رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هتلر.. ترامب.. وأردوغان


أكثر الاستثمارات ربحية فى العالم، كان ولا يزال، هو الاستثمار الأمريكى فى الحرب. استثمار ضخم يديره المجمع العسكرى الصناعى والمؤسسات الأمنية والمخابراتية والشركات الكبرى المتحالفة. وجرى فيه «ويجرى» استخدام عملاء أو وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة، وآخرين يحسبهم «الطيبون» أصحاب قضية.
هذا الاستثمار، هو أحد العوائق الرئيسية فى طريق تسوية الأزمة التى عاشتها وتعيشها دول المنطقة، وأبرزها الأزمة السورية. وضمانًا لاستمراره، كان طبيعيًا أن يعطى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الضوء الأخضر لمجنون اسطنبول، رجب طيب أردوغان، للقيام بعدوانه على شمال شرق سوريا، انتقامًا من أكراد سوريا، العمود الفقرى لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، لأنهم لعبوا دورًا أساسيًا فى محاربة تنظيم «داعش»، الذى يدعمه الوكلاء والعملاء. وبالفعل، نجحت القوات التركية وفصائل الخونة والإرهابيين الموالية لها فى تهريب الدواعش، بعد أن استهدفت سجون ومراكز احتجاز مقاتلى التنظيم منذ اليوم الأول للعدوان، وكذا بتكثيف قصفها فى محيط مخيمات عائلات التنظيم الإرهابى.
حدث ذلك، مع أن القوات المتحدة تقود تحالفًا عسكريًا، وقامت، منذ ٢٠١٤، بأكثر من ٣٠ ألف غارة ضد التنظيم. واللافت هو أن الكونجرس الأمريكى حين أعلن، منتصف ٢٠١٨، أن قوات التحالف قتلت ألف مدنى تقريبًا خلال خمس سنوات من حربها ضد التنظيم الإرهابى، ظهرت تقارير تؤكد أن عدد الضحايا المدنيين وصل إلى ٦ آلاف خلال سنة واحدة فقط. وأوضح خبراء أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» استغلت «عدم وجود نظام دقيق لإحصاء عدد الوفيات»، وقامت بتخفيض عدد المدنيين الذين قتلتهم الغارات الجوية، والأنشطة العسكرية الأخرى.
وقتها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية: إن التحالف راجع ١٥٩ تقريرًا أصدرتها منظمات وجماعات مختلفة عن سقوط ضحايا مدنيين منذ أن بدأت الحرب ضد «داعش» سنة ٢٠١٤، وأن تلك المراجعة انتهت إلى أن ١٤٩ تقريرًا منها «غير موثوق بها»، أما التقارير العشرة المتبقية، فقال التحالف: إن خمسة منها نشرت أرقامًا مكررة. وبالتالى، نكون أمام اعتراف من البنتاجون بأن الأعداد التى أعلن عنها أقل كثيرًا من الأعداد الفعلية للضحايا المدنيين. وهنا تكون الإشارة مهمة إلى منظمة الحروب الجوية، «إيرورز»، التى تركز على قتلى وضحايا الحروب، قالت إنه خلال سنة ٢٠١٧ فقط، سقط ٦ آلاف مدنى تقريبًا، على أيدى البنتاجون والقوات الحليفة.
صعب جدًا، بل يكاد يكون مستحيلًا، حصر عدد ضحاياها من المدنيين، لعدة أسباب أبرزها: أن الولايات المتحدة لا تعترف بسقوط ضحايا مدنيين فى الغارات التى تنفذها طائراتها إلا بعد تحقيقات مطولة. كما أنها، كبقية الدول فى التحالف، تقوم بالتقليل من عدد الضحايا المدنيين. لكن سواء كان العدد ستة آلاف أو ستين ألفًا، فإنه لا يقاس بضحايا الجرائم التى لم تتوقف الولايات المتحدة عن ارتكابها، قبل وبعد أن تصبح دولة.
قبل ما يوصف بـ«يوم الاستقلال»، ارتكبت الولايات المتحدة مذابح راح ضحيتها حوالى ١٨ مليون هندى بأنواع مختلفة من الإبادات. ولا مانع هنا من أن ألفت نظرك، مرة جديدة، إلى كتاب «فتح أمريكا.. مسألة الآخر»، للكاتب الفرنسى بلغارى الأصل، تزفيتان تودوروف، الذى أهدى الكتاب «إلى ذكرى امرأة من المايا التهمتها الكلاب»، بينما أهداه مترجمه المرموق بشير السباعى إلى كل أولئك الذين يؤمنون بأن البشرية ليست مدعوة إلى سداد فاتورة «خطيئة أصلية» لم ترتكبها.
الذين توجعهم إنسانيتهم بشكل انتقائى، والذين يلعنون الزعيم الألمانى أدولف هتلر، ويزعمون أنه أكثر الشخصيات دموية فى التاريخ الحديث، أغمضوا «ويغمضون» أعينهم عن هذه المذابح وعن ضحايا قنبلتين نوويتين، وملايين قتلتهم قوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية و... و... وصولًا إلى قيام الولايات المتحدة خلال السنوات الـ١٦ الماضية، بقتل ما يقرب من مليون و٢٠٠ ألف فى حروب خارج أرضها: ١١١ ألفًا فى أفغانستان، ٢٢٢ ألفًا فى العراق، ٦٢ ألفًا فى باكستان و٨٠٠ ألف قتيل راحوا ضحايا النتائج غير المباشرة لتلك الحروب. والأرقام من تقرير «مشروع تكاليف الحرب»، الصادر عن معهد «واطسون» بجامعة «براون» الأمريكية، ولم يكن هدفه حصر الضحايا بل حساب التكاليف، التى ذكر أنها ٥ تريليونات و٦٠٠ مليار دولار.
الأرقام، كما ترى، ضخمة، مع أنها لم تشمل ضحايا الحروب الولايات المتحدة وحلفاءها ووكلاءها فى سوريا وليبيا واليمن وفى دول أخرى تلهو فيها وتلعب قوات أمريكية أو قوات وتنظيمات وجماعات تحركها المخابرات الأمريكية، بما يعنى أنك قد تضيف إلى ما سبق مئات الآلاف، لو أضفت ضحايا الإرهاب، تأسيسًا على العلاقات القوية والوثيقة التى ربطت التنظيمات الإرهابية بالسلطات الأمريكية التركية، القطرية، البريطانية و... و... الإسرائيلية.