رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فحص كاذب.. حكايات من دفتر آلام ضحايا التحاليل الطبية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عند إصابتك بأي مرض تهرول إلى الطبيب، لتكتشف مدى إصابتك بمرض ما، وعلى أساسه يطلب منك عدد من التحاليل والأشاعات، للاطمئنان إلى التشخيص الصحيح، الذي على أساسه يتم وصف الدواء السليم، أو إخبار المريض بأنه في حاجة إلى عملية جراحية، لكن ما بالك إذا كانت تلك التحليل تحمل نتائج خاطئة، بالطبع أول ما سيجول في بالك الآن هو أن النتيجة ستكون كارثية.

تلك النتيجة الكارثية هي ما وصلت إليه "الدستور"، من خلال حكايات رصدتها لعدد من المرضى، الذين لحق بهم ضرر كبير إثر تلك النتائج الخاطئة، تقرأها في السطور التالية، يحدث ذلك نتيجة وجود خريجين جدد غير متخصصين في هذا المجال، أو انتهاء العمر الافتراضي لبعض الأجهزة أو انتهاء تاريخ صلاحية المواد الكيماوية، والتي غالبًا ما تتعرض للتلف بسبب عدم المحافظة عليها.

القصة الأولى تبدأ في أحد معامل محافظة كفر الشيخ، حين قامت فوزية عبد الحكيم، 50 عامًا؛ بإجراء تحليل للكشف عن حقيقة ورم بأحد أعضائها؛ لمعرفة ما إذا كان لديها ورم حميدًا أو خبيثًا، بعدما شعرت بألم في جسدها.

فجاءتها النتيجة بأنه ورم خبيث، الأمر الذي دفعها للتوجه إلى الطبيب، فأخبرها بضرورة إجراء عملية جراحية بناء على نتائج التحاليل، وتم استئصال العضو المصاب من جسدها.

لم يختفِ الألم لديها، فقامت بعمل أشعة تليفزيونية بعد العملية الجراحية بفترة قصيرة، والتي أظهرت أن العضو الذي تم استئصاله بسبب الورم كان حميدًا وليس خبيثًا كما أظهرت نتائج التحاليل السابقة.

القانون المصري لسنة 54، لم يفرق في ممارسة مهنة التحاليل الطبية بين الكيميائي والصيدلي والطبيب، رغم أنها حقّ مكتسب للكيميائيين، من هنا جاءت الفوضى بالنسبة لمن له أحقية العمل بمعامل التحاليل، رغم أن بعض الإحصائيات تشير إلى أنَّ الجامعات المصرية لها أقسام محدودة تقوم بتخريج 3950 متخصص في السنة.

"إبراهيم عبد الواحد"، 30 عامًا، أحد ضحايا نتائج معامل التحاليل الخاطئة، بعدما تضررت والدته بسبب إحداهم في فبراير العام 2017، إذ توجه لإجراء بعد الفحوصات لولدته المريضة بعد أن كشف التحليل الذي أجراه لها في معمل خاص بمدينة «دكرنس» في الدقهلية، عن إصابتها بفيروس سي بنسبة مرتفعة.

وبعد عدة أشهر من الكشف على الأم المريضة، ومتابعة العلاج الذي وصفه الطبيب لها، أخذ «إبرهيم»، من الطبيب ورقة تحاليل جديدة لإجراء التحاليل مرّةً ثانية، فذهب بها إلى نفس المعمل الذي أكد له إصابة والدته بالفيروس.

عاد الشاب بوالدته مرّة أخرى إلى الطبيب، ومعها التحاليل التي أجرتها، والغريب أنَّ ثمة اختلافًا كبيرًا في أوراق تحاليل والدته، وأن هذا ينُم عن غياب الدقة في معمل التحاليل، بحسب الطبيب المعالج.

الطبيب طلب منه إعادة التحليل الرئيسي في أحد المعامل الكبرى بمحافظة الدقهلية، وهناك اكتشف الابن خطأ التحليل، وأن والدته ستينية العمر غير مصابة بفيروس سي على الإطلاق.

حمل الشاب أوراق والدته وذهب كي يحرر محضر رسمي ضد معمل التحاليل في قسم شرطة المنصورة، وهناك اكتشف أن المعمل يديره شاب حاصل على بكالوريوس تجارة، ورثه عن والده الكيميائي، وعلى الرغم من صدور قرارات بغلقه أكثر من مرة، إلا أنه يمارس عمله علنًا.

طبقًا للإحصاءات الرسمية، فإن مصر بها 8777 معمل تحاليل طبية، بينها حوالي 1825 معملًا غير مرخص، وهذا يعني أن هناك 20% من المعامل غير مرخصة، إذ تنتشر أغلبها في العشوائيات والقرى الأكثر فقرًا.

وتتزايد المعامل بمعدل يصل إلى 200 معمل سنويًا، ويغلق 87 معملًا كل سنة، إما لعدم وجود الطبيب المختص صاحب التراخيص أو لمزاولة نشاط غير مسموح به، كأن يكون الترخيص مخصصًا لتحاليل الكيمياء الحيوية الطبية.

حماد حمدي، شاب 27 عامًا، تقدم إلى أحد البنوك للالتحاق بوظيفة، وأثناء التقدم طُلب منه البنك إجراء تحاليل طبية بمعمل شريطة أن يرسل المعمل نتيجة التحاليل الطبية إلى البنك بنفسه.

انتقل الشاب على الفور إلى المعمل" فرع نوبار" وأجرى التحاليل الطبية المطلوبة، وفي اليوم التالي ذهب إلى البنك لمعرفة ما إذا تم قبوله بالوظيفة، إلا أن المفاجئة أن البنك رفض قبوله في الوظيفة بدعوى أن التحاليل الطبية التي أجراها أكدت أنه متعاطي للمخدرات.

يؤكد الشاب أنه لا يقوم بالتدخين نهائيًا، وهنا أجرى تحاليل طبية أخرى بمعمل بالهرم، وأكدت التحاليل الجديدة التي أجراها بفرع الهرم أنه غير متعاطي للمواد المخدرة، تقدم الشاب العشريني ببلاغ إلى قسم شرطة عابدين رقم 2908 إداري عابدين بتاريخ 19-7-2017 اتهم فيه مسئولي أحد معامل التحاليل بالإهمال والتقصير.

تزوجت «نور مدحت» 26 عامًا، في يونيو الماضي، إلا إنها لم تنجب في الشهور الأولى لها، ففضّلت المتابعة مبكرًا مع إحدى طبيبات النساء والتوليد، عقب مرور شهرين من زواجها.

الطبيبة في البداية أخبرتها بأنها لديها شك في إمكانية حملها، فطلبت منها إجراء تحاليل وبعض أشعة «السونار» لتأكيد شكوكها أو نفيها، وعقب إجراء تلك التحاليل، أخبرتها الطبيبة بعدم إمكانيتها في الحمل خلال الوقت الحالي، بسبب صغر حجم البويضة لديها، وإصابتها بإعوجاج في الرحم.

كادت «نور» أن تبدأ كورس علاج مع الطبيبة، إلا أن زوجها فضّل أن يكون العلاج في معمل خصوبة خاص، بحيث يقدم خدمة عالية وسرعة في الخطوات، وبالفعل تقدم إلى أحد المراكز الخاصة والذي ألزمها بإجراء بعض التحاليل.

المفاجأة كانت حين خرجت نتيجة تلك التحاليل، والتي أكدت أن حجم البويضة طبيعي وليس صغيرًا كما ظهر في التحاليل الأولى، فعلمت وقتها أن الخطأ كان من المعمل وليس من الطبيبة، ولم تكمل رحلة العلاج الوهمية.

يقول الدكتور خالد سمير، عضو نقابة الأطباء السابق، أن تضارب قوانين فنيين معامل التحاليل هو من أدى في النهاية إلى حدوث تلك الأخطاء الجسيمة، التي لا يدفع ثمنها سوى المريض في النهاية.

يوضح أن المعامل الخاصة لا بد أن يكون عليها رقابة من وزارة الصحة لاسيما الخاصة غير التابعة للمستشفيات الحكومية، مبينًا أن كثيرون يتم تخريجهم من كليات ويعملون في المعامل الخاصة بلا شهادات في ذلك التخصص.