رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السد والحرب.. لقاء سوتشى


اللقاء الذى كان مقررًا أن ينعقد بمدينة سوتشى، على هامش القمة «الروسية- الإفريقية»، انعقد صباح أمس الخميس. وفيه تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى وأبى أحمد على، رئيس الوزراء الإثيوبى، آخر تطورات أو تعقيدات ملف سد النهضة. وكما توقعنا، أكد أبى أحمد، أن التصريحات الأخيرة، المنسوبة إليه بشأن السد، تم اجتزاؤها من سياقها.
قلنا أمس إن ما نقلته وكالة «أسوشيتد برس» عن الرجل تضمّن كلامًا عاقلًا عن كون «المفاوضات وحدها هى القادرة على حل جمود الموقف الحالى»، غير أن هذا لا يكفى لتصديق أن باقى كلام الرجل لم يطله التحريف، الذى جعله أقرب إلى التخريف. وأوضحنا كيف أن التصريحات التى نقلتها الوكالة عبثية ومضحكة، ولا يمكن أن تسبب ضيقًا أو قلقًا إلا لمؤيدى «أبى أحمد»، الذى نعتقد أن الوكالة أرادت إظهاره كما لو كان مصابًا بـ«عقدة الاضطهاد» وهو يرد على أسئلة نواب البرلمان الإثيوبى بشأن عدد من القضايا، بينها سد النهضة.
غير التصريحات الخاصة بالسد، أدهشنا أيضًا ما نسبته الوكالة له بشأن جائزة نوبل للسلام، التى سيتسلمها فى العاشر من ديسمبر المقبل، ورأينا أن اعتقاد الرجل أن هناك منْ يريد انتزاع الجائزة منه، ضد العقل وضد المنطق. وكذلك اعتقاده بأنه يمكنه صد هجوم، سيكون قطعًا جويًا، لا قدّر الله، بـ«تجهيز الملايين» أو «استخدام القنابل». وعليه، كان لافتًا أن يوجَّه الرئيس السيسى التحية إلى «أبى أحمد»، عقب انتهاء الأخير من كلمته ضمن فعاليات الجلسة العامة الأولى للقمة، وأن يكرر تهنئته له بحصوله على الجائزة، مع تأكيده الذى لا يخلو من دلالة، على أن رئيس الوزراء الإثيوبى «أثبت أنه رجل سلام حقيقى»!.
خلال لقائه بالرئيس السيسى، أكد «أبى أحمد» أنه يكن كل تقدير واحترام لمصر قيادةً وشعبًا وحكومةً، موضحًا أن تصريحاته، أمام برلمان بلاده، تضمنت الإعراب عن التزام إثيوبيا بإقامة سد النهضة دون إلحاق الضرر بدولتى المصب، وأن الحكومة والشعب الإثيوبى ليس لديهما أى نية للإضرار بمصالح الشعب المصرى، وأن استقرار مصر وإثيوبيا هو قيمة وقوة مضافة للقارة الإفريقية بأسرها، مع التشديد على أنه، بصفته رئيسًا لوزراء إثيوبيا، ملتزم بما تم إعلانه من جانب بلاده بالتمسك بمسار المفاوضات وصولًا إلى اتفاق نهائى. وفى تصريحات، أشار «أبى أحمد»، إلى أنه لم يتحدث مع الرئيس السيسى عن سد النهضة فقط، بل عرض عليه أيضًا المشاركة فى مشروع لزراعة الأشجار فى إثيوبيا، مشيرًا إلى إنه تلقى ردًا إيجابيًا جدًا.
من جانبه، أو من جانبنا، أكد الرئيس السيسى مجددًا أن مصر طالما أبدت انفتاحًا وتفهمًا للمصالح التنموية للجانب الإثيوبى بإقامة السد، إلا أنها فى نفس الوقت تتمسك بحقوقها التاريخية فى مياه النيل، ومن ثم يتعين ألا تكون مساعى تحقيق التنمية فى البلد الشقيق على حساب تلك الحقوق. وشدد الرئيس على أن مساحة التعاون المشترك من المفترض أن تطغى على أى خلافات. وطبقًا لما أعلنه المتحدث باسم الرئاسة، فقد توافق الزعيمان خلال اللقاء على الاستئناف الفورى لأعمال اللجنة البحثية الفنية على نحو أكثر انفتاحًا وإيجابية، بهدف الوصول إلى تصور نهائى بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
تصريحات المتحدث باسم الرئاسة لم تتضمن أى إشارة إلى مشاركة طرف أو وسيط رابع فى المفاوضات. غير أن «أبى أحمد» أكد، فى تصريحات، أن روسيا عرضت التدخل، مبديًا عدم معارضته للتدخل السياسى، وموضحًا أن اللجنة الثلاثية ستستمر فى مناقشة الأمور الفنية حتى تصل إلى حلٍ مرض. ومؤكدًا أن الحوار البناء بين مصر وإثيوبيا سوف يستمر. وكنا قد استنتجنا منذ أيام، أن تتوسط روسيا، ورجحنا، أمس، أن تلعب الولايات المتحدة هذا الدور، بعد أن وجهت الدعوة إلى وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، لعقد اجتماع فى واشنطن، وهى الدعوة التى قبلتها مصر على الفور. كما ذكر الموقع الإلكترونى لقناة «الحرة» الأمريكية، الأربعاء، أن الإدارة الأمريكية كلفت ستيفن منوشن، وزير الخزانة، بالتوسط فى المفاوضات. وهناك، أيضًا، أنباء ترددت عن محاولة للتوسط من جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
أخيرًا، وسواء كانت الوساطة، سياسية أو فنية، روسية، أمريكية أو ألمانية، فما يعنينا، كما أشرنا أمس، هو أن تحرز المفاوضات تقدمًا قبل حلول مايو المقبل، الذى ستشهد خلاله إثيوبيا انتخابات واضطرابات و... خلافه. خاصة، بعد حالة التوتر التى تشهدها الدولة الشقيقة، الآن، واندلاع أعمال عنف جديدة فى بعض المناطق حول عاصمتها أديس بابا، وقيام متظاهرين من عرق «الأورومو»، الذى ينتمى إليه «أبى أحمد»، بإغلاق الطرق وحرق نسخ من الكتاب الذى أصدره الرجل بمناسبة حصوله على نوبل!.