رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعلوف.. تدليس عبدالله الشريف على «سُنة قطر»

 عبدالله الشريف
عبدالله الشريف

يؤمن البعض بأن أخطر سلاح فى يد الإخوان لمحاربة النظام فى مصر هو ثقل ظلهم العابر للحدود، وأصحاب العلم يقولون إن الإنسان ثقيل الظل غير قادر على فهم النظام الاجتماعى والإنسانى والسياسى من حوله، بل عاجز تمامًا عن التواصل معه.
وآخر إصدارات جماعة الإخوان فى الكوميديا هو عبدالله الشريف، وهو بالنسبة لجماعة الإخوان النموذج المثالى لرد كيد المعتدين، والقادر على مواجهة وهزيمة كل خصومهم، بدحرهم وضربهم فى مقتل، ونظن أنه نجح فى مهمته، لأنه بالفعل قتل خصوم الجماعة الإرهابية وأخرسهم بالتفاف أنسجة لزاجته ومخاطه حول أعناقهم.
يظن عبدالله الشريف أنه صاحب نظرية فى خفة الظل، لكنها نظرية وصل إليها وحده مع جماعته الإرهابية وجمهورها المنغلقين حول أنفسهم وعالمهم وتصوراتهم الخاصة عن المجتمع والوضعين السياسى والاجتماعى الراهنين، الذين يعجزون عن فهمهما، أو أنهم ربما يفهمونهما، لكنهم يكابرون ويأبون الاعتراف على طريقة «مجانص»، الذى أنكر المياه القذرة، وأصر على أنها شوربة، بسبب حقده وسواده ورغبته فى الانتقام من إسماعيل ياسين.
يعتبر الكوميديان الجديد للجماعة نفسه حصانًا فى سباق الكبار، لكنه فى الحقيقة ليس سوى حصان جار يستعمل للركوب فقط، ويتم علفه من أسياده بناء على تلك المهمة، وهى مهمة نظن أنها لا تعيبه، فكل إنسان له الحق فى اختيار مصيره.
لكن ما أزمة عبدالله الشريف.. وهل هو شريف فعلًا؟
الإجابة يمكن أن تكون من خلال مدخلين مهمين، المدخل الأول هو أفكاره المتطرفة، فهو شخص سلفى تربى فى أحضان الدعوة السلفية بالإسكندرية، والشخص السلفى ليس بالضرورى أن يكون إرهابيًا، لكن دائما تكون هناك خطوة واحدة بينه وبين الإرهاب، هذه الخطوة إما أن يأخذها بنفسه أو أن يتم دفعه إليها.
وفى حالة عبدالله الشريف فإن أفكاره الخاصة قد اختارها لنفسه، هذه الأفكار يمكن تلخيصها من قلب برنامجه، الذى يقدمه على قناته الخاصة باليوتيوب، الذى زعم فى إحدى حلقاته أن الإرهابيين الذين يواجهون الدولة لم يخرجوا عن الدين، لكنهم خرجوا عن منظومة القوانين والتشريعات الخاصة بالبلد، التى تمنع حمل السلاح، فالدين أقر حمل السلاح والجهاد والدفاع عن الشريعة الإلهية، قائلا: «أمال هنعمل إيه فى آيات الجهاد اللى ماليه القرآن.. هنستعر منها؟».
وخطورة طرح «المعلوف» عبدالله تكمن فى أن متابعيه بالملايين، وأغلبهم ليسوا بكامل الأهلية العقلية، التى تسمح لهم بفلترة هذا الخطاب وفهم هذه الطريقة الثعبانية فى تمرير الأفكار الظلامية، التى خلط فيها الإجرام بالجهاد، وحرض فيها مشاهديه على قبول مشهد حمل السلاح ضد الدولة، باعتباره أمرًا مشروعًا حتى يعتاده الناس على الأقل ويعتبروه مجرد مشهد فى إطار خلافات بين الدولة وقوى معارضة، كما يصورون ذلك فى البلاد العربية المنهكة بسبب الإرهاب.
أما المدخل الثانى لعبدالله الشريف، فسيكون من خلال ما يقوم به من تدليس وتأويل للأحداث التاريخية، لخدمة أجندته، وخطورة هذا المدخل تكمن فى كون أغلب متابعيه لا يقرأون ومصابين بكسل عقلى، وبالتالى فإن الجميع عليهم أن ينتبهوا لأن عقل هذه الأمة أصبح فى خطر، لأنه بات محاصرًا ومسلوب الإرادة أمام منصات الإنترنت وقوالبها البصرية المختلفة.
وعلى سبيل المثال، قدم عبدالله الشريف حلقة بعنوان «إيران والأمريكان»، دافع فيها عن إيران، وهاجم السعودية والإمارات، لكن المشكلة ليست هنا، لأنه من البديهى أن يدافع عن إيران لأنها عدوة دولتى السعودية والإمارات، اللتين بالأساس فى عداوة شرسة مع قطر، التى ترعاه وتنفق عليه.
وبغض النظر عن أن إيران دولة شيعية، تمثل خطرًا على البلاد السنية فى المنطقة، لكن ذلك ليس فى حسبان عبدالله الشريف، طالما يصب فى خدمة قطر، فدلس قائلا: «الثورة الإيرانية أعظم ثورة فى التاريخ، لا يوجد فى التاريخ ما يماثلها سوى الثورة الفرنسية».
وقام المعلوف، صاحب النوايا السيئة، فى تمرير فكرة خبيثة لمشاهديه قائلا: «الثورة الإيرانية ظلت مستمرة ٩ سنين بيحصل خراب وتدمير واقتحامات وفرم وعمليات نوعية، وفى النهاية حققت كل أهدافها! الكلام ده للناس اللى بتسخر لما نقول الثورة فى مصر لازم تبقى مستمرة»، ومن هنا يمكن أن تفهم ما الذى يريده من هذه النقطة بالتحديد، فهو يسلك طريقة خبيثة لإقناع الناس بأن التخريب والتدمير والعمليات الإرهابية فى الشوارع أمر طبيعى ستجنى منه البلاد بعد ذلك كل الخير وكل الإنجازات والأهداف.
ليس ذلك فقط، ففى نفس الحلقة طلب من متابعيه أن يقفوا إجلالًا لإيران لأنها الدولة الوحيدة الصريحة التى لا تعترف بالدولة الإسرائيلية، مع أن التاريخ والحاضر يقولان عكس ذلك، فهى ثانى دولة اعترفت بقيام الدولة الإسرائيلية، كما أنها ليست الدولة الوحيدة التى لا تعترف بإسرائيل حاليا فى العلن، فالسعودية فى الأمم المتحدة لا تعترف بها ومعها ١٧ دولة أخرى.
و«عبدالله» لا يخجل أن يقف على المسرح ويغنى لقطر ويسب كل الدول المعادية لها حتى مصر، بل يدلس ويقول فى قصيدته «قلنا لقطر»: «والله شفنا الخاين لابس ثوب الشرف.. دجال وعامل فيها المهدى منتظر، غزة وحلب بغداد واليمن بإيديكم فيها كام مليون قبر اتحفر»، وهو يوجه فى هذه القصيدة كلامه إلى الإمارات والسعودية، متجاهلًا ما تفعله إيران فى سوريا واليمن، بل إنه يحمل مسئولية احتلال فلسطين للسعودية والإمارات ومصر، متناسيًا جماعاته المسلحة الإسلامية التى خذلت فلسطين ووجهت رصاصاتها فى قلب جنود الجيوش العربية، ومتناسيًا أيضا أنه قال إن إيران هى العدو الأول لإسرائيل، ولا أحد يعرف ما معنى كلمة العدو الأول دون أن تطلق رصاصة واحدة؟، متناسيًا أيضا تطبيع قطر مع إسرائيل على المستويين السياسى والاقتصادى ووجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها.
ولا أحد يريد أن يصارح عبدالله الشريف بحقيقته، فهو يعترف بأنه يتنقل بين إنجلترا وأمريكا لأنه يدرس منحة سينمائية، وينعم بالشهرة والرفاهية فى السفر من بلد إلى آخر، فى نفس الوقت الذى يدعو فيه الناس إلى الجهاد المسلح والقيام بفوضى وثورة مقابل العزة والكرامة والشرف، ذلك الشرف الذى فقده عبدالله الشريف مقابل المال وإرضاء عالفه فى الدوحة، ويدعيه على المصريين والمؤسسات الوطنية.