رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس التونسى.. ورجس الإخوان


خلفًا للراحل الباجة قايد السبسى اختارت تونس رئيسها الجديد، بعد انتخابات غرائبية تقدم خلالها نحو مائة مرشح بأوراقهم، صاروا ٢٤، بينهم مرشح قيد الاحتجاز صعد إلى الجولة الثانية، وصولًا إلى توجه الناخبين، الأحد الماضى، إلى صناديق الاقتراع واختيار أغلبيتهم قيس سعيد، أستاذ القانون، غير المنتمى لأىٍ من الأحزاب الكثيرة القائمة، بينما يربطه البعض بـ«حركة النهضة» الإخوانية، التى قد تكون، هى نفسها، وراء هذا الربط.
الدستور التونسى، يوزع السلطة بين الرئيس ورئيس الحكومة، بل إنه منح الأخير صلاحيات أوسع فى تسيير شئون البلاد. وتأسيسًا على ذلك، فإن كون «سعيد» إخوانيًا دنِسًا أو تونسيًا طاهرًا، من عدمه، لن يقدم أو يؤخر، لو تمكنت الحركة الإخوانية، من تكوين ائتلاف حكومى، بعد أن حصدت أكبر عدد من مقاعد البرلمان، فى الانتخابات التشريعية، لأن ذلك يعنى أن الحكومة ستكون تحت سيطرتها، وغالبًا ستكون رئاسة البرلمان، من نصيب رئيسها، راشد الغنوشى. وإن كان حصول الحركة على ٥٢ مقعدًا فقط، من أصل ٢١٧ مقعدًا، سيجعلها تواجه بعض الصعوبات فى بناء ائتلاف يضم ١٠٩ أعضاء على الأقل.
بهذا الشكل، صار قيس سعيد رئيسًا للجمهورية التونسية، بصلاحيات محددة، أو محدودة. ومن المنتظر أن يتم الإعلان عمن سيتقاسم معه السلطة. وسبق أن أوضحنا، هنا، كيف أن الرهان على منع «إخوان تونس» من التمدد والسيطرة بات صعبًا، أو يكاد يكون مستحيلًا، بعد أن تمكنوا من وضع أيديهم على مفاصل الدولة بتواطؤ من تسع حكومات، بدت فى ظاهرها معادية لهم، لكنها فى الحقيقة كانت متحالفة معهم وملتزمة بتوجيهاتهم.
حركة النهضة خاضت الانتخابات الرئاسية بخمسة مرشحين، توزعت عليهم تزكيات أعضاء الحركة فى البرلمان، ولم يكن «سعيد» بين هؤلاء. لكن بمجرد إعلان النتائج الأولية للجولة الأولى، تردّد أن الحركة دعمته ودعت أعضاءها إلى التصويت لصالحه، حال عدم تصويتهم لمرشحها الرسمى، عبدالفتاح مورو، الذى حصل على ١٣٪، فى الجولة الأولى، وحل ثالثًا فى الترتيب، بعد سعيد ونبيل القروى، الأمر الذى رجّح وصف البعض لـ«سعيد» بأنه قريب من الحركة أو من حزب «التحرير» السلفى، خاصة بعد أن جدّدت الحركة «الإخوانية»، فى بيان، دعوتها لأنصارها إلى التصويت له والمشاركة المكثفة فى الجولة الثانية.
الإنصاف يُوجب الإشارة إلى أن وكالة الأنباء الألمانية سبق أن نقلت عن «القروى» أنه قد يتحالف مع حركة «النهضة»، حال فوزه. وبالنص قال: «ليس لدينا موقف من النهضة.. المعركة انتهت مع دستور ٢٠١٤». كما يوجب الإنصاف، أيضًا، ألا نتجاهل أن أحزابًا وتيارات وحركات عديدة أعلنت عن دعمها لسعيد، إذ أعلن «التيار الديمقراطى» أيضًا، فى بيان، دعمه لسعيد فى الجولة الثانية للانتخابات. كما أكد سالم لبيض، القيادى بحركة «الشعب»، فى تصريح إذاعى، أن الحركة تدعم سعيد بالنظر لكونه «رجل المرحلة». ومن مرشحى الجولة الأولى، دعمه كذلك الصافى سعيد، ولطفى المرايحى، وسيف الدين مخلوف و... و... وغيرهم.
رجل الأعمال نبيل القروى، رئيس حزب «قلب تونس» حديث التأسيس، ظل محتجزًا منذ صباح ٢٣ أغسطس الماضى، حتى مساء ٩ أكتوبر الجارى، لاتهامه بالتهرب الضريبى وغسل الأموال. وبعد أن رفضت «محكمة التعقيب» العديد من الطعون والطلبات القانونية بالإفراج عنه، اكتشفت فجأة وجود أخطاء إجرائية، وأطلقت سراحه، مساء الأربعاء، ما يعنى أنه لم يكن متاحًا أمامه غير يومين فقط: الخميس والجمعة، لأن الصمت الانتخابى بدأ السبت. ولم تستجب لجنة الانتخابات لدعوة حزبه إلى تأجيل الجولة الثانية لأسبوع آخر، «يضمن للتونسيين حرية الاختيار، ويكفل حق المرشحين فى القيام بحملة انتخابية».
كثيرون أرجعوا احتجاز القروى، والإفراج عنه، إلى أسباب أو ضغوط سياسية، بينهم حافظ السبسى، نجل الرئيس الراحل، القيادى فى حزب «نداء تونس»، الذى كتب فى حسابه على «فيسبوك» أن إطلاق سراح القروى «قرار سياسى، ويؤكد مرة أخرى أنّ قرار اعتقاله كان كذلك سياسيًا بما جعل القروى سجينًا سياسيًا فى سياق انتخابى متعفن». واتهم «السبسى» الابن ما وصفها بـ«المجموعة الفاشلة» بأنها غلّبت مصالحها الشخصية على حساب مصلحة تونس، وضربت مصداقية مسارها الديمقراطى، و«ها نحن للأسف نجنى النتائج الكارثية».
أخيرًا، وسواء رأيته عرسًا ديمقراطيًا «بالسين» أو وصفته بغير ذلك، فقد انتهى موسم الانتخابات الطويل، الذى أرهق البلد الشقيق، بحكم تزامن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وما رافقهما وسبقهما، وسيلحق بهما، من تطورات وأزمات، قد تنتهى بكوارث، لو استمر رئيس الجمهورية الجديد ورئيس الحكومة المنتظر فى إطلاق الشعارات، دون أن يتمكنا من إحداث تغييرات حقيقية وجوهرية فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تقضى على البطالة، الفقر، والأوبئة التى عادت إلى تونس مع تدهور الخدمات الصحية.