رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال عبدالجواد: مصر مُقبلة على تحقيق نقلة اقتصادية كبرى

جريدة الدستور

- لا يصح أن تمول دولة محدودة الإمكانيات مواطنين يملكون سيارات حتى إن كانت صغيرة
- «التسعيرة الجبرية» لا تخفض الأسعار والحل فى زيادة المعروض وإتاحة فرص متساوية للمنافسة
- ترتيبنا العالمى فى «سهولة دخول السوق» متأخروينبغى سن تشريعات للقضاء على الاحتكار
- الصناعة قضية حياة أو موت.. والطبقة الوسطى أكبر مستفيد من الإصلاح الاقتصادى



فى ظل حالة السيولة السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، تزداد الحاجة إلى مركز «تفكير» مصرى مؤثر يؤسس على التفكير والبحث العلمى، وينهض على تقديم رؤية مصرية للتحولات الإقليمية والدولية، انطلاقًا من الثوابت والمبادئ التى تؤطر تحركات القيادة المصرية إقليميًّا ودوليًّا.

ومن هنا تأسس المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، كمركز تفكير مستقل يسعى إلى تقديم الرؤى والبدائل المختلفة بشأن القضايا والتحولات الاستراتيجية. «الدستور»، ووفق اتفاق تعاون مع المركز، تفتح صفحاتها أمام باحثيه، بشكل أسبوعى، ليتحدثوا عن أعمال مركزهم، ومختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.

■ بداية.. ما القضايا الدولية التى يتناولها المركز فى أبحاثه حاليًا؟
- المركز يضم عددًا من الوحدات، كل وحدة مسئولة عن إعداد أبحاث فى قضية معينة، ما يجعلنا قادرين على تغطية أغلب القضايا العالمية، فعلى سبيل المثال هناك باحثون مسئولون عن رصد تطورات الخلاف الاقتصادى بين الصين والولايات المتحدة، وآخرون يجرون دراسات عن الدول الأوروبية، لأنها الشريك الاقتصادى الأكبر لمصر.
كما أن هناك وحدة متخصصة فى إعداد الدراسات الإفريقية، ترصد التطورات فى قضايا دول القارة، وعلاقات مصر بهذه الدول، فضلًا عن إجراء دراسات عن الأوضاع فى الشرق الأوسط، والصراع العربى الإسرائيلى، وأبحاث تخص قضايا دول الخليج وخلافاتها مع إيران.
■ ماذا عن طبيعة عمل الوحدة البحثية المسئولة عن الشأن الأوروبى؟
- ندرك جميعًا أن أوروبا هى أهم مستقبل للصادرات المصرية، باستيراد نحو ثلث هذه الصادرات، كما أنها أهم مصدر للواردات المصرية، لذا فإن كل ما يحدث فى الدول الأوروبية يؤثر بشكل مباشر على مصر، ونهتم بدراسته من خلال هذه الوحدة.
ومن بين القضايا التى ندرسها التغيرات السياسية، وخاصة فيما يتعلق بصعود «اليمين الشعبوى»، ذلك التيار الذى يقف ضد المهاجرين ويتعامل بتعالٍ مع الثقافات غير الغربية، ما يدعم العنصرية ضد العرب هناك، كما أنه يقف ضد فكرة «أوروبا المفتوحة»، ولا يساعد الدول الأخرى على دخول الأسواق الأوروبية، ما يجعل صعوده يؤثر علينا بالطبع، ويدفعنا لرصد هذا التأثير.
■ هل تأثير التيار اليمينى ظهر على قضية اقتصادية معينة؟
- نعم، فعلى الرغم من أن الدول الأوروبية ترفع شعارات تنادى بحرية التجارة بشكل عام، تختفى هذه الشعارات فى سياساتها الزراعية، التى تتضمن دفعها مساعدات للمزارعين، وتمنح مميزات كبيرة لهم على حساب المنتج القادم من الخارج، وبالتالى تقلل القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية القادمة من دول الجنوب، مثل مصر، لذا تجرى مفاوضات مع الاتحاد الأوروبى حاليًا لتخفيف القيود المفروضة على المنتجات الزراعية المصرية، وهو ما يدر عملة صعبة لمصر، ويدعم الزراعة فيها بشكل كبير.
■ كيف يتناول المركز القضايا الإفريقية؟
- نحاول تغيير الصورة النمطية المترسخة عن الدول الإفريقية، ونسلط الضوء على نجاحاتها وأسباب الطفرات الاقتصادية التى شهدتها، ومن بينها رواندا التى تمثل نموذج التطور الأكبر فى القارة السمراء، وكذلك أوغندا وإثيوبيا وبوروندى، التى شهدت تطورًا سريعًا فى العامين الماضيين.
ولا بد أن نشير إلى أن علاقاتنا بالدول الإفريقية شهدت فترات كبيرة من الإهمال، وهذا انعكس على طبيعة التعاون الاقتصادى بين مصر وتلك الدول، فبعدما كانت علاقاتنا بهذه الدول جيدة للغاية، فى خمسينيات القرن الماضى، لأننا كنا نقود مسيرة التحرر من المستعمر، تراجع دورنا بعد ذلك بسبب ربط علاقاتنا مع الدول الإفريقية بموقفها من الصراع العربى الإسرائيلى. وعلى الرغم من أن هذا الربط حقق بعض النجاحات خلال فترة السبعينيات، لكنه لم يعد يصلح حاليًا.
وعلينا أيضًا أن نؤكد أن الصورة القديمة التى تُظهر الدول الإفريقية فقيرة، ولا تخلو من الصراعات الأهلية، تغيرت وأصبحت غير صحيحة، فإفريقيا تضم الآن دولًا هى الأسرع فى النمو الاقتصادى على مستوى العالم، وتبلغ معدلات النمو فيها ٦٪، وهناك دول إفريقية استطاعت أن تحقق مستوى كبيرًا من الشفافية وتقضى على الفساد المالى والاستبداد السياسى.
■ وماذا عن الأبحاث التى تتناول قضايا دول الجوار؟
- للأسف، الأوضاع السياسية «ملتهبة» فى دول الجوار، ما يجعل الشراكة الاقتصادية محدودة، فالشرق الأوسط منطقة صراع سياسى لا تناسب الازدهار الاقتصادى، لأن الأوضاع السياسية لا تعطى فرصة لنشوء استثمارات بين الدول العربية، باستثناء دول الخليج، التى تعتبر مصدرًا للعملات الأجنبية عبر التحويلات من الخارج، وسوقًا للعمالة المصرية.
وتركز دراساتنا على الصراعات فى دول مثل ليبيا التى تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لمصر، على الرغم من أنها ليست شريكًا اقتصاديًا حاليًا، لكنها شريك محتمل بكل تأكيد، فإذا استعادت استقرارها سيكون التعاون الاقتصادى بيننا وبينها كبيرًا، فهى دولة حدودية قادرة على استيعاب العمالة المصرية، كما أن استقرارها مرتبط باستقرار مصر، لأن ذلك يعنى القضاء على الإرهاب.
والسياق البحثى المتعلق بالإرهاب يشمل أيضًا رصد الأوضاع الأمنية فى العراق وسوريا، فالدولتان، بجانب ليبيا، بهما حرب على الإرهاب، واستقرارهما يهم مصر بالطبع، لأنه سيفتح بابًا للتعاون الاقتصادى.
■ هل تختص أبحاثكم بمنطقة الخليج كذلك؟
- بالطبع.. أبحاثنا تركز على العلاقات الاقتصادية بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وعلى تأثر الدولتين الشقيقتين بالصراع مع إيران، ودور الولايات المتحدة فى هذا السياق، والبرنامج النووى الإيرانى، لأن كل هذه الأمور ستؤثر علينا بالطبع، لكون السعودية حليفًا استراتيجيًا لمصر، وسوقًا للعمالة، وبابًا للعملات الأجنبية التى تأتى عبر التحويلات.
وأؤكد أن التطورات التى تحدث فى الخليج تؤثر على مصر بشكل كبير، خاصة فى الجانب الأمنى، لأن مصر ستتدخل بالطبع لحماية أمن الخليج فى أوقات الضرورة، مثلما فعلت مع الكويت خلال حرب العراق، فهناك أمور لا يمكن أن تقف مصر مكتوفة الأيدى إن حدثت.
■ كيف تؤثر القوة الاقتصادية لدولة ما على مركزها الدبلوماسى؟
- الاقتصاد القوى هو الذى يدعم المركز الدبلوماسى للدولة، وهذه قاعدة عامة، ويمكن أن نرى تأثيرها فيما حدث للدبلوماسية المصرية فى العقود الماضية، فرغم أن الأداء الدبلوماسى كان قويًا إلا أنه لم يكن مستندًا إلى اقتصاد قوى، ما تسبب فى تراجع دور مصر دبلوماسيًا فى بعض القضايا مع حدوث بعض الهزات السياسية. لكن هذا لا ينفى أن «الدبلوماسية الذكية» قادرة على صناعة اقتصاد قوى، وهذا ما تفعله الدبلوماسية المصرية حاليًا، فالسياسة التى يطبقها الرئيس عبدالفتاح السيسى ساعدت على اكتساب شركاء اقتصاديين دوليين، وتوفير موارد اقتصادية لصالح خطط التنمية، فلو تتبعنا جولاته الخارجية، والبلاد التى يحرص على زيارتها، ونوع الأنشطة التى يؤيدها فى هذه البلدان، سنجد أن تلك الدول أصبحت مصدرًا للاستثمارات ونقل الخبرات إلى مصر، مثل الصين وسنغافورة. وهذا ينطبق أيضًا على زياراته للدول الإفريقية، فقد حرص الرئيس على لفت نظر القطاع الخاص إلى التعاون مع هذه الدول باعتبارها حليفًا اقتصاديًا قويًا، وهذا بالطبع يعزز ويقوى الاقتصاد الداخلى لمصر، ويجنبنا الدخول فى صراعات خارجية، ويخدم المصالح المصرية دون تحميلنا نفقات إضافية.
■ تحدثت فى وقت سابق عما وصفته بـ«الأوهام الاقتصادية».. هل يمكن أن توضح المقصود بشكل أوسع؟
- على سبيل المثال، يتحدث بعض المسئولين وأعضاء مجلس النواب عن «ضرورة السيطرة على الأسعار ومنع جشع التجار»، مفسرين ارتفاع الأسعار بأن التجار يريدون تحقيق مكاسب كبيرة على حساب المواطن، وهناك من ينادى بفرض «تسعيرة جبرية» لبعض السلع، وللأسف يقتنع المواطنون بتلك الأفكار، والحقيقة أن الاقتصاد المصرى أصبح يعتمد على العرض والطلب، ولا يمكن تحديد أسعار السلع عبر تلك الآلية.
وأرى أن رؤية الرئيس السيسى فى هذا الشأن كانت حكيمة، حينما قال إن: «السيطرة على الأسعار تأتى من خلال زيادة المعروض»، فكلما زاد المعروض قلت الأسعار، وهذه قاعدة اقتصادية. لذا يجب أن نوضح للناس أن عصر تدخل الحكومة فى الأسعار قد انتهى، ويجب أن نعى أن الحل هو زيادة الإنتاج، وإتاحة فرص متساوية للمنافسة، وأرى أن الأصح هو أن نتحدث عن زيادة الأجور، الذى لن يحدث إلا بزيادة الإنتاج وجودة المنتج، وهذا ما يحدث فى كل دول العالم التى تعرف أساسيات الاقتصاد العالمى.
■ ما تقييمك للقوانين الاقتصادية المطبقة حاليًا فى مصر؟
- علينا أن نستحدث تشريعات تسيطر على «الاحتكار»، بما يتيح منافسة عادلة بين الجميع، والاستفادة من سياسة العرض والطلب، لأن وجود شخص واحد يسيطر على السوق سيسمح له بتقليل المعروض فى أوقات معينة لتحقيق مصالحه الشخصية، بعد أن يمنع منتجين آخرين من الدخول فى السوق، وهذا يتطلب القضاء على الموظفين الفاسدين، الذين يسمحون لشخص ما بالسيطرة على سلعة معينة وتحديد سعرها لعدم وجود منافسين.
السوق المصرية تتسم إجمالًا بوجود احتكارات وعقبات إدارية كبيرة أمام ممارسة الأشخاص للعمل التجارى، لذا نحتاج إلى منع الاحتكار، وفتح المجال لكل من يستطيع دخول السوق، ولا أستطيع أن أتحدث عن مجال بعينه هنا، بل ينبغى فى كل المجالات.
وأود أن أشير إلى وجود جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، لكن ما زال الأمر يحتاج إلى مجهود كبير، خاصة أن تقييمنا وترتيبنا العالمى متأخر جدًا فيما يخص سجل «سهولة أداء الأعمال»، المتعلق بمدى سهولة دخول رجال أعمال إلى السوق.
■ كيف تنظر لوضع الاقتصاد المصرى الآن؟
- أعتقد أن مصر حققت نقلة كبيرة للأمام، وأصبحت جاهزة للانطلاق، وذلك بعد القضاء على «اختلالات كبرى» فى المجال المالى والنقدى، واتخاذ خطوة تحرير سعر الصرف، التى كانت جوهرية ومهمة فى هذا السياق، رغم المصاعب التى عاشها المواطنون. كما تنبغى الإشادة بخطوات أخرى مثل تقليل النفقات العامة للدولة، لأن هذا يقلل العجز فى الميزانية، وإلغاء الدعم عن المنتجات البترولية، ففى كل الأحوال لا يصح أن تمول دولة محدودة الإمكانيات مثل مصر مواطنين يملكون سيارات حتى وإن كانت صغيرة.
■ كيف نوضح للمواطن أهمية تلك القرارات؟
- من المؤكد أن الطبقة الوسطى تضررت، لكن هذه القرارات مهمة على المدى البعيد، ويجب علينا كمصريين أن نعتاد دفع التكلفة الحقيقية للأشياء، لأن هذه الطريقة الوحيدة للترشيد، فكلما كانت الفاتورة التى يدفعها المواطن كبيرة قلل من استهلاكه غير المهم، وهذا يحدث فى الكهرباء والمياه وكل شىء فى حياتنا.
وكما قلت، أظن أن الاقتصاد المصرى جاهز للانطلاق، وسيبدأ فى التعافى ويشعر المواطن بتحسن فى أوضاعه الاقتصادية، ففى ٢٠١٣ كان معدل البطالة ١٣.٥٪ والآن تراجع بدرجة ضخمة، وهذا يعنى أن مئات الآلاف من المصريين كانوا لا يعملون والآن أصبحوا يعملون.. ربما يعملون فى أماكن لا تدفع أجورًا كبيرة ولكن فى النهاية أصبح لهم دخل لم يكن موجودًا فى الماضى، لذلك فهذا مكسب لا يمكن التقليل من شأنه.
■ ما توقعاتك للاقتصاد المصرى فى ٢٠٢٠ فى ضوء ما ذكرته سابقًا؟
- مصر مُقبلة على نقلة كبيرة فى الاقتصاد، وهناك العديد من المراكز والأبحاث العالمية تتوقع أن تحقق مصر نموًا اقتصاديًا كبيرًا فى الفترة المقبلة، لأننا نتبع أسسًا سليمة، وأتوقع أن يتجاوز معدل النمو ٦٪ فى العام المقبل، وهذا يعتبر معدلًا عاليًا جدًا بكل المقاييس العالمية. وأعتقد أن مصر تبنى وتؤرخ قصة نجاح اقتصادية كبيرة بالنظر إلى أننا بدأنا مسيرة التنمية من وضع صعب للغاية قبل ٥ سنوات، فالبلاد كانت تعانى من الاضطرابات، وبالطبع لن يشعر جميع المواطنين بالتحسن فى نفس الوقت، ولكن من المؤكد أن كل من يعمل فى المشروعات القومية الكبرى يشعر بالتحسن، وكل أسرة كانت تعيش فى العشوائيات وانتقلت إلى مكان آدمى شعرت بالفرق، وكل من يعمل الآن ولم يكن يعمل فى السابق شعر بالتحسن.
وربما التحدى الأكبر سيكون للطبقة الوسطى فى مصر، التى لا تحصل على دعم مالى مثل «تكافل وكرامة»، وتتحمل تكلفة إجراءات ترشيدية ضرورية كثيرة، مثل إلغاء دعم الوقود والكهرباء، لكن أؤكد أنها ستكون المستفيد الأكبر فى الفترة المقبلة، فعلى صعيد التعليم والمدارس تم إنشاء عدد من المدارس ذات الجودة التعليمية العالية والأقل تكلفة من حيث المصاريف، مثل المدارس اليابانية والنيل وغيرها، التى تخدم تلك الطبقة.
ما أولويات الأجندة البحثية للمركز خلال الفترة المقبلة؟
- الاهتمام بالصناعة المصرية، فنحن نريد البحث بشكل مكثف فى هذا النطاق، لأن الصناعة «قضية حياة أو موت»، فعلى الرغم من أن التطورات الاقتصادية الأخيرة أعطت للصناعة المصرية فرصة كبيرة للنهوض، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، ونتمنى خلال الفترة المقبلة زيادة الصادرات ونقص الواردات، وأن تحل منتجات الصناعة المصرية محل المستوردة.