رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البشارى: جماعة الإخوان الإرهابية تشكك فى فتاوى المؤسسات الرسمية

جريدة الدستور

أكد الدكتور محمد البشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أهمية التجديد في الفتوى من خلال بناء منظومة متحدة في التعامل مع قضية الخلاف الفقهي، لمنع الاحتقان الاجتماعى والجدل السياسي الذى يقود إلى إشعال الثورات التي تستهدف استقرار الشعوب وأمن دول المنطقة، بالاعتماد على بعض الجماعات المتطرفة في المنطقة، وفي طليعتها جماعة (الإخوان المسلمين) الإرهابية.

ودعا - في كلمة أمام مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد حاليا بالقاهرة تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي- إلى ضرورة التجديد من خلال بناء منظومة متحدة في التعامل مع قضية الخلاف الفقهي، تتمثل في كونها السبيل الأنصع للدفع بالمجتمعات وقبلها "العقول"، وبامتياز نحو دائرة الحوار مع مختلف الثقافات والحضارات، وقيادة مشروع التعاون في بناء المشترك الإنساني، والرفع بمستوى المعرفة الإنسانية.

وقال البشارى- في كلمته التي جاءت تحت عنوان "مراعاة المقاصد والقواعد في إدارة الخلاف الفقهي: الإطار المنهجي" - إن موضوع إشكالية التجديد في الفتوى من الإشكاليات الأكثر حضورًا في المبادرات التي تطلقها كثير من الدول الإسلامية، وذلك لقناعة هذه الدول بأن ما حدث وما يحدث في عالمنا المعاصر من انتشار لأفكار دينية متشددة، أسهم بشكل كبير في تأزيم الوضع الداخلي للدول، بما ذلك الاحتقان الاجتماعى والجدل السياسي، مما قاد إلى إشعال ثورات تستهدف استقرار الشعوب وأمن دول المنطقة، الأمر الذي نتج عنه اندلاع أزمات في العلاقات الدولية دفعت بعض الدول للتدخل المباشر في الشئون الداخلية للدول المستهدفة، سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بل إلى احتلال دول إسلامية ومحاولة فرض سياسة ابتزاز للنيل من سيادة الدول عبر فرض نماذج حكم يتبعها الجميع بغية تنفيذ سياسات الدول الأجنبية المتدخّلة، وذلك بالاعتماد على بعض الجماعات في المنطقة، وفي طليعتها جماعة (الإخوان المسلمين) الإرهابية.

وأكد البشاري أن المتابع لخطط واستراتيجيات تنظيمات الإسلام السياسية، والقتالي، يجد أنها تعمل أولًا على التشكيك في فتاوى المؤسسات الإسلامية الرسمية، من مجامع فقهية وطنية أو عالمية، وذلك لدفع الشباب المسلم نحو البحث عن المعلومة الدينية من خلال المنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية التابعة لجماعات التطرّف، فيحصل انفصام لدى المتلقى بين ما حصل عليه من "علم " مصدره العالم الافتراضى، وبين واقع يعيش تقلبات ومتغيرات يصعب ضبطها لإخراج أحكام فقهية مناسبة لروح العصر وخصائص المرحلة.

وشدد البشاري، على أن ضبط الفتوى، والتصدي لفوضى الفتاوى الفقهية، وتحديد المفاهيم بصورة واضحة، والمشاركة في حل مشكلات عالمنا المعاصر.. كل ذلك أصبح أكبر تحدٍ تواجهه أمتنا الإسلامية، وذلك لما يجده البعض من صعوبة في التوفيق بين التراث الفقهى (الذي يضم في داخله المتساهل والمتشدد)، وبين ما كان صالحًا في زمانه ومكانه وما يستحيل تطبيقه اليوم، مع العمل على نقل مجال الإفتاء من مجال سلبي يقتصر على حل المشكلات إلى مجال أكثر إيجابية ينتقل إلى عمل التدابير الوقائية من المشكلات، ويشارك فى البناء ومنع نشر الفتن الكلامية المؤدية إلى استعمال منطق القوة عِوَض قوة المنطق.

وأشاد بمشروع «نحو ميثاق عالمى جامع للفتوى» الذي أطلقه المؤتمر الرابع للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم الذي عقد فى القاهرة بين يومى 16 و18 من شهر أكتوبر لعام 2018، وقال: إنه محل اهتمام شديد من كل المعنيين والمهتمين بهذا الموضوع، خصوصًا بعد استفحال حالة الفوضى التى أصيبت بها "الساحة الإفتائية" خاصة، والخطاب الإسلامي عامة، ما يزيد الحاجة إلى تعاون علمي يخرج بالواقع من حالة الفوضى إلى الاستقرار، عبر منهج احترافى له أصول أخلاقية، يجمع شمل الجهود التي بُذلت في الفترة السابقة لضبط عملية الفتوى، ويجدد بشكل حضاري آداب الفتوى، ويقدم لمدونة شاملة لأخلاقيات مهنة الإفتاء، ومن ثم يصبح أداة لتكون الفتوى إسهامًا حضاريًا في البناء والعمران.

وأضاف البشاري، إن الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة قام بتخصيص فصل كامل لهذا الموضوع، وذلك انطلاقًا من القناعة الصادقة للقيادة الراشدة، بأن مواجهة جماعات التكفير والتفسير السياسي للإسلام تبدأ أولًا برد الاعتبار للمؤسسات الدينية ورجالاتها من أئمة وخطباء ومفتين، والارتقاء بدورها الرسالي في تأصيل ثقافة التسامح ونشرها عبر الخطب المنبرية والرسائل الرقمية، لتحصين أبناء المسلمين من خطورة خوارج العصر ومن خطر التجنيد من طرف جماعات الإسلام السياسي.. وثانيًا بأن مواجهة الفكر المتشدد تبدأ أولًا بمراجعة تراثنا الفقهي، في ضوء الحكمة من التشريع، مع العمل من أجل الارتفاع بفكرة المصالح إلى مستوى المصلحة العامة الحقيقية كما تتحدد من منظور الخلفية الإسلامية.. وثالثًا العمل على «تأصيل الأصول» بإطلاق التجديد في القواعد الأصولية عبر استحداث وسائل أخرى للقياس والتعليل والدوران، وما إلى ذلك، لأن كل اجتهاد في النوازل الفقهية انطلاقًا من القواعد الأصولية القديمة فحسب، إنما هو اجتهاد تقليد لم يرق إلى اجتهاد تجديد، وإنْ أتى بفتاوى جديدة في شكلها الظاهري، لذلك لا بد أن تنتصر مبادرات اجتهاد التجديد التي تؤسس لمنهجية علمية منضبطة بأحكام الدين، على تيارات الجمود والتفسير السياسي والمصلحي للإسلام. وإن التجديد في الفهم السليم للدين والإدراك الواعي للواقع، سينجح عملية التنزيل في سياق المرحلة، تحقيقًا لمصالح الناس والأوطان.

ودعا البشاري إلى ضرورة إعادة بناء ثقافة تدبير الاختلاف من جديد في إطار الرؤية المقاصدية الكلية التي تحقق مقصود الشرع ومصالح الناس، وإعادة بناء الثقافة الإسلامية بناء مقاصديًا حتى تتمكن من تطوير آليات الاجتهاد لإعادة قراءة النص الشرعي على ضوء المستجدات الاجتماعية والسياسية ومصالح العباد والأوطان، مع ضرورة الالتفات إلى الضوابط الشرعية التي تحصن الناس من التحلل والانفلات، كما تصونهم من التحجر والجمود، والتأصيل الفلسفي لتدبير الاختلافات المذهبية والعقدية خارج دائرة العنف وثقل الأحداث التاريخية، كما دعا إلى إعادة بناء المؤسسات الفقهية على أرضية تصورية مقاصدية قادرة على إدارة الخلاف الفقهي وتحقيق الأمن الروحي للمجتمعات والاستقرار السياسي للدول، والعمل على تطوير آلية التنسيق والتواصل بين المؤسسات الإفتائية والعلماء والباحثين من مختلف المذاهب، من خلال فضاء تشاركي وتفاعلي يخدم وحدة المسلمين وتطوير البحث العلمي، وإعداد أطر متخصصة في الدراسات المقارنة في مختلف المجالات الفقهية والمذهبية حتى يمكن للعقلية الفقهية الاستفادة من هذا التنوع المذهبى، بما يخدم حركية تطور القضايا المجتمعية بنوازلها سوسيو ثقافية والسياسية وغيرها، التي تتطلب أجوبة فقهية، تكون في مستوى هذه التحديات.