رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قيامة نتنياهو.. كيف يتحرك خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلى لإسقاطه؟

نتنياهو
نتنياهو

شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية، خلال الأيام القليلة الماضية، ما يمكن اعتباره تحركات من جميع الاتجاهات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتجنب التوجه إلى انتخابات عامة ستكون الثالثة فى غضون أقل من ٦ أشهر. لكن رغم هذه التحركات من جانب كل الأطراف الفاعلة، لا يظهر فى الأفق، حتى الآن، أى احتمالية لإقامة حكومة وحدة، لأن الفوارق والخلافات من الصعب تجاوزها، حتى أصبح الجميع يتحدث عن أن إسرائيل فى طريقها لانتخابات ثالثة. ووجد بعض الخصوم السياسيين من هذه البيئة الخلافية أرضًا صالحة لهزيمة كل منهم للآخر، خاصة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، الذى تتحالف ضده قوى داخلية كثيرة من أجل إسقاطه وإبعاده عن الحياة السياسية فى إسرائيل، وهى الخطوة التى قد تسبق بصورة كبيرة محاكمته وسجنه. فى السطور التالية نستعرض أهم تحركات خصوم «نتنياهو»، وما تشهده الساحة السياسية الإسرائيلية من مطالبات بتغيير نظام الحكم هناك، بعدما ثبت فشل الحالى فى تشكيل حكومة مستقرة.


جانتس يواجه اتهامه بالضعف: أنتظر فشل بيبى لتشكيل الحكومة

لا أحد يعرف ما الذى يخطط له بينى جانتس، رئيس تحالف «أزرق أبيض»، فى ظل مواقفه المتباينة التى أصابت المراقبين بالحيرة والدهشة، رغم أن الجميع ما زال ينظر إليه باعتباره «المُخلص» من حكم «نتنياهو»، فالوعد الواضح والوحيد لـ«أزرق أبيض» فى الانتخابات كان إسقاط «نتنياهو»، وكان ذلك هو سبب عقد التحالف من الأساس، والدافع وراء تجمع مليون و١٥١ ألف ناخب إسرائيلى تحت لوائه.
ورغم أن «جانتس» حقق إنجازًا كبيرًا لمعسكر «الوسط- اليسار» فى الانتخابات، لأول مرة منذ ١٠ أعوام، فإنه تخوف بصورة كبيرة من مواجهة أشخاص مثل «نتنياهو» ورئيس حزب إسرائيل بيتنا اليمينى، أفيجدور ليبرمان، ولعل ذلك ما جعله يواجه اتهامات بأنه يتصرف بضعف وانهزامية، حتى قبل انتهائه من الاحتفال بالفوز.
وقال منتقدو «جانتس» إنه تنازل عن تقديم طلب لتشكيل الحكومة، رغم كونه رئيس الكتلة الأكبر فى «الكنيست»، وردت مصادر فى الحزب على ذلك الانتقاد بأن «جانتس يفضل الانتظار حتى يحاول بنيامين نتنياهو تشكيل حكومة ويفشل». لكن الرد جاء سريعًا من أصحاب الرأى الأول، قائلين إن مبرر «انتظار فشل نتنياهو» ليس مقنعًا، وأن تنازل «جانتس» لا يمكن إلا وصفه بـ«الاستسلام لنتنياهو من دون قتال»، و«اعتراف بنجاح اليمين».
ورأى آخرون أن «جانتس» يتخوف من الظهور أمام الإسرائيليين وكأنه يستند إلى أصوات العرب المعارضين لـ«الصهيونية»، وهو ما يؤكده تجاهله تأييد القائمة المشتركة لترشيحه لرئاسة الحكومة، وامتناعه عن الحوار مع مثليها بشأن المطالب التى قدمتها، والرد عليها باستخفاف: «برنامج أزرق أبيض يرد على الجميع»، على الرغم من أنه من دونها لن تكون لديه فرصة لتشكيل ائتلاف حكومى.
ورغم أن «جانتس» وتحالفه أعلنا قبيل الانتخابات رفضهما الوجود مع «نتنياهو» فى حكومة واحدة، لأن الأخير ما زالت تطارده لوائح اتهام، ترددت أنباء عن أنه مستعد لتشكيل حكومة مع «الليكود» دون «نتنياهو». كما تردد أن «جانتس» لن يبدأ أى مفاوضات قبل تعهد «نتنياهو» بإعادة تفويض تشكيل الحكومة للرئيس رؤوفين ريفلين.
وفى كل الأحوال، ترى التقديرات الإسرائيلية أن «جانتس» مطالب باختيار «بنك أهدافه»، فإذا كان يريد «دولة علمانية» كما روج تحالفه فى حملته الانتخابية، فعليه إبعاد الأحزاب «الحريدية»- أى الدينية- عن التحالف، وعن مواقع القوة فى الدولة بصفة عامة، أى الطلب من «نتنياهو» تفكيك كتلة «اليمين» ككل، لكن تسوية من هذا النوع مع «نتنياهو» يمكن أن تسبب للتحالف مشكلة مع ناخبيه، بعدما وعدهم بأن هدفه الرئيسى هو إسقاط الأخير.
وإذا كان «أزرق أبيض» ما زال متمسكًا بذلك الهدف الرئيسى، فإن الأمر الوحيد الذى يجب عدم التنازل عنه هو مسألة من يتولى رئاسة الحكومة أولاً، حال الاستقرار على أن يكون ذلك بـ«التناوب»، فى ظل ممارسة ضغوط هائلة على التحالف لتشكيل حكومة وحدة، وتجنب الذهاب إلى انتخابات جديدة ثالثة. وبشكل صريح، أعلن «جانتس» إمكانية تشكيل حكومة وحدة، قائلًا: «لم تنعدم الفرص، ولا ينبغى فقدان الأمل فى ذلك».


جدعون ساعر.. عدو قديم يخطط للانتقام بالمنافسة على رئاسة «الليكود»

فى خطوة مريبة، أعلن «نتنياهو» رغبته فى إجراء انتخابات تمهيدية داخل حزب «الليكود»، لاختيار الرئيس القادم للحزب، وسط تأكيدات لمسئولين فى الحزب أن تلك الخطوة «خدعة من نتنياهو لكشف المتآمرين الذين ينوون منافسته على رئاسة الحكومة والإطاحة به»، كما أنها تهدف إلى «إزالة الوهم بشأن وجود تمرد فى الليكود يعوق إمكانية انضمام بعض الأحزاب إلى حكومة وحدة وطنية».
وسريعًا، أعلن جدعون ساعر، عضو «الكنيست» عن حزب «الليكود»، وزير الداخلية والتعليم فى حكومة «نتنياهو» سابقًا، استعداده للمنافسة فى تلك الانتخابات، وعندما طُلب منه، لدى وصوله إلى «الكنيست» لأداء اليمين، توضيح موقفه، رفض الرد على أسئلة الصحفيين واكتفى بالقول: «سأدلى بمزيد من التفصيلات عندما تكون هناك حاجة إلى ذلك».
و«ساعر» هو زعيم ليكودى، لديه شعبية كبيرة، وهو شخصية معتدلة إلى حد كبير مقارنة بـ«نتنياهو»، شغل سابقًا منصب مساعد النائب العام، ثم سكرتيرًا للحكومة فى أواخر الولاية الأولى لـ«نتنياهو»، عام ١٩٩٩، وصولًا إلى دخوله «الكنيست» لأول مرة فى ٢٠٠٣، ثم تعيينه رئيسًا لـ«الليكود»، ورئيسًا لـ«الكنيست»، بجانب منصبى وزيرى التعليم والأمن الداخلى «الداخلية».
وأعلن «ساعر» اعتزامه الترشح فى الانتخابات التمهيدية لحزب «الليكود» والتى سيفوز فيها سيصبح مرشح الحزب لتشكيل الحكومة فى انتخابات ٢٠١٥، وعندما علم «نتنياهو» بذلك استطاع عن طريق «مكيدة» مع بعض أعضاء الحزب تقديم موعد تلك الانتخابات التمهيدية، ما ورط «ساعر» وعجزه عن خوض الانتخابات.
واستهدف «نتنياهو» من تلك الخطوة تنظيم انتخابات خاطفة تنتهى بفوزه برئاسة «الليكود»، عن طريق ضمان عدم ترشح أى شخصية ذات حيثية حزبية قادرة على المنافسة أمامه، مع تعزيز موقعه داخل الحزب عبر تعيين الأشخاص المقربين منه فى مناصب رفيعة.
دفع ذلك جدعون ساعر للاستقالة واعتزال الحياة السياسية، فى سبتمبر ٢٠١٤، وسط مجموعة من المواقف الأخرى التى جمعته مع «نتنياهو»، ورجح كثيرون أنها وراء إجباره على الاستقالة، كان أهمها انتقاده سياسات «نتنياهو» خلال عملية «الجرف الصامد» بشكل علنى. وقال «ساعَر»، الذى تزوج من الصحفية جيؤولا إيفن، فى عام ٢٠١٣، عن أسباب استقالته وقتها، إنه يرغب فى تخصيص وقت أكثر لعائلته، مشيرًا إلى تفكيره فى هذه الخطوة قبل انتخابات ٢٠١٣، لكنه بقى فى الحياة السياسية لدعم ترشيح زميله فى الحزب، رؤوفين ريفلين، لرئاسة الدولة، حتى انتِخِب لذلك بالفعل، فى يونيو ٢٠١٤.
وفاجأ خبر اعتزال «ساعر» الكثيرين، خاصة بعد انتشار شائعات كثيرة، خلال الفترة الأخيرة، حول تخطيطه لتنفيذ «ثورة داخلية» فى «الليكود» ضد «نتنياهو»، وأنه يريد أن يكون ممثل الحزب فى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، خاصة أنه يملك نفوذًا قويًا داخل الحزب اليمينى الكبير، وحل فى انتخابات «الليكود» التمهيدية، قبل انتخابات عامى ٢٠٠٩ و٢٠١٢، فى المرتبة الأولى من قبل المصوتين، والثانية بعد «نتنياهو» فى قائمة الحزب.
ومن الشائعات الأخرى المرتبطة به، بعد اعتزاله، أن إحدى الصحف الإسرائيلية الكبرى كشفت عن قضية فساد كبيرة متورط فيها، وأن المختصين فيها يعملون على تحضير تحقيق صحفى كبير بشأنها، فقرر «ساعر»، خوفًا من ذلك، الاستقالة.
وبعد عامين من اعتزاله، أعلن «ساعر»، فى سبتمبر ٢٠١٦، استعداده للعودة إلى الحياة السياسية والمنافسة فى الانتخابات المقبلة، وبالفعل عاد للظهور مرة أخرى، وتحدث عن إمكانية ترشحه للانتخابات التمهيدية لـ«الليكود».


مقترحات لتغيير شكل الحكم واعتماد النظام الأمريكى

يتفق المحللون الإسرائيليون على أن الحل الوحيد للورطة السياسية، التى وقعت فيها إسرائيل بعد انتخابات سبتمبر الماضى هو «حكومة وحدة علمانية»، تتشكل من تحالف «أزرق أبيض»، وحزب «الليكود»، مع وضع فترة زمنية غير قابلة لتمديد الحكم، حتى لا تتكرر حالة «نتنياهو» مرة أخرى فى الحياة السياسية الإسرائيلية.
ويستند هؤلاء المحللون فى ذلك إلى أن حكومة مثل هذه ستكون غير قابلة للابتزاز من قبل الأحزاب الصغيرة، أو من قبل «الحريديم» -الدينيين- أو المستوطنين.
لكن هذا الحل لا يروق لـ«نتنياهو»، الذى يهدف إلى تشكيل حكومة تمكنه من تشريع قانون يمنع محاكمته أثناء ولايته، الأمر الذى لن يتحقق مع «حكومة وحدة»، لأنه فى حال أصبح بينى جانتس رئيسًا للحكومة، وتحول «نتنياهو» إلى وزير عادى، ستوجه إلى الأخير لائحة اتهام تضطره إلى الاستقالة، ليُحال بعدها إلى محاكمة قد يدخل على إثرها السجن.
لذلك، أيقن الإسرائيليون جراء هذه الأزمة أن المسئول الحقيقى عن هذه الورطة السياسية هو نظام الحكم، الذى يقود إلى نتائج لا تسمح بتشكيل حكومة مستقرة، عبر حصول الحزبين الكبيرين فقط على ٣٢ و٣٣ مقعدًا، وبالتالى اضطرارهما إلى الخضوع لابتزاز الأحزاب الصغيرة من أجل تأليف حكومة ضيقة. ويسمح نظام الحكم فى إسرائيل بتمثيل ٩ أحزاب فى الحكومة، لكن بصلاحيات حكم منخفضة جدًا، لذا يستطيع أى حزب صغير دخل إلى الائتلاف الضيق إسقاط الحكومة متى يشاء، ونتيجة ذلك لا يستطيع رئيس الحكومة أن يخطط على المدى البعيد، وتكون قدرته على الحكم ضئيلة، إلى حد اضطراره إلى توزيع المناصب الرفيعة مثل وزارتى الدفاع والمالية على شركائه، ويؤدى ذلك إلى أن حزب المستوطنين مثلًا هو الذى يحدد السياسة الخارجية، و«الحريديم» هم الذين يحددون السياسة الداخلية، ما يجعله نظامًا تسيطر فيه الأقلية على الأغلبية.
ولذلك، تزايدت المطالب بتغيير نظام الحكم، والدعوات للانتقال إلى أسلوب يسمح بحكم مستقر، مثل النظام الرئاسى فى الولايات المتحدة مع تعديلات مطلوبة، على أن يكون هناك فائز واحد فى الانتخابات، وأن يستطيع الرئيس تشكيل حكومة كما يشاء، دون أن يتمكن «الكنيست» من إقالته طوال فترة ولايته، ومن دون أن يكون عرضة لابتزاز الأحزاب الصغيرة، وتكون لديه فترة ولايتين، أى ١٠ أعوام كحد أقصى.
وتعليقًا على ذلك، قال الكاتب السياسى جلعاد شارون، فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»: «بات واضحًا للجميع أن طريقة الانتخاب لدينا واجبة التغيير، لا ينبغى للمرء أن يكون عبقريًا كى يفهم هذا، فعندما تتوجه إسرائيل، فى غضون ٥ أشهر، مرتين إلى الانتخابات ولا نعرف من انتصر، يبدو أن هناك شيئًا خاطئًا يجب تغييره».
واقترح «جلعاد» طريقين، الأول أن رئيس الحزب الأكبر يكون هو رئيس الوزراء، دون تكتلات حزبية، ما سيدفع أحزابًا، مثل: «ميرتس» و«العمل» و«يمينا» إلى الانخراط فى «أزرق أبيض» و«الليكود»، والأحزاب الأصولية ستحصل على عدد المقاعد الذى يعكس حجم جمهورها الحقيقى، مشيرًا إلى «أى نظام يجمع بين الانتخاب المباشر والنموذج البرلمانى».
وأضاف: «سحب الثقة من الحكومة لا يتكون إلا من أغلبية تضم ٧٠ إلى ٨٠ نائبًا، وبهذه الطريقة تصبح الحكومة أقوى وأكثر استقرارًا، ويحافظ الكنيست على قوته، لأنه بدون أغلبية النواب لن تتمكن الحكومة من إجازة القوانين أو ميزانية جديدة، وبالتالى تعطيل ملفات الدولة».
أما الطريق الثانى، وفق «جلعاد»، فهو الانتخاب المباشر لرئاسة الوزراء، مع رفع نسبة الحسم إلى ١٠٪ على الأقل، لتفادى الأحزاب الصغيرة الكثيرة.
واعتبر المحلل السياسى، عمانويل نافون، أن من يتبنى النظام الرئاسى، انطلاقًا من الافتراض بأنه أكثر نجاعة واستقرارًا من النظام البرلمانى، خاطئ، لأن الرئيس الذى يفقد أغلبيته البرلمانية، مثلما يحصل فى الولايات المتحدة وفرنسا أحيانًا، يصبح مشلولًا ولا يمكنه تنفيذ سياساته.
واقترح «نافون» تبنى طريقة انتخابات تميل إلى خلق حزبين كبيرين، مع شطب الأحزاب الفئوية الصغيرة، بما يسمح لرئيس الوزراء بالاعتماد فقط على حزبه، ويحرره من الضغوط الائتلافية الحزبية.