رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الأكراد.. ودحر الأتراك



مصر هى كلمة السر، وبدعمها ووساطتها بين الأكراد السوريين وحكومتهم تحركت وحدات من قوات الجيش العربى السورى، الأحد، باتجاه شمال البلاد لمواجهة العدوان التركى، فى اليوم الخامس من هجوم أنقرة وإرهابيين موالين لها، سوريين، ومختلفى الجنسيات.
وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» ذكرت، أمس الإثنين، أن قوات الجيش السورى دخلت بلدة تل تمر، التى تبعد حوالى ٢٠ كيلومترًا عن الحدود التركية. كما تحدثت وسائل إعلام سورية عن انتشار الجيش فى بلدة الطبقة قرب الرقة، وعرض التليفزيون الرسمى السورى لقطات من ترحيب سكان «عين عيسى»، بوصول القوات الحكومية، التى جاء تحركها فى إطار اتفاق بين الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية الشرعية، بعد «مفاوضات» شهدت القاهرة، جانبًا منها، نعتقد أنه الجانب الأهم.
مفاوضات سابقة مع دمشق، لم تسفر عن اتفاق، بسبب رفض الأكراد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل سنة ٢٠١١. وقبل العدوان التركى طالب فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السورى، فى تصريحات «من ضل الطريق بأن يعود إلى الوطن»، وأكد أن بلاده ترحب بكل أبنائها، وتريد أن تحل كل المشكلات بطريقة إيجابية، تحافظ على كل ذرة تراب من أرض سوريا. كما لم يستبعد مظلوم عبدى، قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التحالف مع الجيش العربى السورى، وأكد أن كل الخيارات مفتوحة لردع التوغل التركى.
موقف مصر الثابت والواضح من الأزمة السورية ووقوفها على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب السورى الشقيق أتاح لها التوسط والتوصل إلى اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية على دخول الجيش السورى وانتشاره على طول الحدود مع تركيا. ولاحقًا، أكد رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، فى تصريحات، أن مصر تنظر برؤية شاملة إلى المصلحة العربية ومصلحة سوريا، وأوضح أن وجهة النظر المصرية فى حل الأزمة لاقت قبولًا عند الجميع، باستثناء أصدقاء تركيا مثل الجانب القطرى.
درار، كان عضوًا فى وفد «مجلس سوريا الديمقراطية»‫، الذى زار القاهرة، السبت، قبل ساعات من انعقاد الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية الذى ناقش العدوان التركى. وضم الوفد إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية، وسيهانوك ديبو، عضو مجلس الرئاسة. والثلاثة أطلعوا سامح شكرى، وزير الخارجية، على تطورات الأوضاع الميدانية واستعرضوا مجمل التأثيرات الخطيرة للعدوان التركى وما يرتبط به من عواقب إنسانية جسيمة على الأرض، وتبعاته السلبية على مسار محاربة تنظيم «داعش» الإرهابى فى سوريا والمنطقة. وخلال اللقاء، أكد شكرى أن مصر تولى أهمية كبيرة لوحدة سوريا وشعبها وسلامتها الإقليمية. معربًا عن إدانتها العدوان التركى، مؤكدًا أن مقاومته تُعد حقًا شرعيًا بموجب المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة.
تركيا تتهم الوحدات الكردية بأنها ذراع «إرهابية» للمعارضين الأكراد على أراضيها، بينما الثابت هو أن هذه القوات لعبت دورًا أساسيًا فى محاربة تنظيم «داعش»، الذى تدعمه تركيا. أما العدوان الذى ادعت تركيا أن هدفه إنشاء ما تصفها بـ«المنطقة الآمنة»، فإن الواقع يقول إنها تسعى من خلاله إلى إحداث تغيير ديموجرافى، بإبعاد الأكراد عن الشريط الحدودى وإغراقه بمئات الآلاف من اللاجئين الموالين لها، وتحرير الدواعش واستخدامهم كورقة ضغط على أوروبا، للحصول على مزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية. وبالفعل، نجحت القوات التركية وفصائل الإرهابيين الموالية لها فى تهريب الدواعش، واستهدفت منذ يوم الأول السجون التى تضم مقاتلى التنظيم، وقامت بتكثيف قصفها فى محيط مخيمات عائلات التنظيم الإرهابى.
لا تريد دول أوروبا استعادة رعاياها من مقاتلى تنظيم داعش خشية أن تثير محاكمتهم غضب المتشددين، هناك، أو أن تجد نظمها القضائية صعوبات فى جمع الأدلة. وقبل بدء الهجوم التركى كانت تلك الدول تجرى تقييمًا لكيفية التوصل إلى آلية يمكن أن تفضى إلى نقل هؤلاء من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم هناك. ومن محاسن الصدف أن معهد دراسة الحرب، قال فى دراسة، نشرها أواخر سبتمبر الماضى، إن التنظيم الإرهابى يستعد لتهريب مقاتليه الذين قدرت أعدادهم بـ٨ آلاف، بالإضافة إلى ألفَى مقاتل أجنبى.
المهم هو أن خريطة توزيع النفوذ تغيرت وصارت المواجهات متعددة الأطراف. وكنا قد رجّحنا، الخميس، أن يصبح شرق الفرات مصيدة لتركيا ودواعشها وحلفائها، لو استجاب الأكراد لصوت العقل وعادوا إلى حضن وطنهم، وقاتلوا عدوهم تحت مظلة الجيش العربى السورى. وتمنينا أن يكون إجماع الدول العربية على إدانة العدوان إيذانًا ببدء إفاقتها وتوافقها على طرد قطر من الجامعة العربية، وإعادة سوريا إلى مقعدها. وبينما لم يخيب الأكراد ظننا، لم تتخلص الجامعة من رجس قطر، ولم تتطهر من خطيئة تجميد أو تعليق عضوية سوريا.