رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كم حالة حمل فى المظاهرات؟!



علامة التعجب من عندى، أما السؤال فطرحته سكارليت حداد، المذيعة بقناة «OTV» اللبنانية. كان أحد زملائها فى تقديم البرنامج يقرأ نكتة متداولة على شبكات التواصل الاجتماعى عن عدد حالات التعارف، الخطوبة والزواج، فى الاعتصامات، فأضافت ضاحكة: «تنشوف كام حالة حمل؟» ما رآه البعض تلميحًا إلى حدث ممارسات غير أخلاقية.
القناة مملوكة لـ«التيار الوطنى الحر»، حزب ميشال عون، الرئيس اللبنانى، وصهره جبران باسيل، وزير الخارجية، أكثر من هتف المتظاهرين ضدهم. وعليه، وجدها البعض فرصة للهجوم على «إعلام السلطة» واتهامه بمحاولة تشويه المظاهرات. بينما اعتذرت «حداد»، فى حسابها على «فيسبوك»، مؤكدة أنها لم تقصد إهانة أحد، وأن عبارتها جاءت فى سياق تداول النكات مع زملائها، وأنها كانت تحاول، فقط، إدخال جو من المرح فى ذلك الصباح!.
الشوارع والساحات والميادين، فيها عشرات أو مئات الآلاف. وشخصيًا، لا أجد أى مشكلة فى ظهور عارية هنا أو راقصة هناك. بل أرى المشكلة فى التركيز على هؤلاء فقط. وهو ما يفعله، للأسف، بعض اللبنانيين قبل غيرهم، ويحاولون تبريره بكلام «تخين»، وسخيف غالبًا. ومن المفارقات أن السفارة الأوكرانية فى بيروت أبدت استيائها من نكتة تداولتها وسائل إعلام لبنانية، نصحت الرجال بعدم اصطحاب زوجاتهم إلى المظاهرات، لأنه سيتم استقدام «أوكرانيات»!.
طبيعى، كما فى كل التجمعات الكبيرة، أن يختلط الحابل بالنابل. وأن يندس بين المتظاهرين أوغاد وعملاء، ليبيعوا خدماتهم إلى كيانات داخلية أو دول أجنبية. كذلك الذى هاجم الرئيس المصرى أو تلك التى تم استئجارها للإشادة، فى اللاسياق، بالفتى الجالس على عرش دويلة محتلة من ثلاث دول على الأقل. وهناك، طبعًا مستأجرون، بفتح الجيم، يلعبون دورًا من الخارج، كتلك العاهرة «برخصة» قطرية أو إسرائيلية، المقيمة فى بريطانيا، وتوزع سمومها على كل دول المنطقة. وحين اشتعل وطنها، لو جاز أن يكون لأمثالها وطن، اكتفت من ملاذها الآمن، بإبداء تعاطفها مع من يخاطرون بحياتهم ولا يخافون الموت!.
إلى الأوغاد والعملاء، يمكنك أن تضيف هؤلاء الذين قاموا فى ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، بتلاوة قسم الطاعة العمياء لـ«الولى الفقيه» فى إيران. وهؤلاء الذين اقتحموا الساحة نفسها، يوم الجمعة، وهم يرتدون القمصان السوداء، الزى المميز لغلمان «حزب الله»، وهتفوا «لبيك، نصر الله» فى إشارة إلى زعيمهم حسن نصر الله، ثم اشتبكوا مع المتظاهرين، قبل أن تتدخل قوات مكافحة الشغب للفصل بين الطرفين، وإلقاء القبض على عدد منهم. والمؤسف هو أن يظهر «نصر الله»، مرة ثانية، ليحذر من «حرب أهلية محتملة».
عدد المتظاهرين وصل إلى ٢ مليون، بحسب تغريدة كتبتها هيفاء وهبى، فى حسابها على «تويتر» تعليقًا على كلمة الرئيس اللبنانى، ميشال عون، التى وصفتها بأنها «كلمتين مقطشين تقطيش مازادوا شى غير تمسك الشعب بالثورة والتغيير أكتر وأكتر». ومع دخول الاحتجاجات يومها التاسع، والعاشر فى الطريق، نصب مئات المحتجين الخيام فى الطرق الرئيسية. ولا تزال البنوك والجامعات والمدارس مغلقة. وبالفعل، تصاعد الغضب بعد كلمة «عون»، التى أبدى خلالها استعداده للقاء ممثلين عن المتظاهرين.
الرئيس اللبنانى تعهد ببذل كل جهد ممكن لإجراء إصلاحات جذرية، لكنه قال إن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا من داخل مؤسسات الدولة، وطالب بضرورة احترام حرية التنقل، وحث المتظاهرين على إزالة حواجز الطرق. بينما رفض المتظاهرون ى دعوة للحوار أو الاجتماع، وأكدوا أنهم مستمرون بدون أى انقطاع حتى ترحل الطبقة الحاكمة بالكامل. وعلى الخط، دخلت «الجماعة الإسلامية بلبنان»، الفرع اللبنانى لجماعة الإخوان، وقدمت مبادرة لمرحلة انتقالية، لم تمكن أكثر من إعادة تدوير لورقة سعد الحريرى، مضافًا إليها أن «تقليص ولايات الرئاسات الثلاث والمجالس جميعا لمدة لا تتعدى الستة أشهر من الآن».
لم يعد هناك مفر، كما قلنا منذ أيام، من بدء التحضير لانتقال سلس للسلطة، يراعى أوضاع البلاد التى لا تحتمل استمرار حالة الشلل التام التى تعيشها الآن. ونرى، مع وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى، وغيره، ضرورة الإسراع بإجراء تعديل حكومى والدعوة إلى انتخابات نيابية وفق قانون عصرى لا طائفي. ولعلك تتذكر أننا سبق أن أوضحنا أن الوضع سيظل على ما هو عليه، ما لم يتم إقرار قانون انتخابات جديد، يتيح للمواطنين اختيار ممثليهم بشكل حقيقى، دون أى قيود طائفية، عرقية، أو مذهبية.
أخيرًا، وإلى أن يحدث ذلك، لا نجد حرجًا فى أن نسأل: كم حالة حَمْل داخل حكومة لبنان وبرلمانها ونخبتها السياسية؟! وهو سؤال نراه بديهيًا ومنطقيًا فى ظل العلاقات غير الشرعية، المعلنة، التى ربطت (وتربط) وزراء ونواب، سابقين وحاليين، بدول أخرى!.