رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرواح مهدرة.. متى يتوقف نزيف الأطفال في المدارس؟

جريدة الدستور

مشاجرات كلامية بين الطلاب، تتصاعد إلى تشابك بالأيدي داخل المدارس، غالبًا ما تؤدي في النهاية إلى قتل أحدهم الآخر، مستخدمين في ذلك مطواه، وتم إغلاق العديد من المدارس، والقبض على الطلاب لتقديمهم إلى العدالة، بسبب انتشار تلك الجرائم داخل المؤسسات التعليمية.

وقبل أيام قليلة، تعرضت مدرسة جلال الدين الإبتدائية بمدينة المحلة الكبرى، لحالة من الفوضى عقب مشاجرة بين طالبين نتج عنها اقتحام 4 أشخاص من بينهم ولي أمر، على المدرسة بالأسلحة البيضاء والاعتداء على مدرس رياضيات بسبب دفاعه عن تلميذ، ما أدى إلى أصابته بجرح قطعي في الوجه وأثارت الفزع بينهم.

لم تكن تلك الواقعة هي الوحيدة بل إنها تكررت العديد من المرات داخل مدارس عدة، وبنفس الطريقة المعتادة من استخدام الأسلحة البيضاء بين الطلاب الصغار، ومن هنا أجرى "محرر الدستور" جولة على بعض المدارس التي شهدت أحداث عنف بذات الطريقة.

وجهتنا الأولى كانت مدرسة طلعت حرب الثانوية العسكرية بالمحلة، التي شهدت حالة من الذعر والقلق؛ بسبب وقوع جريمة كبيرة داخلها؛ أدت إلى وفاة طالب، وتحدثنا مع مدير المدرسة، حازم لبشتين، حول تفاصيل تلك الحادثة، وآثارها الجانبية على الطلاب بعد وقوعها، موضحًا في بداية حديثه لـ"الدستور"، إنها بدأت بمزاح بينهم باستخدام الصاعق الكهربائي، حتى تطور الأمر إلى اشتباك كبير بين الطلبة وبعضهما البعض واستمر لمدة ثلاث أيام.

يستكمل: "الأهالي حاولوا التدخل مع الأخصائيين الاجتماعيين بالمدرسة لحل المشكلة قبل تطورها، لكن الأزمة لم تنته وفي اليوم الرابع تشابكوا وأخرج أحداهما سكينًا من ملابسه، وقام بغرزها داخل بطن زميله ليلقى حتفه على الفور، وتم القبض علي الجاني، وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات في قضية مشاجرة، بالإضافة إلى دفع أهل الجاني مبلغ تعويضي لأهل المجني عليه".

تواصلت "الدستور" مع حارس المدرسة الذي كان متواجدًا أثناء حدوث الجريمة، وشهد على هذه الواقعة، يقول: "أنا دايمًا بشوف العيال بتتخانق مع بعض في المدرسة بهزار، ويرفعوا على بعض السكاكين ويلعبوا بيها، ووصل الحال أن الطلبة بتبيع السكاكين لبعض ويتسابقوا على مين معاه سكينة أحسن من التاني".

يضيف: "هرب الطالب الجاني من باب المدرسة وقت حدوث الجريمة وهو مفتوح، وسمعنا بعدها أن الشرطة قد تمكنت من القبض عليه، بينما كنا مشغولين بالمجني عليه في محاولة لإنقاذه لكنه فقد الوعي بعد عدة ثواني من ضربه ولقى حتفه".

ما يلفت الانتباه، في تلك الواقعة، ويعطي إشارة حمراء شديدة الخطورة، هو كيف دخلت تلك المطواه التي كانت مع أحد الطالبين إلى المدرسة؟ لاسيما أنها ليست الواقعة الأولى التي يكتشف فيها قدرة طلاب المدارس الحكومية على إدخال أسلحة بيضاء إلى المدارس.. كيف يتم ذلك وما خطورته وضحاياه؟.. "الدستور" تجيب على تلك التساؤلات في السطور التالية.

الوقائع لم تنته إلى هنا، فمنذ فترة كبيرة تشاجرت مجموعة من الطلاب مع بعضهما في إحدى مدارس محافظة الغربية، على هاتف محمول، وقام طالب بغرز سكينة داخل بطن زميله؛ أدت إلى وفاته في الفور، وتم إغلاق المدرسة يومين بعد الحادثة وانتشرت حالة من الخوف والقلق داخل مدرسة قرية بطينة.

تواصلنا أيضًا مع ولي الأمر المجني عليه، الذي قال في حديثه لـ"الدستور"، إنه مع انتهاء اليوم الدراسي جاء إليه خبر وفاة طفله بدون أي معلومات أكثر من توجهه لاستلام الجثة من المستشفى، وبعد وصوله المستشفى علم أن زميله في المدرسة تشاجر معه على الهاتف الخاص به حتى وصل الأمر إلى قتله.

يضيف: "تم القبض على الجاني واعترف بارتكابه الجريمة أثناء التحقيق معه، وتحرر محضر رقم 38751 جنح مركز المحلة، وإخطار النيابة التي صرحت بدفن الجثة عقب التأكد من سبب الوفاة وتولت التحقيق، وتم الحكم عليه بالحبس".

يوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، لـ"الدستور"، أسباب انتشار تلك الجرائم، مشيرًا إلى الانحدار الثقافي بين الشباب من الناحية الأخلاقية والدينية والاجتماعية سواء داخل الأسرة أو المجتمع، ويؤكد أيضًا أ، هذا النوع من الجرائم سيزداد مع الوقت طالما الرقابة الثقافية غير موجودة من الأساس.

"نوع الفن الذي يقدمه الإعلام المرئي من أفلام ومسلسلات تشجع على العنف والكراهية وتعاطي المخدرات.. فبالتالي الأطفال يقومون بتقليد بطل الفيلم أو المسلسل من سلوكيًا"، هذا ما يقوله "فرويز" عن المؤثرات الجانبية في فكر الأطفال.

ويستكمل قائلًا: "إحنا عندنا وزارات معنية عن المشكلة مثل التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة، فلا بد من أن يتم توعيه الطلاب ثقافيًا حتى يتم القضاء على تلك الأفكار".

ومن جانبها، تقول الدكتورة "ماجدة نصر"، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، ونائب رئيس جامعة المنصورة سابقًا، لـ"الدستور"، إن الرقابة المدرسية على الطلاب تكون من اختصاص القيادات في المقام الأول وضرورة تفتيش الطلبة، وعقابهم فورًا في حالة تواجد أي نوع من الأسلحة معهم، كما يتم فصلهم نهائي من المدرسة حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

وتستطرد: "لا بد من التنبيه بشكل كبير على هذا القرار لأن الأطفال ليس عندهم وعي كامل ومن السهل السيطرة على عقولهم، لكن التفتيش المفاجئ لهم سيكون له جدوى في الحد من استخدام الأسلحة وارتكاب الجريمة داخل المدرسة".

وتشير نصر، إلى أن وزارة التربية والتعليم لها دور كبير في السيطرة على هذه الجرائم من خلال وضع قواعد وقرارات بالتفتيش المستمر والرقابة الكاملة على الطلبة من جانب العاملين بالمدرسة، وإرسال تعليمات إلى أولياء الأمور عن ما يقوم الطفل باصطحابه للمدرسة وما يمنع، فبالتالي الرقابة الأسرية سيكون لها دور أيضًا.