رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طوارئ موقوفة.. جولة على قرى بلا إسعاف

جريدة الدستور

كتب: هايدي حمدى – عبير جمال - شيماء عاطف شفيق – حسن الهتهوتى – نجلاء فتحى

"هاتولنا الإسعاف".. هذه الجملة تناقلتها ألسنة القاطنين في عدد من القرى التي تخلو من سيارات الإسعاف، أو التي تبعد عنها مئات الكيلومترات، ما يعجل من زيادة إصابة المرضى أو وفاتهم، والحجة الظاهرة هي أن هناك مراكز لكل محافظة ويسهل وصول الإسعاف إلى أي قرية من خلالها.

مشكلات عديدة تواجهها هذه القرى، كان لـ"الدستور" جولة فيها، للوصول إلى الأسباب الحقيقية لذلك، في عدد من المحافظات، وذلك في غياب متابعة هيئة الإسعاف والرقابة على ضرورة وصول العربات إلى المرضى في الوقت المناسب لإنقاذهم.

"دست الأشراف": استجابة الدولة بطيئة
على بُعد سبعة كيلومترات من مركز كوم حمادة، محافظة البحيرة، يُرفع الستار عن مشهد اعتدنا رؤيته على شاشات الدراما التلفزيونية، ولكن الفارق هنا هو أن المشهد جرت أحداثه على خشبة الواقع وليس المسرح، في قرية "دست الأشراف".


عبد السلام عامر، أحد قاطني القرية، يوضح أن الأهالي يعانون بشدة من قلة تواجد الخدمات بها، مما دعاهم للتبرع بقطعة أرض بناء، تم الاتفاق عليها لعمل مرفق إسعاف بالقرية، وعلى الرغم من ذلك فإن استجابة الدولة والمسئولين بطيئة جدًا في عملية التنفيذ.

ويتذكر "عامر" أخاه الذي أُصيب بنزيف في المخ، ما أدى إلى حدوث تجلط وغيبوبة، نُقل على إثرها إلى مستشفى الحجاز بمركز كوم حمادة، ولكن تأخرت حالته، فاضطر أن يطلب إسعاف لنقله مستشفى جمال عبدالناصر التابع للتأمين الصحي بالإسكندرية، ولكن رفضت الإسعاف نقله، بحجة أنه لا يملك اسما أو رقم هاتف للطبيب بمستشفى التأمين الصحي حتى يتسلم الحالة.

"ماذا أفعل؟ وكيف أحصل على هذه البيانات؟ وكيف أعرف طبيبًا هناك؟ الحل الأوحد بالنسبة لهم أن يموت أخي" بهذه الكلمات أعرب عامر عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع الصحية في منطقته.

اللجوء إلى الإسعاف الخاص كان الحل الأخير الذي لجأ إليه عبدالسلام لإنقاذ أخيه المريض، ولكن لم يجد أطباء متخصصين لإجراء عملية جراحية عاجلة في المخ، ويرجع ابن القرية سبب ذلك مبينًا:: "يوم الخميس آخر الأسبوع، لم أجد حل سوى أن ارتمي به في شباك نصب المستشفيات الخاصة التي مصّت دمائنا باستفزاز".

شاكر صالح، ابن آخر للقرية ذاتها، يحدثنا قائلاً: الإسعاف لا يتحرك إلا إذا ضمن تجهيز المكان والطبيب والمعدات قبل نقل المريض إلى المستشفى، مما يجعل المشكلة الحقيقة هي الروتين فيما بعد نقل المريض، وليس توافر عربات إسعاف فقط كما يعتقد البعض.

"ما جعل أهل البلد يفكروا في إنشاء مرفق إسعاف هو كثرة الحالات المتأخرة صحيًا، وذلك بسبب التلوث البيئي في المحيط الواقع فيه الناس حيث قلة الصرف الصحي، وكذلك قلة الوعي" مدللاً أن ربة المنزل التي تلقي بالقاذورات في الترعة النيلية، التي يشرب منها أهل القرية فيما بعد، إذ تم تثقيفها ستحمي أهلها وذويها من الأوبئة والأمراض الخطيرة كالفشل الكلوي والكبدي، ومن ثم لم تصبح الحاجة لتوافر خدمات صحية بالقرية ملحة مثلما الحال الآن، الحديث لا يزال لـ"شاكر".

أما أميرة عادل، طالبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة وابنه للقرية، تقول إن القرية تعتمد على إسعاف المركز التابع له القرية، والذي يتأخر في الوصول للمصابين، لذلك تُنقل المرضى في عربات خاصة، على الرغم من أن قريتهم قرية أم ويتبع لها حوالي 5 قرى أخرى ويزيد.

محمود ناجي، وكيل بوزارة الري، يؤكد أن القرية لايوجد بها سيارة إسعاف، والتي كانت موجودة تعطلت منذ زمن بعيد ولم يتم إصلاحها أو استبدالها، ونظرًا لعدم اهتمام المسئولين بهذا الموضوع فقد تعَود أهل القرية على استخدام السيارات الخاصة أو استئجار سيارة إسعاف من جمعية تنمية مجتمع في قرية مجاورة، وهذا يكلف الأهالي كثيرًا.


«أنشاص البصل» .. الإسعاف مع وقف التنفيذ
قرية أنشاص البصل، التابعة لمركز الزقازيق بالشرقية، كانت وجهتنا التالية، فهي تعاني من نقص في الخدمات الطبية، وخاصة وحدات الإسعاف، وهناك استقبلنا المهندس"طه فوزي"، من أهالي القرية، مؤكدًا أن هناك أراض مخصصة لبناء وحدة إسعاف، ولكن تم الاستيلاء عليها من قبل بعض الأهالي واستخدامها لبناء بيوت سكنية عليها.

وبأصابعه يشير في الفضاء إلى نقطة الإسعاف الأقرب، قائلاً: إن أقرب نقطة إسعاف في قرية بردين، وهي قرية مجاورة على بعد 3 كيلومترات من قريتنا وتخدم منطقة كبيرة، لذلك لم تكن متاحة معظم الوقت ولم يكن لديهم سوى وحدة في الزقازيق وتستغرق وقتا كبيرا للوصول للقرية ويكون المريض تدهورت حالته الصحية.

"الوحدة موجودة من غير إسعاف"، بهذه الكلمات بدأ أحمد عوض، أحد أهالي القرية حديثه، مؤكدًا على وجود الوحدة الطبية في القرية لكن بدون سيارة الإسعاف، التي لا توجد سوى في الزقازيق أو في قرية "بردين" المجاورة، ونظرًا لكبر حجم "أنشاص البصل" سنجد صعوبة في الاستجابة لطلب عربات الإسعاف، لذا يلجأ بعض أهالي القرية إلى إسعاف مركز الزقازيق، ولكن صعوبة وبُعد المسافة تستغرق وقتًا طويلًا للوصول.

ويلتقط منه أطراف الحديث، محمد عناني، أحد أهالي القرية أيضًا، قائلًا إنه تم عرض بعض الطلبات على المحافظ من قبل شخصيات بخصوص عربات الأسعاف، لكن لا يوجد استجابة، ومن المفترض العمل على حل الأزمة.
وقال إن القافلة الطبية التي جاءت من وزارة الصحة وجدت ممرضة واحدة وطبيب واحد يتواجد ساعة واحدة في الصباح فقط، أما باقي الأطباء غير موجودين، وعندما تقدموا بطلب عربة إسعاف تم الرد عليهم بأن قرية العرب وهي قرية مجاورة لهم يوجد بها عربة إسعاف، ولكن لا يمكن الوصول إليهم لأنها على الطريق السريع.

تعتبر "أنشاص البصل" من أكبر القري مقارنة بالقرى المجاورة لها، فهي القرية الأم ويوجد أكثر من 40 قرية بها، يسكنها حوالي 17 ألف نسمة تابعة لها، ومن المفترض أن يكون بها كل الخدمات، لكي تخدم باقي القرى المجاورة لها.

أهالى «سنهوت»: جمعنا تبرعات لإنشاء «إسعاف» ونخشى عدم الموافقة
لم نخرج من محافظة الشرقية حتى توجهنا أيضًا إلى قرية "سنهوت" التابعة لمركز منيا القمح، فبعد إنشائهم عام 2012 مستشفى تخصصى بالجهود الذاتية وبدعم من الأهالى والمجتمع المدنى بتكلفة تخطت 25 مليون جنيه، أنشأوا أيضًا نقطة إسعاف بمواصفات الكود الرسمي المسجل بوزارة الصحة، وخاطبوا المسئولين مئات المرات لتنفيذها لكن بلا فائدة.

يقول علي لبيب، أحد قاطني القرية، إن مستشفى "سنهوت" التخصصي يتردد عليه حوالي 10 آلاف حالة شهريًا من أهالي القرية والقرى المجاورة ووجود الإسعاف بها أمر حتمي، موضحًا أنه إذا تعرضت أي حالة في وحدة الغسيل الكلوي لأي حدث طارىء شبيه لما حدث بمستشفى ديرب نجم فسيواجه نفس المصير ولن يكون هناك عربة إسعاف تنقذه .
وأضاف "لبيب" أنه في عام 2016 زار اللواء خالد سعيد، محافظ الشرقية السابق، المستشفى للتعرف على احتياجات المستشفى من أجهزة طبية ولإصدار قرار التشغيل وإدخاله الخدمة، ووعد بتوفير سيارة إسعاف لخدمة المستشفى والمترددين عليه من القرى المجاورة ولم يحدث أي شىء على أرض الواقع من وقتها.

والتقينا أيضًا "عبد الرحمن عقيل"، أحد أهالى القرية، الذي أكد أن البلد في أمس الحاجة إلى نقطة إسعاف، حيث يفصلها 15 كيلو عن أقرب نقطة إسعاف، وأن طريق "سنهوت" منيا القمح المعروف باسم طريق الموت طريق غير آمن وتحدث عليه حوادث كثيرة، لأنه طريق فردي الاتجاه، وفي معظم الأحيان لا يتم إنقاذ المصابين بشكل سريع مما يودى بحياتهم، دون وجود نقطة إسعاف تنقذهم.

وأطلق البعض حملة تبرعات لشراء سيارة الإسعاف وبناء المستشفى على نفقة أهالى القرية، لكن الأهالى يخشون من أن تأتي عربة الإسعاف بالتبرعات والجهود الذاتية ولا يتم تشغيلها واعتمادها من وزارة الصحة وتوفير السائق والمسعف.

«أولاد سراج»: المنطقة الوحيدة بلا إسعاف
ومن الشرقية كانت جولتنا التالية إلى محافظة أسيوط، حيث قرية أولاد سراج مركز الفتح، واستقبلنا فيها الكيميائي محمود سلامة، عمدة القرية، قال إنه في حالة وقوع حوادث، تتم الاستعانة بسيارات إسعاف من مركزي الفتح أو ساحل سليم، ورغم أن سيارات الإسعاف لا تتأخر في وصولها لمواقع وقوع الحوادث، إلا أن المنطقة في حاجة لوحدة إسعاف.

ويعتبر مركز الفتح هو الوحيد بين 11 مركزًا بمحافظة أسيوط، الذي لا يوجد به مستشفى مركزي للتعامل مع الحالات الطارئة من أبناء المركز، وكان هذا المركز تابعًا لمركز أبنوب المجاور له، ومنذ انفصالهما قبل عشرات السنوات، لم تفلح المطالب الشعبية الرامية لإنشاء مستشفى مركزي لاستقبال الحالات الحرجة من مركز يضم ما يربو على نصف مليون نسمة.

«أم دينار»: الإسعاف مغلق بأمر من الهيئة
جولتنا الأخيرة كانت في محافظة الجيزة، حيث قرية أم دينار التابعة لمركز منشأة القناطر، والتي بدأنا فيها أحاديثنا مع أهالي القرية مع هالة خالد، التي أكدت أن وحدة الإسعاف مغلقة بحجة أنه لا إفادة منها في تواجدها داخل قريتنا، وإنما تم ترحيلها إلى قرية أخرى لتعم الاستفادة على أكثر من قرية بدلاً من قريتنا فقط، وبالتالي إذا وجدت حالة طارئة نضطر لمهاتفة الإسعاف التي تحضر إلينا من قرية "نكلا" المجاورة لنا أو "مناشي" والتي يستغرق وصولها من 10 دقائق إلى ربع الساعة حسب الطريق (المسافة من "أم دينار" حوالي 3 كم سواء إلى "نكلا" أو "مناشي".

وبسؤالها عن أسباب خلو الوحدة الصحية على عروشها، قالت إن لجنة من الوزارة جاءت إلينا للتفتيش وقامت بتحويل الجميع إلى التحقيق، والسبب عدم الالتزام في الحضور بالموعد المحدد لنا بدلاً من محاسبتنا على كفاءة عملنا، متابعة: "جت عربية خدت كل اللي في الوحدة الصحية عشان يروحوا التحقيق وسيبنا الوحدة الصحية فاضية".

والتقط منها أطراف الحديث ممدوح خليف، أحد أهالي القرية، فقال إن هذه الوحدة الصحية منذ 15 سنة تقريبًا كان من المفترض أن تتحول إلى مستشفى متكامل وغرفة للتشريح، لكن فوجئنا بوزير الصحة الدكتور عادل عدوي أمر برفع كل المستلزمات والأجهزة الموجودة في المستشفى وتحويلها إلى مستشفى مبارك المركزي (المسافة بين "أم دينار" و"المركزي" حوالي 3 كم)، بما في ذلك الأسرة ومتعلقات عمليات الولادة والمراوح، وكل ما في استطاعتنا هو تحويل الحالات الحرجة إلى "مبارك"، أيضًا قد لا تكون الأزمة في المسافة فقط بين قريتنا و"المركزي" بل في أن عربة الإسعاف قد تكون غير موجودة في هذه الأثناء لانشغالها بنقل مريض آخر.

هيئة الإسعاف: هناك نقاط للإسعاف غير مطابقة للمواصفات
قال وائل سرحان، نقيب العاملين بهيئة الإسعاف، إن نقاط الإسعاف المُغلقة حاليًا، كانت في الماضي تابعة للأهالي، مشيرًا إلى أن ذلك كان مسموحًا به في الماضي، حينما كان الإسعاف مرفقًا وليس هيئة، غير أنه الآن، لا توجد نقاط تابعة للهيئة مغلقة.

وأضاف "سرحان"، في تصريح خاص لـ"الدستور"، أنه كان مسموحًا للأهالي ببناء مكان مخصص للإسعاف في نطاق قراهم، على أن يتم إرسال سيارة إسعاف تتمركز بهذا المكان، غير أن الهيئة وجدت أن هناك نقاطا منها غير مطابقة للمواصفات، أو أنه وفقًا للتوزيع الجغرافي لسيارات الإسعاف، فإن هذا التمركز غير مُفيد، وهناك حاجة لتلك السيارة في مكان آخر، فتم سحب السيارات منها، وإعادة توزيعها في المنطقة الأخرى.

ولفت رئيس نقابة العاملين بهيئة الإسعاف، إلى أن تأمين المناطق بسيارات إسعاف في أماكن قريبة لها، يجعلها ليست في حاجة لتمركز سيارات إسعاف بها، خاصة أن عدد السيارات بمصر أقل بكثير عن المُعدل العالمي في هذا الشِق، لذلك فإن الهيئة تحاول أن يكون توزيع سيارات الإسعاف عادلا قدر الإمكان، لافتًا إلى أن هناك مطالبات تأتيهم لدعم بعض القرى بسيارات إسعاف، وعند مخاطبة المسئولين بالمحافظة التابعة لها، يجدون أن هذه القرى مؤمنة بسيارات في قرى قريبة لها، ولا يُمكن سحب السيارات من القرى المجاورة، حتى لا تحدث أزمات مع سكان القرية المتواجدة بها سيارات الإسعاف، خاصة أن تلك السيارات تخدم النطاق الجغرافي لها كاملاً.

وعن ظهور سيارات إسعاف قديمة (غير مجهزة طبيًا للتعامل مع الإصابات) في بعض الحوادث، آخرها حادث انهيار منزل بمركز منفلوط التابع لمحافظة أسيوط، قال رئيس نقابة العاملين بهيئة الإسعاف، إن هذه السيارات لا تخرج لنقل المصابين، ولا يقبل المُسعف بتسلم سيارة غير مجهزة للتعامل مع حادث به مصابون، لأنه وقتها سيتحمل مسئولية ذلك، مبررًا وجود هذه السيارات، بأنها سيارات حمل جثث فقط، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن جميع السيارات التي تتعامل مع الحوادث والمصابين، من سيارات الهيئة الجديدة، المجهزة على أعلى مستوى لنقل المصابين.