رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مزاج الوهم.. «الدستور» تكشف أوكار بيع «التبغ» المهرب

جريدة الدستور


كعادته جلس أحمد سمير45 عامًا، على إحدى المقاهي الشعبية بحي "دار السلام"، طالبًا تدخين "الشيشة" وتناول كوب من الشاي، وما إن لبّى "القهوجي" طلبه، وبدأ في التدخين، فوجئ بتغير نكهة المعسّل ومذاقه ليبدأ بنوبة من السعال وضيق بالنفس لم يشعر بهما من قبل.

وتأكد الشاب من "القهوجي" أن هذا نوع آخر من المعسّل يختلف عما اعتاد على تدخينه، وما إن سأله عن اسمه حتى ارتبك "القهوجي" موضحًا أنه لا يعرف عنه شيئًا، ومَن يعرف نوعه فقط هو صاحب المقهى، عندها أيقن الشاب لخبرته بتدخين المعسّل أنه نوع مغشوش.

"المعسّل المغشوش" تتم صناعته من "التبغ المهرب" مجهول المصدر، ما يتسبب في أضرار جسيمة على صحة شاربه، نجد له مجهودات عدة لمحاولة إحباطه، لعل أحدثها منذ يومين حين أحبطت جمارك مطار القاهرة الدولي محاولة تهريب كمية كبيرة من التبغ في محاولة من القائمين بالتهريب للهروب من رجال الجمارك وبيع التبغ لمصانع مجهولة وتحقيق المكاسب المادية.


بعد الكلمات السابقة، كانت لنا جولة بين عدد من المقاهي المستخدمة لـ"معسّل" بير السلم والناتج معظمها من تهريب التبغ الذي يعتبر مكونًا رئيسيًا بهذه الصناعة، والذي يستخدم مضافًا إليه عدة مكونات لإنتاج "المعسّل المغشوش".

"خ.أ"، 43 عامًا، أحد عمال المقاهي بحي الزاوية الحمراء، أكد أنه يجد الكثير من المعسّل المغشوش منتشرًا بالمقاهي الشعبية، مؤكدًا أن له طريقة عمله سهلة تجعل أي صبي أو صاحب المقهى يصنعه بنفسه، كاشفًا عن المكونات: المعسّل المغشوش يتكون من تبغ خام مغشوش بأغلب الأحوال، مضافًا إليه جلسرين وعسل أسود وألوان ونشارة خشب أو هوالك معسل مستعمل.

ومن الزاوية الحمراء إلى إمبابة، التقينا "أ.ع"، 25عامًا، صبي قهوجي، يكشف لـ"الدستور"، أنه مع ارتفاع الأسعار فإن صاحب المقهى عادة لا يرحب بشراء المعسّل الأصلى بعد ارتفاع سعره، ولكنه يكتفي بشراء بعض عبوات المعسّل الأصلية.

وعن الطريقة، يقول: يقوم بخلطها مع بعض المكونات، وإضافة لها القليل من التبغ وتصنيع المعسّل يدويًا عبر بعض الإضافات، مفرغًا إياها في صحن كبير ألمونيوم، وتتم إضافة ماء وجلسرين وعسل أسود، ونكهات حسب الطلب سواء خوخ أو تفاح.

يصمت قليلاً ثم يتابع: هناك مقاهي تعمل على طحن "برشام" وتضيفه بالخلطة وكذلك دواء للكحة"، لكي تضمن مداومة الزبون الإتيان لها دون أن يذهب لمقهى آخر، لكن في هذه الحالة تصبح الشيشة إدمانًا وليس"مزاج"، وهناك مقاهي أخرى تضيف دواء يدعى "سربتول" كبديل عن العسل والجلسرين، فهو أرخص و"بيدخن وبيعسل الخلطة".

العميد أحمد مهران، بالإدارة العامة، يقول في تصريحات سابقة، إن أغلب ورش المعسّل المغشوش تحتوي على ماكينة طباعة واستغلال العلامات التجارية لكبرى الشركات "السلوم، قص البرج"، المملوكة للشركة الشرقية للدخان إيسترن كومبانى، بالغش والتدليس على المستهلكين وباستخدام خامات رديئة من التبع مجهولة المصدر، وكذلك من جراكن العسل مجهول المصدر والجلسرين، وأيضًا خامات لنكهات غير معروفة المنشأ، تُعبأ داخل عبوات فارغة لمعسل قص سلوم والوردة وأبو تيج وغيرها.

"ن.م"، 50 عامًا، أحد عاملي مقهي شعبي بمنطقة إمبابة، يؤكد أن أغلب المعسّل المغشوش تتم صناعته من تبغ خام أو مغشوش أيضًا، ويتابع أن هذا المعسّل يصنع داخل ورش بير السلم، فصاحب المقهى يستغل أن "الزبون مش بيشوف العبوة وهي بتتفتح"، وهناك يعبئها في عبوات ماركات قص وسلوم وزغلول والبرج".

ولفت إلى أن "القهوجية" يستطيعون تمييز المعسّل المغشوش من السليم، مؤكدًا أن المغشوش منه يكون شديد السواد و"بيحرق" بسرعة ونكهته ورائحته مختلفان، أيضًا المواظبون على شرب 20 و30 حجر في اليوم يستطيعون تمييزه.

وبرصد"الدستور" لمصانع المعسّل المغشوش وجدت أن أغلبها تتركز بعدة مناطق منها: شارع باب البحر بمنطقة القللي، رمسيس، وبحى شبرا الخيمة وكذلك بالمطرية، وهي جميعًا كائنة داخل أحياء سكنية، بالأدوار الأرضية، دون وجود لافتة لاسم مصنع أو رقم الترخيص.

وعن أضرار "المعسّل" المغشوش، يقول الدكتور محمود عمر، مؤسس مركز السموم بقصر العيني، أنه يعتمد على مادة "السربتول"، وهي علاج لحالات المرارة، وتعجل بأمراض الجهاز التنفسي كانسداد الشعب الهوائية، وسرطان الرئة، أيضًا تتسبب مكسبات الطعم والرائحة المغشوشة بضعف المناعة وتزيد نشاط الأورام السرطانية.

وتفصيلاً يتابع: زيادة الجلسرين عن الحد المطلوب يؤدي للإصابة بنزلات شعبية حادة وتضخم في عضلات القلب، وسرطان الرئة، كما أن مادتي بنزوات الصوديوم وملح الليمون، واللاتي يستخدمن كمواد حافظة، أثناء احتراقها تنتج مواد مسرطنة، وتحرق الشعب الهوائية، مما يهدد صحة المدخنين وتزيد فرص إصابتهم بالسرطان.

وبالحديث مع إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان، يوضح أنه لا يمكن القول بأن هناك كميات كبيرة من التبغ يتم تهريبها نظرًا لدور الجمارك الواعي الذي تقوم بمراقبة التبغ المستورد، بل يتم التلاعب من خلال ببيع المستوردين التبغ الخام لأصحاب المصانع غير المرخصة، بالمخالفة للقانون رقم 76 لسنة 2016، مما تسبب بعجز 2 مليار جنيه بضرائب ميزانية عام 2018 - 2019، ما نتج عنه خروج صدور مرسوم رقم "13" من وزير المالية في 14/5/2019.

وأكد "إمبابي"، في تصريحاته لـ"الدستور، أن المرسوم يحظر خروج البضاعة إلا لمصنع مرخص أو يتم التنازل عنها داخل الدائرة الجمركية، وهنا تخرج قسيمة البيع باسم المصانع المتنازل لها وليس باسم المستورد لضمان إمكانية الدولة لتتبع هذه المصانع وتحصيل الضرائب على الدخان "150 بالمائة"، ويضيف أن عدد مصانع "المعسّل" المرخصة بمصر71 مصنعا منها 42 فقط ما زالت تعمل.