رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حزب الله يهدد ويتوعد ويخطط لمجابهة المفاجأة المدوية


فى توصيف الحراك اللبنانى؛ ينقسم البعض بين تقدير أنه لم تكن هناك مفاجأة فى الأمر، حيث ذهب هذا الرأى إلى أن الغريب فى المشهد أنه ظل قادرًا على التأخر إلى الآن، وهو تقدير صحيح وواقعى بالفعل، حيث يعانى لبنان مما هو أبعد كثيرًا من مشكلة اقتصادية خانقة، بكل ما تحمله من تفاقم وتمدد زمنى وصل إلى سنوات هى عمر الحكومة الحالية، فضلًا عن أنها وصلت إلى مناطق ومدى غير مسبوق، ضربت فيه بقسوة أزمة «النقد الأجنبى» الطاحنة والنظام المصرفى، مما أوصلها إلى «عنق» الاقتصاد اللبنانى، ودفع الحكومة إلى إطلاق مقترحات الضرائب «الكوميدية» وفق التسميات التى انطلقت من الشارع.
البعض الآخر وقف أمام مفاجأة الحراك الذى انطلق اقتصاديًا «افتراضًا»، ليجده منذ اللحظة الأولى وقد انقض على «الثوب الطائفى»، وهو المكون الرئيسى للثوب اللبنانى الذى يرتديه الكافة، وقد أمسك الحراك بخناقه مستهدفًا تمزيقًا لم يجر بعد، لكنه حاضر ومستهدف وعبر عنه الغالبية فى تمدد وصل إلى «المكون الشيعى»، الذى كان يفترض أنه آخر ما يتصور انخراطه فى رغبة التمزيق تلك، فالجميع أيقن «أخيرًا» أن «الطائفية» هى الوجه القبيح، التى تحمل الملامح المتكلسة للثوب اللبنانى، الذى فقد صلاحية ارتدائه، من وجهة نظر اللبنانيين وآخرين من المتضامنين والمهتمين بالشعب اللبنانى الجميل فى أصله وطباعه، ما دفع رئيس الوزراء «سعد الحريرى» لعدم إغفال الثناء على هذا الملمح من الحراك، فى كلمته التى ألقاها كافتتاحية تعاطيه الرسمى مع الأزمة، حيث خاطب المتظاهرين بقوله: «أنتم تستعيدون وجه لبنان الحقيقى»، خلال إشارته إلى وضوح رسالة رفض «الطائفية»، بل وتحميلها من قبل المتظاهرين وزر الوصول إلى المأزق الحالى، وما سبقه من أزمات واختلالات هيكلية فى بنية الدولة والمجتمع اللبنانى.
على الجانب الآخر يقف حزب الله معلنًا العداء الواضح لهذا الحراك، بل ومتجاوزًا بشكل مبكر فى مواجهته، وفق ما جاء بأول خطابات حسن نصر الله أمينه العام، الذى وجه تهديدًا مباشرًا ومتجاوزًا فى البعض من كلماته، لكل من الشارع اللبنانى ولأعضاء الحكومة، الذين كانوا فى لحظات الصدمة الأولية، وكأنه يستبق أى شكل من أشكال التجاوب مع ما يجرى، أو أنه أدرك أسرع من غيره أن الحراك الشعبى يستهدف نفوذه وسطوته غير المحدودة على المشهد اللبنانى برمته، وهذا لم يقابله من «السيد» كما يحلو له ولأنصاره تسميته اختصارًا وتعظيمًا، سوى إمارات الفزع الواضح التى سكنت كلماته وملامحه رغم محاولات الإخفاء التى مارسها نصر الله، وهو يلقى خطابه فى جموع الحزب المحتشد فى ساحة مغطاة، و«السيد» يحدثهم عبر شاشات عملاقة تحيط بالمكان، فهو المهدد والمستهدف طوال الوقت ولا يظهر نهائيًا فى العلن، وهو مشهد له دلالاته التى لم تغب عن الحراك الشعبى، وهو يصدح بأن قائد الميليشيا القابع فى مخبئه تحت الأرض، هو القابض على قرار لبنان وسبب أزمة لبنان الحقيقية.
عندما هتف اللبنانيون؛ قائلين: «كلن يعنى كلن ونصر الله واحد منن»، كانت إشارتهم لا لبس فى رغبتهم فى إبعاد جميع رموز السلطة الحاكمة، عن المشهد السياسى وعن مساحات النفوذ الخانق، الذى يجرى خلف ستار الأحداث الرسمية، ولذلك «صك» اسم نصر الله وحده داخل الشعار، وجاء الباقون فى صيغة مجموعة، والرسالة لم تكن بعيدة عن أسماع نصر الله وهى استدعت من جانبه ردًا يماثلها وضوحًا، بقوله: «حركتنا مش بسيطة، إذ ننزل على الشارع ده مش قرار بسيط، يعنى البلد كله بيروح لمسار مختلف، إن شاء الله ما يجى وقته، وإذا جه وقته ستجدوننا جميعًا فى الشارع فى كل المناطق، وسنغير كل المعادلات»، وهو هنا يناور للهروب من حقيقة، أن الشارع اللبنانى تحرك بطريقة عفوية فى انفجار شعبى غير مسبوق، تجاوز كل الخطوط الحمر والاعتبارات المسكوت عنها طوال ما يزيد على السنوات العشرين الماضية، وأظهر وحدة وطنية عابرة لكل المحاصصات الطائفية، وأبدى حتى الآن على الأقل رغبة صلبة فى إحداث التغيير الجذرى لتلك المعادلة، بل وتمتد عيناه إلى مشاهد جرت قبلًا فى الجزائر والسودان، حيث يجد هناك تغييرات عميقة تمكن الشارع من إنفاذها ولم تكن فى بال أحد، أنه يمكن تمريرها بهذه الصورة وتلك السرعة.
وهذا ربما يفسر المشاهد الدالة التى جرت مبكرًا فى الجنوب اللبنانى بالخصوص، وهى التى تمثلت فى اعتداء مسلحين يتبعون ميليشيا «حركة أمل» الموالية لحزب الله، على متظاهرين فى مدينة النبطية، والذى جاء بعد ساعات من اعتداءات مماثلة نفذتها عناصر مسلحة من «حزب الله» تشاركوا للمرة الأولى، ربما مع «حركة أمل»، فى مواجهة المتظاهرين فى مدينة «صور» جنوبى لبنان، حيث أقدم مسلحون من الحركتين على فض تحركات شعبية غاضبة، مطلقين النار على المتجمهرين من المدنيين؛ فأوقعوا إصابات فى صفوفهم، وفيها أطلق المحتجون هتافات منددة برئيس مجلس النواب «نبيه برى»، زعيم وقائد «حركة أمل» متهمين إياه بالتورط فى سرقات وصفقات ليست فوق مستوى الشبهات، وأحرق المتظاهرون فى هذا اليوم منتجعًا فى «صور» باعتبار أن ملكيته تعود إلى زوجة برى، وهذا متغير هائل أن يكون القائمون على ذلك كله من الطائفة «الشيعية»، حيث يصعب هنا إلقاء الاتهامات عليهم بأن هناك من يحركهم، أو جندهم لصالحه من أجل القيام بتلك الأعمال، هذا أفصح بشكل جلى؛ عن أن الأمر فعليًا أعمق مما يحاول نصر الله أو برى تسويقه، أو الإيهام به على الأقل لما يجرى فى بيروت، وهو نسخة طبق الأصل لما يجرى فى عقر مناطق نفوذهم، ويمتد لباقى المناطق والبلدات اللبنانية، بل ويطال زعماء آخرين فى مناطقهم وفى مرتكزات نفوذهم التقليدى، لكن يظل الزلزال «الشيعى» هو الأبرز والأقوى حتى الآن، نظرًا لارتباطاته المعقدة بإيران وبما سيخلفه حتمًا من ارتدادات فى ساحة الجوار السورى، وهذا ما يجرى الاستعداد لمجابهته الآن، من قبل نصر الله وأركان قيادات الميليشيا المرتعبين من الغد اللبنانى الغامض.