رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة حياة «حا - سن - بانا»


أنا! من أنا؟ هل تسألنى؟ سأقول لك يا سيدى، أنا فى الحقيقة «صَلعت بن مَلعت» عالم الآثار البلجيكى الذكى النبيه، الذى يعرف كل لغات العالم القديمة، أقوم بالبحث فى الآثار، وفك الرموز الخاصة بالحضارات التى اندثرت، أتفوق على مستر «روبرت لانجدون» عالم الرموز الشهير، الذى أصبح بطلًا لروايات الروائى الأمريكى «دان براون»، وأغوص فى أعماق التاريخ لأخبركم بأشياء قد خفيت عنكم، ولكى تعرفوا أعجب قصة من الممكن أن تصل إليكم، لذلك يجب أن تسمعوا منى هذه الحكاية الأسطورية.
بينما كنت أقوم بالنبش فى أرض للآثار بأسيوط، أبحث فى مقابر المصريين القدماء عن مومياء لأحد الفراعنة القدامى، وكان معى آنذاك واحد من أبناء الصعيد العظام اسمه «عم مغاورى» إذ بى أجد أرضًا رخوة تدل على أنها تخفى أسفلها شيئًا ما، قال لى عم مغاورى: يا حضرة الأثرى صلعت، فِكرك هانلاقى مساخيط إهْنا؟!.
قلت له: ماذا تقصد يا عم مغاورى، ما المساخيط؟ وما إهنا؟!.
رد على الفور: المساخيط يا سيدنا الأستاذ هى المومياء بلهجتنا، وإهْنا يعنى «هنا» بلهجتكم.
قلت له: أممم أنا أفك الرموز منذ زمن، لذلك كان من الواجب أن أعرف الذى تقوله على الفور.
قال عم مغاورى: رموز إيه وبتاع إيه يا راجل يا طيب، طب ركك علىَّ أجيبلك الواد خضيرى ابنى يكلمك فرعونى زى اللبلب. قلت له: ما علينا، هيا بنا نحفر فى هذه الأرض لعلنا نجد شيئًا مهمًا أو أوراق بردى تحتوى على أسرار، أو مومياء لأحد الفراعنة القدامى.
وبالفعل أخذنا فى الحفر، وإذ فجأة وجدنا الأرض تنهار من تحت أقدام الحافرين، يا للهول! إنها حفرة عميقة، ما الذى تخفى داخلها؟.
انتظرنا لليوم التالى حتى يطلع النهار وعندما دخلنا إلى أعماق الحفرة وجدناها مظلمة، ولكن الحمد لله إننا كنا عاملين حسابنا، حيث كنا قد أحضرنا بطاريات إضاءة وارد الصين، ولكن للأسف أثناء دخولنا السراديب فوجئنا بانطفاء بطاريات الإضاءة، إذ اتضح أن الصناعة الصينية مضروبة، فلم يكن أمامنا إلا استخدام الشموع، وكانت ليلة ليلاء، فقد اتضح أن الواد خضيرى، ابن عم مغاورى، يخاف من الظلام، فحين انطفأت أنوار البطاريات صرخ فزعًا وهو يقول: تعاليلى يا أمة، ولكن يبدو أن أمه لم تكن معنا آنذاك فلم تحضر له، وحين أوقدنا الشموع وجدت أسفل قدم الواد خضيرى بركة ماء فتعجبت من وجود هذا الماء فى هذه الحفرة، فقلت فى نفسى لعلها مياه جوفية، ولكن معنى وجود مياه جوفية أنها من الممكن أن تُفسد المومياوات، فأخذت أدعو الله أن ينجى الآثار المصرية من المياه الجوفية، ولكننى ازدردت ريقى عندما قال لى مغاورى منبهًا: ما تخافش يا باشمهندز من الميَّه، إنت ما وخدش بالك إنها صفرة، فقلت له: نعم إن كلامك حقيقى ولكن هل لهذا معنى؟!.
غمز لى مغاورى أن أنظر للواد خضيرى، وبالفعل حينما نظرت إليه وجدت بقعة كبيرة من المياه على سرواله، إلا أننى لم أفهم الرابط بين هذا وذاك، ويبدو أن الواد خضيرى حاول أن يضع قدرًا من هذا الماء فى جيب سرواله على ظنٍ منه أنه ثروة من ثروات الفراعنة، يا لهذا الولد الأبله! وهل من الممكن أن تكون هذه المياه الجوفية موجودة من أيام الفراعنة؟.
المهم يا سادة أننا عثرنا فى نهاية الأمر على مومياء لمصرى قديم، يبدو من هيئته أنه كان لأحد الكهنة، إذ وجدنا تمثالًا لصاحب المومياء يدل على أن صاحبه كان ملتحيًا، وكان مع المومياء بعض أوراق البردى، وقد استنتجت أنها تحتوى على قصة حياة صاحب المومياء، المهم أننى بذلت جهودًا مضنية لأفك رموز اللغة المكتوبة فى أوراق البردى حتى استطعت أخيرًا معرفة ما فيها، وقد كان فيها أعجب ما يمكن أن يقرأه المرء فى حياته، فيا لك من محظوظ أيها الإنسان الذى يقرأ قصة حياة أحد المصريين القدماء، ولا أخفيكم سرًا أننى قمت بتصوير أوراق البردى هذه من خلال ماكينة التصوير الموجودة أمام محافظة أسيوط فى كشك يمتلكه عم «برسوم الدخاخنى» واحتفظت بالصور لنفسى وقمت بتهريب قراطيس البردى لمتحف اللوفر كعادتى كل عام، وهاكم الترجمة.
«أنا الكاهن الأكبر حا- سن- بنا، وقد ولدتنى أمى بشكل مختلف عن باقى البشر إذ كنت أحمل كرباجًا فى يدى اليمنى وأنا أنزل إلى الدنيا الواسعة، وما إن سحبنى الطبيب الفرعونى (بتاح) من بطن أمى حتى حدث شىء غريب، ذلك أنه إذا كان الأطفال يولدون وهم يبكون فإن الأمر كان مختلفًا معى، فأنا لم أبك ولكن الذى بكى هو الطبيب (بتاح)، وأنا لا أعرف إلى الآن سبب نحيبه وعويله، ولكن بعضهم قال لى إن آثار الكرباج كانت بادية على كفوف يديه التى أخرجتنى من بطن أمى، ومرت سنوات وتناقل الناس أننى كنت قد حفظت أوراق (رع المقدسة) وأنا بعد صغير، ولا أعرف من هو صاحب تلك الفرية الكاذبة، وعندما التحقت بمدرسة (كهنة منف) الابتدائية قدم مدير المدرسة استقالته! وبعد أيام شوهد وهو يلقى بنفسه من فوق هرم خوفو الأكبر، أما مدرس اللغة الهيروغليفية فيقال إنه عندما رآنى اعتراه الذهول وفقد القدرة على الكلام وأصيب بالتخلف العقلى، وبعد أيام شوهد وهو يربط رأسه بمنديل آمون ويحمل قفة فوق رأسه وضع فيها جعارين وبرديات وأخذ يبيعها على باب المدرسة، وكانت هذه هى نهاية هذا المدرس التعيس. وعندما تخرجت من المدرسة بأمان (الإله رع) ورعايته التحقت بمعهد علوم الخط الهيروغليفى، وبعد أن تخرجت فى الكلية اشتغلت مدرسًا للخط الفرعونى فى إحدى مدارس مدينة (إسماعيل لية) وفى هذه المدينة العريقة أنشأت جماعتى الكبرى التى سميتها (إخ وان) وجعلت شعارًا لها أوراق بردى وسيفين، وكانت طموحاتى أن أصبح فى مستقبل الأيام حاكمًا للعالم كله، لذلك كان يجب أن يكون السيفان شعارًا لى، أما السيف الأول فهو من أجل مواجهة أعداء النجاح بالداخل، والسيف الآخر لمواجهة العالم كله. والعجيب أن بعض الحاقدين اتهم جماعتى السرية بأنها قتلت رئيس وزراء مصر (آل نوق راشى)!».
وهنا انتهت البردية الأولى.. أما البردية الثانية فقد جاء فيها:
«فلينجدنى أحدكم أنا الطبيب (بتاح) وقد كان من سوء حظى أننى قمت بتوليد المسكينة أم الكاهن (حا- سن- بنا) وأنا الذى سحبته بيدىّ هاتين للحياة ومن ساعتها وأنا ألوم نفسى لومًا شديدًا ولكن ماذا أفعل وهذا المختل كان يحمل كرباجًا فى يده وقت ولادته، إن هذا المختل ناكر الجميل لا يعرف عرفانًا أو وفاءً، انتهت حياة كل معارفه نهاية مؤسفة ما بين انتحار أو قتل غامض، وعندما كان هذا الشخص على وشك أن يصبح تابعًا أمينًا للملك غامرت مغامرة رهيبة وقمت بتحذير كل الكهنة منه، والحمد لله اقتنع كل الكهنة بخطورة هذا المختل وقرروا إبعاده من الترشح، ولكن المختل قدَّم ضدى وشاية ظالمة فتم حبسى فى سجن مدينة طيبة العمومى، ولكن الحمد لله أننى خلصت العالم من شره، والآن انجدونى وأخرجونى من السجن»
أما البردية الثالثة فجاء بها..
«عدت الآن من تشييع جنازة الطبيب المسجون بتاح وقد قضى نحبه داخل السجن.. وقد حضرت الجنازة بصفتى التابع الأمين للملك».
توقيع
«حا- سن- بنا»