رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"البناءون 7".. رجال "سحارة سرابيوم": عشنا فى كرفانات.. ورفضنا قضاء الأعياد مع أسرنا

البناءون 7
البناءون 7

بسواعد أبناء مصر يتحقق المستحيل، هذه حقيقة لا تقبل الشك، ومن يرد دليلًا فليأت إلى هنا فى «سحارة سرابيوم». المشروع عبارة عن ٤ بيارات، مع ٤ أنفاق أفقية.

أما الهدف فهو نقل المياه أسفل قناة السويس الجديدة، وتوفير مياه الرى من ترعة سيناء وتأمين وصولها من أسفل القناة الجديدة للمزارعين فى منطقة شرق القناة وسيناء.

ولكى نتعرف أكثر على هذا المشروع العملاق، التقت «الدستور» عددًا من العمال والمهندسين، الذين شاركوا فى تحقيق الحلم، حيث سردوا قصص كفاحهم ورفضهم الإجازات من أجل إكمال المشروع، وكيف كانوا يشعرون بأنهم جنود يضحون لأجل مصر على الجبهة، وكيف أصبح عمال ومهندسون ومقاولون من جميع المحافظات إخوة يتبارون فى بناء مصر الحديثة.


رشوان القصيبى: جئت من الصعيد لتحقيق المستحيل.. والعمال جنود يحاربون بالبناء
قال المهندس رشوان القصيبى، ٥٢ عامًا، مشرف عام السحارة، الذى يستوجب عمله أن يظل فى الأعماق أغلب ساعات اليوم: «كنت دائمًا أحلم بزيارة سيناء، وفى ٢٠١٤ تركت مسقط رأسى بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج، وسافرت سيناء لأول مرة لأشارك فى هذا المشروع، ولم أكن أتوقع ضخامته فى البداية، ولكن حينما رأيت الرسومات الهندسية وعرفت التفاصيل أحسست بسعادة بالغة، لأننى سأشارك فى هذا العمل الضخم».
وأضاف «القصيبى»: «كانت ظروف العمل صعبة جدًا فى البداية، إذ كانت استراحاتنا على بعد نحو ٣٠ كيلومترًا من منطقة العمل، وكانت الرحلة اليومية تستغرق ٣ ساعات ذهابًا و٣ ساعات إيابًا، لأننا كنا نستقل أكثر من معدية، لكن كان العمال رجالًا بحق ويعملون بكل حماس، رغم أن هناك ٦ ساعات تضيع فى الطريق».
وتابع: من هنا اقترحت على الشركات المشرفة تنفيذ كرفانات ليعيش بها العمال بجوار منطقة الحفر، توفيرًا للوقت والجهد، وشعر العمال بسعادة كبيرة، وزاد حماسهم للعمل.
وشدد على أن العمال لم يشعروا بأى قلق بسبب الوجود فى سيناء، بل على العكس كانوا يشعرون بأنهم جنود مصر الذين يحاربون الإرهاب بالبناء.
وعن ابتعاده فترات طويلة عن أسرته، قال: «أزور أسرتى مرة كل ٤٥ يومًا، ويشعر أبنائى بالفخر، لأن والدهم يشارك فى هذا المشروع القومى الكبير، وينقلون لأصدقائهم فى الجامعة والمدرسة ما أحكيه لهم عن إنجازاتنا فى المشروع». وأضاف: «أحرص على إرسال صور من منطقة العمل لأبنائى بشكل دائم، فذلك يخفف عنهم ألم ابتعادى عن البيت، فحتى حينما أزورهم لا تتجاوز مدة إجازتى ٥ أيام».
وأشار إلى أنه عاش لحظات سعادة وسط العمال لا يمكن أن ينساها طوال حياته، تحديدًا حينما يتم رفع ماكينات الحفر من الموقع عقب الانتهاء من كل مرحلة، وقال: «شعرنا بسعادة بالغة عقب تنفيذ خزان الطوارئ، الذى يضمن ألا تنقطع المياه عن أهالى سيناء». وتابع: «الحفر على عمق كبير كان أمرًا غير منطقى بالنسبة للبعض، الذين أكدوا أنه من المستحيل أن تتحمل الخرسانة ضخ هذه الكميات من المياه إلى جانب وزن البيارات، ولكننا نجحنا فى تحقيق المستحيل، وتمكنت شركة ريلانس للخرسانة من إبهار الجميع».


هانى إبراهيم: زوجتى وأولادى يزوروننى فى الإسماعيلية وأضطر للمبيت فى سيارتى لمتابعة العمل

عملى يتطلب أن أكون موجودًا بشكل دائم فى موقع الحفر، وكنت أرفض الإجازات فى الكثير من الأحيان فى سبيل إتمام هذا الإنجاز، لذا كانت زوجتى تصطحب أبنائى الثلاثة من حى شبرا وسط القاهرة إلى مدينة الإسماعيلية لرؤيتى فى أحد المقاهى أو المطاعم، كى أقضى معهم بعض الوقت»، هكذا تحدث المهندس هانى إبراهيم، أحد المشرفين على العمال، مضيفًا: «شعر أبنائى بساعدة بالغة حينما رأوا اسمى على لوحة الشرف، التى تضم أسماء الذين أسهموا فى إتمام المراحل الأولى من المشروع، التى تضمنت عبور المياه العذبة لأول مرة داخل البيارات لشرق القناة، ليستفيد سكان سيناء».
وواصل: «كنت أصطحب أبنائى وأجعلهم يرون السحارة ونفق الشهيد أحمد حمدى ٢، وأقول لهم (أبوكم بيصنع تاريخ ليكم ولأولادكم والإنجازات دى هاتعيش سنين قدام)»، وتابع: «كنت أشعر بالفخر رغم الإرهاق الدائم، وكنت أضطر للمبيت بسيارتى لأكون إلى جانب العمال طوال اليوم، لأتابع صب الخرسانة فى السحارة أو الأنفاق».
وقال: «أشعر بأننى ضابط فى القوات المسلحة، وعلىّ أن أرفع من معنويات جنودى، فالحقيقة أن عملنا فى هذا المشروع الكبير يشعرنا بأننا جنود على الجبهة»، مضيفًا: «حينما كان العمال يعودون من منازلهم إلى (سرابيوم) كانوا يحكون لبعضهم البعض كيف استطاعوا توعية أهاليهم بحقيقة الإنجاز، وبأن كل الشائعات التى تملأ مواقع التواصل الاجتماعى هى محاولات للتقليل من العزيمة، وكنت أقول لهم إن التاريخ لن ينسى فضلهم فى رسم شكل جديد لمصر».
وواصل: «معى نحو ٦٠٠ عامل جاءوا من جميع المحافظات، وأرى أنهم يصنعون مجدًا كبيرًا للأجيال القادمة»، مشيرًا إلى «استخدام خرسانة من نوع خاص، تُصنّع خصيصًا بـ(عتاقة) فى السويس، وتتم إضافة بعض المواد التى تتفق مع التربة والطبيعة، كما أن الأسمنت المستخدم فى المشروع مقاوم للكبريتات، وبمواصفات قياسية خاصة».
واختتم: «إنجاز مشروع بهذا الحجم لم يكن أمرًا سهلًا، إذ إنه تطلب بذل مجهود بدنى وذهنى كبير جدًا، وكنا تحت ضغط ضخم».




على محمد: امتنعت عن العودة للقاهرة من أجل استكمال المشروع

على محمد، ابن محافظة كفرالشيخ، الذى بدأ عمله فى المشروع فى نهاية ٢٠١٦ كمشرف وردية فى منطقة «شمال»، تحدث عن المشروع قائلًا: «كنا نقيم فى مدينة الأبطال التى خُصصت لنا، وتكونت بيننا وبين أهالى سيناء علاقات إنسانية جميلة تؤكد أننا جميعًا نحب مصر ونتبارى فى حبها». وأضاف: «شعرت مع الوقت بأننى واحد من أهالى سيناء، وكانوا يسألوننى دائمًا عن تطورات المشروع، ويحلمون باليوم الذى ستصل فيه المياه إليهم».
وواصل: «عملت قبل ذلك مع شركتى فى عدة مشروعات قومية كبرى، كان أهمها العاصمة الإدارية، ولكن العمل فى سيناء يشبه التضحية من أجل مصر، وقد أتيح لى أكثر من مرة أن أعود للقاهرة ولكننى كنت أختار أن أبقى فى سيناء، فما أشعر به هنا لم أشعر به طوال حياتى». وتابع: «لا أنكر أن العائد المادى كبير، ولكن إحساس الانتهاء من الحفر فى كل مرحلة لا يوازيه أى شىء، وأحب أن أشير إلى أن رؤسائى كانوا حولنا طوال الوقت، ويشاركوننا كل المتاعب، فهنا الجميع جنود لخدمة مصر». وعن أصعب المواقف التى مر بها قال: «أصعب موقف كان إصابة زميل لى بالحمى، ولكن الإدارة اتخذت الإجراءات اللازمة، وحرصت على تغيير مواعيد عمله حتى يتعافى بشكل كامل، وهذه الروح الإيجابية حفزت العمال بشكل كبير».



الحاج حمادة: السيناوية على رأس المستفيدين من «العمل الضخم»
كان لأهالى سيناء دور كبير فى هذا الإنجاز أيضًا، وخير دليل على ذلك تجربة الحاج حمادة زكى، المقاول الذى يورد الدبش لموقع سرابيوم، الذى قال: «لن يشعر أحد بأهمية هذا المشروع مثل أهالى سيناء»، وأضاف: «تعاقدت فى البداية على توريد الدبش من منطقة شرق بيليز والمحاجر المجاورة لمدينة فايد بالإسماعيلية، وحينما أغلقت تلك المحاجر تعاقدت على جلب الدبش من غرب القناة». وتابع: «كانت رحلتى من الإسماعيلية إلى سيناء تتكرر نحو ١٠ مرات يوميًا، خلال تنفيذ مهمة نقل الحمولات، لذا أصبحت خير شاهد على الإنجاز». وقال: «رغم أننى مقاول صغير بالنسبة للشركات العاملة فى هذا الإنجاز، إلا أن الجميع هنا يشعر بأنه يشارك فى الإنجاز.. كلنا نعمل من أجل مصر»، مختتمًا: «سأستفيد أنا وأهلى من المشروع، فالمصريون فى سيناء عانوا كثيرًا بسبب ندرة المياه».


عبدالرحمن الصاوى: نجاح كل مرحلة يحفزنا على المضى قدمًا فى التنفيذ
قال عبدالرحمن الصاوى، صاحب إحدى الشركات المسئولة عن تنفيذ البنية التحتية بالمشروع: «نجاح كل مرحلة فى المشروع كان يحفز أصحاب شركات البناء والمقاولات على السعى للمشاركة فى إتمام المرحلة التالية».
وأضاف «الصاوى»: «بدأت العمل فى المشروع فى أغسطس ٢٠١٨، وكانت المهمة هى حفر تجويف المحسمة ونقل الدبش ومخلفات الحفر التى قُدرت بنحو ١٠٠٠ متر مكعب من الرمال، وبعد ذلك تحول مسار عملى لجلب الرمال الخاصة بالخرسانة من المحاجر المحيطة بالمشروع».
وتابع: «رغم أننى من سكان الإسماعيلية، أى ضمن المستفيدين بشكل مباشر من المشروع، إلا أننى استفدت بطرق أخرى، لأن المشاركة فى مشروع قومى كهذا دعم اسم شركتى فى السوق، وزاد من فرصها الاستثمارية».


تامر حسانين: نراقب ماكينات الحفر والصب ليلًا ونهارًا
قال المهندس تامر حسانين، ابن مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، الذى يعمل مشرفًا على أعمال الكهرباء، ويتولى إصلاح المحطات والمضخات بالموقع: «نراقب ماكينات الحفر والصب ليلًا ونهارًا لنصلح أى عطل، وأدرب العمال على طريقة حل بعض المشكلات الصغيرة، وكيفية الحفاظ على سلامتهم الشخصية حينما يتعاملون مع الماكينات». وأضاف «حسانين»، صاحب الـ٤٣ عامًا: «فى البداية كنت أعمل لمدة ٢١ يومًا ثم أحصل على إجازة لمدة ٧ أيام، ولكن بعدما زادت خبرتى وأحسست بالمسئولية أصبحت أطلب تأجيل إجازاتى حتى نتمكن من إنجاز المشروع فى أسرع وقت، وأتحمل البعد عن زوجتى وأبنائى من أجل مصر، فمن المؤكد أنهم سيفتخرون بأننى شاركت فى هذا الإنجاز».
وواصل: «أهلى يشعرون بالسعادة حينما أتواصل معهم عبر الإنترنت وأعرض لهم تطورات المشروع، وأذكر أننى فوجئت ذات مرة بأن ٤ أعياد مرت دون أن أقضيها وسط أهلى، ولكن ما كان يهون علىّ فكرة الاغتراب هى التجمعات مع الزملاء فى مواعيد الراحة التى تتخللها جلسات السمر والحديث عن مختلف أمور الحياة». وأشار إلى أن قيادات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة كانوا يحرصون على زيارتهم دائمًا، ويتناولون الغداء مع العمال، ويطمئنون على سير المشروع «ما كان يشعرنا بأننا فى مهمة وطنية».


أحمد سعد: التشكيك فى الفكرة يدعمنا ويقوى من عزيمتنا
المهندس أحمد سعد، رئيس قطاع مشروعات سيناء والجلالة بإحدى شركات المشروع، قال: «منذ بداية المشروع أحسسنا بأننا فى مهمة وطنية، وكان التشكيك فى الفكرة يدعمنا ويقوى من عزيمتنا لأننا أحسسنا بأننا سواعد مصر».. وأضاف «سعد»: «سرابيوم تعمل على توفير المقومات الرئيسية لتنمية حقيقية ومستدامة لأبناء سيناء، فى الزراعة والصناعة وجميع المقومات الإنسانية للمعيشة، بعد أن كانت المياه تتوافر للسكان لمدة ساعات ثم تنقطع، كما يضمن المشروع توفير مياه كافية لرى ١٠٠ ألف فدان زراعى». وواصل: «خطة الدولة كانت تستهدف الحفاظ على كل نقطة مياه من رصيد مصر، بناءً على توجيهات الرئيس، التى شدد فيها على الحفاظ على مياه الرى، وهنا جاءت المرحلة الثانية من المشروع، التى تشمل سحارة المحسمة، المجاورة لسرابيوم، والتى تتولى معالجة مياه الرى المقدرة بنحو مليون متر مكعب، والمتبقية من رى أراضى سيناء، فبدلًا من إلقائها ببحيرة التمساح وضياعها، بات من الممكن معالجتها عن طريق وحدة معالجة ثلاثية لتصبح صالحة لرى أراضى شرق القناة مرة أخرى».


أحمد سلامة: ما تعلمناه هنا يفوق كل خبرات السنوات السابقة
أحمد سلامة، عامل خرسانة بالمشروع يتبع شركة «كونكورد»، جاء من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، واشترك بالمشروع فى شهر يونيو عام ٢٠١٥، قال: «فى البداية كان السبب الرئيسى لقبول هذا العمل هو الأجر المجزى، فقد تركت زوجتى وأبنائى الثلاثة لأستطيع توفير احتياجاتهم، ولكن بعد مرور فترة شعرت بأننا نكتب تاريخًا جديدًا لمصر».
وأضاف «سلامة»: «ما لا يعرفه البعض أن هناك ماكينات تم تصنيعها خصيصًا لهذا المشروع، لتتحمل التربة وضغطها، وقررت تمديد عقدى مع الشركة والاستمرار كجندى يشارك فى بناء مصر الحديثة، والحقيقة أن ما تعلمته هنا لم أتعلمه طوال حياتى سابقًا.