرفون حقيقة أن البغدادى ما هو إلا حلقة من حلقات رعاية واشنطن للإرهاب فى الشرق الأوسط، ما دامت آبار البترول تجود بخيراتها، وما ظلت خزائن البترودولار عامرة بكنوزها.. وهنا يؤكد رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، أن «مقتل البغدادى لحظة مهمة فى القتال ضد الإرهاب، لكن المعركة ضد شر داعش لم تنته بعد»، وكتب الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، فى تغريدة له على تويتر أن «مقتل البغدادى ضربة موجعة لداعش، لكنها لا تمثل سوى مرحلة.. المعركة مستمرة إلى جانب شركائنا فى التحالف الدولى حتى هزيمة التنظيم الإرهابى نهائيًا.. هذه أولويتنا فى المشرق»، بينما هنأت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلى، «الحلفاء الأمريكيين على العملية» التى أدت إلى مقتل البغدادى، وأشارت إلى أن مقتله «تقاعد مبكر لإرهابى، ولكن ليس لتنظيمه».. يقولون هذا لمعرفتهم الوثيقة، بأنه ما دامت بعض دول الشرق العربى متماسكة، وبعضها الآخر استعصى على السقوط، فإن داعش سيظل موجودًا، بدعم ممن أوجدوه بدايةً، ومولوا عملياته، وأسهموا فى خروج ودخول مقاتليه، من وإلى سوريا والعراق، بل إن دولة مثل تركيا، كانت الراعى الرسمى، بوازع من واشنطن، لكل إجرام البغدادى وزبانيته، فهى من استقبل جرحاه فى مستشفياتها، ومن تلقفوا نفط سوريا والعراق لبيعه لحسابهم، وهى كانت المعبر لكل العتاد العسكرى، الذى حاربت به داعش دول المنطقة.. ومع هذا، وبوجهه المكشوف، ودون استحياء أو خزى، كتب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، على تويتر، أن «مقتل زعيم داعش يعتبر نقطة تحول فى الحرب على الإرهاب»!، مضيفًا أن بلاده «ستواصل دعمها لجهود مكافحة الإرهاب، كما فعلت فى السابق»!.. صحيح، إذا لم تستحِ، فقل ما شئت.
إلا روسيا، فلها رأى مغاير فيما حدث.. إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إنها لا تملك أى معلومات تؤكد مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى، نافية تقديم أى مساعدة لتحليق الطيران الأمريكى فى منطقة إدلب، شمال غرب سوريا.. وأكدت على لسان المتحدث باسمها، أنها «لا تمتلك أى معلومات مؤكدة حول تنفيذ العسكريين الأمريكيين عملية لتصفية جديدة للزعيم السابق لتنظيم داعش، أبوبكر البغدادى، فى الجزء الخاضع لسيطرة تركيا بمنطقة إدلب».. وأضافت: «زيادة عدد المشاركين المباشرين، والدول التى قيل إنها شاركت فى هذه العملية المزعومة، مع وجود تفاصيل متناقضة على الإطلاق لدى كل منها، تثير تساؤلات وشكوكًا مبررة حول مدى واقعيتها، خاصة نجاحها»، لأنه، أولًا، لم يتم رصد أى ضربات جوية من قبل الطيران الأمريكى أو ما يسمى التحالف الدولى على منطقة إدلب، لخفض التصعيد، فى غضون يوم السبت أو الأيام الأخيرة الماضية، وثانيًا، «لا علم لدينا بتقديم أى مساعدة مزعومة لتحليق الطيران الأمريكى فى المجال الجوى فوق منطقة إدلب خلال هذه العملية»، وهذا تكذيب روسى صريح لما قال به الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، من أن روسيا فتحت المجال الجوى الذى تسيطر عليه فى سوريا، لتنفيذ الغارة!
السؤال الآن: هل قتلت أمريكا البغدادى فعلًا أم أنها مسرحية؟
جرت العادة أن تُصدر التنظيمات الإرهابية بيانات رسمية موثقة عن مقتل أى عضو فى صفوفها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ومن غير المُستبعد أن يكون ترامب قد نسج هذه المسرحية، مثلما لفّق أخرى مُماثلة عن مقتل حمزة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة، دون أن يُقدم دليلًا واحدًا أو صورة واحدة تؤكد أقواله، ومن مُنطلق سعيه لأى انتصار، يُحول الأنظار عن فشل مشروعه السورى، ويظهره بمظهر البطل، لكسب الأنصار فى معركته الانتخابية، ولا ننسى أن لديه عُقدة من سلفه أوباما، ويُريد تقليده فى كل شىء، فالأول قتل بن لادن، وها هو يقتل البغدادى.. دعونا نتذكر أن إدارة بوش الابن، عندما اغتالت القوات الأمريكية عدى وقصى، نجلى الرئيس صدام حسين، عرضت جثتيهما أمام المصورين وعدسات التليفزيون لتأكيد مقتلهما، وحرصت على تسريب شريط تليفزيونى عن كيفية إعدام والدهما، بعد محاكمة صورية له، كما وضعت جثمان الرئيس الليبى، معمر القذافى فى حاوية لتبريد الخضروات، لبِضعَة أيام «ليتفرّج عليه الشّامتون»، بينما تكتمت إدارة الرئيس أوباما كُليًا على مصير جُثتى أسامة بن لادن الأب، وحمزة بن لادن الابن، والآن لم نرَ أى صور لأبى بكر البغدادى وأطفاله الثلاثة وزوجتيه، ومن قُتل معهم، من مساعديه، تؤكد قتلهم فعلًا، ولا نعرف أين مكان دفنهم، مما يُوحى بأن هناك ما تريد هذه الإدارات وقيادتها إخفاءه عن مواطنيها وعن العالم بأسره، وربما سنحتاج إلى عقود لكى نعرف الحقيقة.
خلاصة القول.. إن البغدادى جرى قتله أكثر من مرة، فى السابق، وفقًا لبيانات رسمية أمريكية، وتشكك الرواية الروسية فيما تم إعلانه من قِبل ترامب، لكن يبقى التأكيد أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لن ينتهى بانتهاء البغدادى بهذه النهاية المُعلنة من قبل واشنطن.. فإذا كان انهيار تنظيم القاعدة الأم أدى لنُشوء تنظيمين أكثر عُنفًا ودموية، وهما «النصرة» و«داعش»، فإننا لا نستبعد أن تتكرر السابقة نفسها فى الأشهر والسنوات المُقبلة، خاصة أن «الحواضن» الملائمة ما زالت موجودة، فى كُل من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وليبيا.. وما زال من يحتاج لخدمات مثل هؤلاء الإرهابيين، يدعم وجودهم سرًا، رغم إعلانه محاربتهم فى العلن.. فهل ستكون أمريكا، المُتهمة بتأسيس تنظيم داعش، ومن ثم القضاء عليه، أحد الأسباب الرئيسية لعودته مرة أخرى، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، مثلما يعتقد الكثيرون؟
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.