رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة فرنسية: أفريقيا لن تشهد حربا باردة بين أمريكا وروسيا والصين

جريدة الدستور

نفت دراسة حديثة نشرها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية اندلاع حرب باردة جديدة في إفريقيا ومواجهة بين القوى العظمى الممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين.
وجاءت الدراسة، التي أعدتها الين لوبوف الباحثة المتخصصة في شئون الدفاع والأمن الأفريقي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، بعنوان "التنافس الإستراتيجي في إفريقيا: مقاربات عسكرية أمريكية وصينية وروسية".
وبحسب الدراسة، فإن أفريقيا تبرز مجددا كساحة رئيسية للمنافسة الاستراتيجية، حيث تجتذب القوى الكبرى غير الأوروبية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والتي تسعى بدورها إلى ضمان الوصول إلى المسرح الأفريقي عبر عدة طرق منها تمويل مشروعات في القارة السمراء، علاوة على إبرام الاتفاقيات الدبلوماسية وبناء قواعد لوجستية وممارسة قوتها الناعمة، ليس هذا فحسب، بل تقوم القوى الثلاث بعمليات عسكرية في الأراضي الأفريقية.
وتشير الباحثة الفرنسية في دراستها إلى أنه إبان الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي (السابق) إذا أبدى اهتماما بدولة ما، فذلك يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسارع على الفور لتُظهر اهتمامها بهذه الدولة.. لكن بات هذا الأمر مغايرا اليوم، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لديها وجود في النيجر، فإن ذلك لا يعني أن هذا الوجود بسبب التواجد الصيني هناك وإنما في إطار مكافحة الإرهاب والحرب الاستباقية عليه التي تبنتها الولايات المتحدة منذ عام 2001، كما أن واشنطن ترى أن النيجر دولة محورية في محاربة الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل الأفريقي.
وأضافت أن قارة أفريقيا لا تمثل أهمية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في الوقت نفسه لديها ثروات طبيعية تجبر الولايات المتحدة على رفع وجودها العسكري ليكون أكبر من أي قوى أخرى، ليصل عدد قواتها المنتشرة في أفريقيا تحت قيادة قوة أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا) إلى نحو 7000 جندي.
وأوضحت الدراسة أن الوجود الصيني في أفريقيا مهم أيضا في المجال العسكري، مشيرة إلى أن الوجود العسكري في القارة ليس سوى جزء من استراتيجية عالمية تلعب فيها العوامل الاقتصادية دورا مركزيا وأدى ذلك إلى عودة الصين بقوة إلى إفريقيا منذ بداية القرن الحالي.
وفيما يتعلق بالاستراتيجية الروسية في أفريقيا، تشير الدراسة إلى أنها مرتبطة بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث بنت موسكو عودتها إلى القارة منذ عام 2014 على أساس التحايل على العقوبات والعزلة الدبلوماسية التي فرضت عليها بسبب الحرب الروسية في شبه جزيرة القرم.
واعتبرت الدراسة أن من بين أسباب عدم قيام حرب باردة جديدة في أفريقيا هي أن غالبية الدول الأفريقية لا تنحاز إلى طرف بعينه فهي تشتري أسلحتها من قوتين على الأقل (باستثناء حوالي عشر دول لديها مورد واحد فقط)، بالإضافة إلى أن معظم الدول التي ستحضر القمة الروسية - الأفريقية في سوتشي (في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الجاري) كانت حاضرة أيضا في القمة الأفريقية الصينية التي عقدتها بكين في صيف عام 2018 أو في قمة الولايات المتحدة- إفريقيا التي عقدتها واشنطن في 2014، ليس هذا فحسب، بل إن الاتفاقيات الدبلوماسية ـ العسكرية توقع عليها العديد من الدول الأفريقية مع الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين في آن واحد وليس مع دولة واحدة بعينها.
ومن بين أسباب استبعاد الحرب الباردة الجديدة أيضا، بحسب الدراسة، أن النزاعات الأفريقية لا تتأثر بصورة مباشرة بمواجهة القوى الثلاث، بل غالبا ما ينتهي الأمر بروسيا والصين والولايات المتحدة بالاجتماع على دعم الأطراف ذاتها في نزاع ما بالقارة، كما هو الحال مع دول الساحل التي تواجه جماعات إرهابية.
ويمكن القول إن المواقف الصينية والروسية في النزاعات الأفريقية مازالت حذرة للغاية، وهو ما لم يكن عليه الحال في أثناء الحرب الباردة وخصوصا في أنجولا. وبالمقارنة مع الوجود الصيني والأمريكي، مازال الوجود العسكري الروسي هامشيا، رغم أن بوسعه مواصلة النمو بسرعة.
ولهذه الأسباب تتوقع الدراسة أنه سيكون من الأكثر إنصافا إذا أطلقنا على وجود القوى الثلاث في أفريقيا بأنه "منافسة استراتيجية في أفريقيا"، وتتطلب هذه المنافسة تخصيص ميزانيات ضخمة لاسيما بالنسبة لأمريكا والصين وتوقيع اتفاقيات دبلوماسية ـ عسكرية (53 دولة أفريقية وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة و24 دولة أفريقية مع روسيا) وباستخدام عناصر القوة الناعمة لبسط النفوذ لاسيما عبر تنفيذ مشروعات للبنية التحتية. وفي هذا الإطار، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لديها ما لا يقل عن 34 منشأة عسكرية في أفريقيا، أما الصين فتتميز بانتشارها في العديد من الموانئ الأفريقية بينما روسيا تسعى، لكنها لم تنجح حتى الآن، إلا فى بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي على غرار الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضحت الباحثة الفرنسية أن هذه المنافسة الاستراتيجية تتطلب كذلك جهدا ضخما في مجال التعاون العسكري، لذلك استحوذت روسيا (بنسبة 28%) والصين (24%) والولايات المتحدة الأمريكية (7.1%) وأوكرانيا (8.3%) على النصيب الأكبر من سوق الأسلحة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في الفترة بين عامي 2014 و2018.
وأضافت أن بعض الأسلحة التي تباع للدول الأفريقية حديثة للغاية (فقد باعت الصين طائرات "درونز" لنيجيريا وزامبيا، وباعت روسيا صواريخ باليستية من طراز اسكندر إلى الجزائر... إلخ). وتتطلب هذه المنافسة أيضا بناء شبكات دفاع قوية عبر تدريب العسكريين الأفارقة والمشاركة في العديد من الفعاليات بما في ذلك المناورات المشتركة.
وقالت الباحثة إن المنافسة الاستراتيجية تمر أيضا عبر القدرة على القيام بعمليات عسكرية، موضحة أن العمليات العسكرية الأمريكية توصف بأنها الأكثر تعقيدا وإنفاذا حيث تعتمد على استخدام الطائرات بدون طيار "درونز"، بما فيها الطرز المزودة بأسلحة، والقوات الخاصة لاسيما في الصومال والنيجر وليبيا، بينما الصين تركز عملياتها حتى الآن على المشاركة في عمليات حفظ السلام وإخلاء رعاياها كما حدث في ليبيا عام 2011 (حيث أجلت الصين 35 ألف من مواطنيها خلال 12 يوما)، أما روسيا فقد أرسلت مستشارين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو برزافيل. وتقوم القوى الثلاث بعمليات مشتركة للأمن البحري وتنشر شركات عسكرية وأمنية خاصة.
وفيما يخص "العمليات الخارجية" التي تحتاج للتكنولوجيا المتطورة، فمن الممكن أن تكون الصين وروسيا أكثر حسما لأفريقيا لاسيما اذا استنسخت هاتان الأخيرتان بعض خصائص القوة الأمريكية، وعليه فسيكون بوسعهما قيادة عمليات عسكرية طارئة وحشد طائرات بدون طيار "درونز" مسلحة وقوات خاصة. وفي هذه الحالة ستتمكن على سبيل المثال من مساعدة بعض الدول في الساحل الأفريقي أو في خليج غينيا على مواجهة أي تهديد محتمل يتخطى قدرات الوسائل الغربية وحدها.