رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أنا حرة".. رحلة أمينة من الجامعة الأمريكية حتى مطبخ عباس

جريدة الدستور

متمردة هى بطبيعتها تبحث دوما عن الحرية المطلقة، تعتبر نصائح عمتها أوامر وكلام زوج عمتها قيودًا.. حياتها معهما عبارة عن كومة من الضغوط. لقد تركها والدها لهما كى يتفرغ لحياته الخاصة بعد أن تزوجت أمها من رجل آخر.

كثيرًا ما وقفت أمينة فى البلكونة تنظر إلى طلبة المدارس لكن لم يشغلها منهم إلا عباس جارهم فى حى العباسية، وهو شقيق صديقتها ذو شخصية جادة لا يعرف لهوًا أو هزلًا.
فَكَرت كثيرًا أن تكون حبيبته لكن دون جدوى، حاولت الهرب بعد خروجها من المدرسة، وقفت أمام الترام حائرة إلى أى الأماكن ستذهب؟ وتساءلت: أين هى مدينة الحرية؟.

فى النهاية ذهبت إلى صديقتها اليهودية «فورتينة» ثم عادت آخر الليل لتجد الباب موصدا.. لقد قرر زوج عمتها ازاحة هذا الحمل الثقيل من على كتفه.. إلا ان عمتها فتحت لها خشية أن تصبح ابنتة أخيها عرضة للقيل والقال بين نساء العباسية.

غير ان أمينة نسيت فى اليوم التالى، ما كان بالأمس ثم عاودت الذهاب إلى فورتينة، بل وتعلمت الرقص على يد شقيقها ،كما تعلمت اللغة الفرنسية واعتادت أيضًا التأخير، فقابلت عمتها وزوحها ذلك بتجاهل شديد، فلا جدوى من النقاش مع تلك المتمردة، ولكن لأنها متمردة اعتقدت أن سبب التجاهل لكونها ليست ابنتهما.. كما أن الحرية التى تأتى بالتجاهل هى ليست حرية.

ولما أنهت أمينة الثانوية العامة تقدم لخطبتها المهندس أحمد، أعجبت بثقافته فى بداية الأمر ولكنها كرهته لاعتراضه على مكياجها، وأطلقت فى وجهه آخر طلقات الحرية حين أكدت له عزمها على دخول الجامعة فأنهت علاقتها به إلى الأبد.

كان هذا الموقف هو القشة التى قصمت ظهر البعير، غضب زوج عمتها وأرسلها لوالدها. رحلت أمينة من حى العباسية إلى وسط البلد. ثم دخلت الجامعة الأمريكية ليس من أجل العلم ولكن من أجل التحرر من كل القيود الشرقية.

بها التقت جلال، قاسمته الحياة الجامعية بكل ما فيها من حب ولهو ومرح، لكنها بالرغم من كل ذلك مازالت تشعر بأنها مقيدة.. تبحث عن حريتها المنقوصة، التى لا تعرف لها عنوانًا بين دروب الحوارى والأزقة فى العباسية، أو بين الأبنية الفخمة فى وسط البلد.

انتهت الحياة الجامعية وانتهت علاقتها بجلال تمامًا. صادفته مرة ومعه فتاة فى العشرينات أخبرها أنها خطيبته، كما أنها صادفت أحمد خطيبها السابق ومعه امرأة بطنها ممدودة أمامها تجاهلها وكأنه لم يرها، فهمت أنها زوجته.

عملت أمينة بعد تخرجها فى إحدى الشركات الأمريكية بالقاهرة. وحصلت على راتب عال ذهبت إلى العباسية واشترت هدايا لعمتها وزوج عمتها ولأبنائهما.
اعتبر أهل العباسية أمينة رمزًا، فلقد تمردت على حياتها فنالت حريتها إلا أن أمينة مازالت تبحث عن تلك الحرية، ومازالت تبحث عن عباس.

أخيرًا وجدت مجلة عليها توقيعه اتصلت به وذهبت إليه، وجدته كاتبًا سياسيًا يريد الثورة على كل ما هو قائم، شعرت بالغيرة فدخلت إحدى الجمعيات النسائية إلا أنه أقصاها عن ذلك فوافقت.

اعترفت له بحبها واعترف لها هو أيضًا، كانت كالطفلة الوديعة تجلس أمامه وهو يكتب المقال.. عاشت أمينة ظلًا لعباس. حريتها تكمن فى الصمت حين يتحدث والنظر الى عينيه حين يصمت.

ولأجله دخلت المطبخ الذى كانت تعتبره انتهاكهًا لحريتها، تغيرت كل الأشياء فى عقل أمينة.
لذا قالت لنفسها «ما كان يجب أن أرهق نفسى فى كل هذا وكان من الأفضل أن أخبر عباس بحبى له منذ البداية» ظلت سنوات عدة على هذا النحو وحين يسألها أحد لماذ لا تتزوجين تقول أنا حرة

تمت
قصة عن رواية أنا حرة للأديب.. إحسان عبد القدوس