رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في وداع "نعيمة".. "الدستور" داخل مركز العلاج البيطري بحديقة حيوانات الجيزة

نعيمة
نعيمة


أراضٍ شاسعة، تكسوها مساحات خضراء، وتغلفها أشجارًا ونخيلًا، تخترق أشعة الشمس أوراقها، أقفاص حديدية متناثرة أحجامها مختلفة منها الكبير والصغير، شكلت ملاذًا آمنًا لأصحابها، وزوار يأتون من كل حدب وصوب، يصطفون أمام تلك الأقفاص لإلقاء النظرات على ما بداخلها واللهو معهم.. هكذا اعتادنا مشهد حديقة الحيوان بالجيزة منذ صغرنا وحتى الآن لم يتغير هذا المشهد.

يتهافت زوار حديقة الحيوان على اللهو مع هذه الحيوانات، وإلقاء النظرات عليها من خلال الأقفاص والألواح الحديدية، ويحاول البعض منهم إدخال الأطعمة، ولا مانع من التقاط صور تذكارية معها، وعلى صعيد آخر يتعامل البعض منهم بوحشية ما يعرض الحيوانات للخطر وفي بعض الأحيان إلى الإصابات والموت.


أمس، ودعت حديقة الحيوان إحدى فيلة الحديقة والتي تُدعى "نعيمة"، عن عمر 40 عامّا، بعد حياة حافلة أسعدت الملايين من عشاق حديقة الحيوان بالجيزة، فيما سادت حالة من الحزن إدارة حديقة الحيوان، بعد نفوق آخر فيلة الحديقة، والتي تنتمي لنوعية الفيل الأفريقي، فيما بدأت لجنة بيطرية من القوات المسلحة وجامعة القاهرة ومعهد صحة الحيوان بسحب عينات منها للتأكد من سبب الوفاة، بينما تم البدء في إجراءات تحنيط الجلد.

وانتهى الفحص الظاهري بأن الوفاة ربما تكون بسبب كبر السن التي يتعرض لها الفيل، ثم أُسدل الستار على "نعيمة" وبعد القيام بالإجراءات البيطرية اللازمة انتقلت إلى الدفن الصحي لها بعد انتهاء تقرير الصفة التشريحية للفيل «نعيمة»، بسحب وفحص العينات المسحوبة منها لإعداد تقرير طبي بشأن أسباب النفوق، حسبما صرح الدكتور محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان.

وزارت "الدستور" حديقة الحيوان بالجيزة، في جولة لمركز العلاج البيطري والذي يتكون من وحدة الكشف والوقاية، المعمل، والصيدلية، والتقينا أطباء الحديقة، للوقوف على أسباب نفوق الحيوانات وتعرضها لإصابات وأمراض، وإمكانية التدخل لإنقاذها وعلاجها.


هنا في حديقة الحيوانات بالجيزة، وبالتحديد في قسم الوقاية والعلاج الملحق بالحديقة يوجد العديد من المهام التي تقع على عاتق أطباء هذه الوحدة البيطرية، والتي بلغ عدد القائمين عليها ١٠ أطباء، هم المنوط بهم إجراء العمليات الجراحية ومعالجة الحيوانات التي تتعرض للإصابات والأمراض، فضلًا عن اتباع تعليمات الوقاية وفقًا لجدول التحصينات الدورية.

اكتسب هؤلاء الأطباء من الخبرة والكفاءة ما يؤهلهم إلى خدمة قطاع علاج الحيوانات في كافة بقاع الجمهورية، كما أنهم يتم الاستعانة بهم لإجراء العمليات الجراحية للحيوانات في أقصي جنوب القارة الأفريقية.

يتكون مركز الوقاية والعلاج في حديقة حيوانات الجيزة من ٤ فروع، جاء في مقدمتها وحدة الكشف والوقاية، والذي يختص بإعطاء الحيوانات التحصينات الوقائية اللازمة لها، وتوقيع الكشف على بعض العينات التي يتم الكشف عليها يوميًا في كل أجزاء الحديقة، الوحدة الثانية هي المعمل والذي يختص بتحليل العينات الدورية التي تؤخذ من الحيوانات للاطمئنان على صحتهم، أما القسم الثالث فهو الصيدلية والذي يتم الاحتفاظ داخلها بالأمصال والأدوية مراعاةً لحالات الطوارئ، والقسم الأخير هو غرفة العمليات والمجهزة بشكل كامل لإجراء الجراحات الطبية اللازمة للحيوانات.


العمليات: "موزة" أشهر جراحاتنا
احتلت وحدة العمليات المرتبة الأهم بين وحدات قسم الوقاية والعلاج داخل حديقة الحيوان، إذ أنها تقدم خدمة من أكبر الخدمات التي تحتاج إلى عدد من الكوادر الطبية المتميزة للقيام عليها، فتتكون غرفتها من أسّرة معدنية تقارب جدران الغرفة، وعدد من أجهزة التنفس الصناعي، أجهزة تطهير الأدوات المستخدمة في الجراحة، أشعة "أكس" لتوقيع الأشعة اللازمة على الحيوانات التي تتعرض لوعكات صحية، أشعة السونار التي تساعد في تحديد أماكن الأورام التي قد تهدد حياة الحيوانات.

ففي منتصف عام 2010، استقبلت حديقة الحيوان بالجيزة، قردة من نوع الشيمبانزي، كانت موجودة في إيواء شرم الشيخ، والتي عرفت بين زوار الحديقة والعاملين بها باسم "موزة"، فور وصول القردة إلى الحديقة بدأ عدد من الأطباء في توقيع الكشف الطبي عليها.

وخلال إجراء عملية الفحص، اكتشف الأطباء وجود أكياس مائية على الرقبة تحديدًا خلف الأذن، فاتخذوا قرارهم سريعًا بإجراء عملية جراحية لإفراغ الأكياس الدهنية من "موزة"، الأمر الذي صادف خلاله وجود خبير بيطري ألماني الجنسية في مصر، والذي رحب بالمشاركة في هذه العملية الجراحية.

بالفعل عادت "موزة" لممارسة حياتها بشكل طبيعي في الحديقة بعد نجاح العملية، إلا أن الأكياس المائية عادت إليها بعد شهور قليلة، الأمر الذي دفع أطباء الوحدة إلى توقيع كشف دقيق عليها، ليكتشفوا أنها مريضة بهذه الأكياس منذ ولادتها، والأمر متعلق بالتكوين الجيني الخاص بها، فأخذ الأطباء يجرون إليها عمليات دورية لتصفية المياه من الأكياس، فكان أشبه بمرض مزمن لا سبيل لـ"موزة" بالتخلص منه.

وفي نهاية عام 2014، لقت "موزة" حتفها، خلال إجراء العملية سالفة الذكر، على أيدي أحد خبراء الطب البيطري برازيلي الجنسية، والذي قرر إجراء العملية للقردة، محاولًا إنقاذ حياتها مرة أخرى، إلا أنها ماتت خلال إجراء العملية، وعقبت مها صابر، مدير إدارة حديقة الحيوان، على هذا الأمر قائلة: "الكل كان حزينّا على فراقها..علّمت فينا كلنا.. كنا بنعتبرها زي ولادنا".

وأكدت مدير إدارة حديقة الحيوان، أن غرفة العمليات مجهزة بشكل دائم للجراحات المتكررة التي تحدث خلال مشاجرات الحيوانات، وفي حالة حدوث حالات طارئة فإنها تطلب بشكل مباشر من مدير الحديقة الذي يسعى دائمًا لتلبية احتياجات اللازمة لإجراء العمليات الطارئة.


  •  تعتبر حديقة حيوانات الجيزة هي أكبر الحدائق مساحة على مستوى العالم، فيبلغ مساحة الحديقة نحو 80 فدان.

الوقاية: الأمصال والأدوية..هما ركائز الوحدة 
كانت الوحدة الأولى من قسم الوقاية والعلاج، تتكون من غرفة صغيرة بها دولاب زجاجي، يحوي بداخله عدد من أدوات الحقن البيطرية، ومعها بعض "السرنجات" التي تختلف على حسب نوع الحيوان، وعلى جدران الغرفة معلق بشكل واضح جدول لمواعيد التحصينات الدورية للثدييات بحدائق الحيوان بالجمهورية.

وخلال جولتنا فيه، التقينا ربيع عبدالنبي محمد، رئيس قسم الوقاية بحديقة الحيوان، الذي قال لـ "الدستور" إن عملهم ينقسم إلى ٣ أقسام،؛ الأول هو علاج الإصابات الطارئة التي يتعرض لها الحيوانات أثناء مشاجراتهم أو لهوهم معًا، والثاني هو الانصياع لجدول التحصينات الخاصة بحيوانات الحديقة، وأخيرًا القسم الخاص بحقن الحيوانات وأخذ بعض العينات منها.

وتتنوع عملية حقن الأمصال من حيث طرق ووسائل الحقن التي تختلف باختلاف أنواع الحيوانات، فالحيوانات ذات الجلد السميك تحتاج إلى سرنجة رفيعة جدًا وطويلة بحيث تخترق الجلد بكل سهولة بمجرد طلقها باستخدام "البندقية" كوسيلة للحقن، أما الحيوانات ذات الجلد الرفيع فيمكن حقنها باستخدام "التيوب."، حسبما شرح "محمد".



  • يوجد قرابة 6 آلاف حيوان من نحو 1755 نوعًا بينها التماسيح والأبقار الوحشية والفيلة والأسود والقردة.

كل نوع من الحيوانات له الوسيلة التي تناسبه أثناء حقن الأمصال الوقائية أو الأدوية العلاجية، فالحيوانات الأليفة وبعض الطيور يمكن حقنها عن طريق السرنجات يدويًا، أما بالنسبة للحيوانات المفترسة كالسباع والدببة فيتم حقنها بالماسورة "التيوب" التي توضع بها السرنجة ويتم ضغطها بالهواء ومن ثم ضربها في الحيوان عن بعد بحد أقصى 6 متر، على حد توضيح ربيع عبدالنبي، الطبيب المسئول عن قسم الوقاية بالحديقة.

وتابع أن البندقية يتم استخدامها مع الحيوانات ذات الجلد السميك كسيد قشدة أو كحيوان أبو حراب فيُفضل حقنه عن بعد بالبندقية حتى لا يرى عملية الحقن ويبدأ بالمهاجمة أو الهياج، وتعتبر البدقية وسيلة الحقن الأساسية للمسافات البعيدة قد تصل إلى 50 مترًا".. بحسب رئيس وحدة الوقاية.

الاطمئنان على الحيوانات بشكل دوري يعد أحد أهم المهام الذي يقوم بها قسم الوقاية، حسبما أوضح عبد النبي"، قائلًا إن الحديقة مقسمة إلى عدة أجزاء لكل جزء طبيب خاص به مسئول عن الحيوانات الموجودة في محيطه، فيقوم بشكل يومي بأخذ عينات من بعض الحيوانات للتأكد من سلامتها، وللاكتشاف المبكر للأوبئة التي قد تنتشر في ليلة وضحاها بين الحيوانات.

يعاون الحراس القائمين على رعاية الحيوانات الطبيب البيطري، الذي يعطيهم دروسًا في التعامل مع الحيوانات في كافة أحوالها والاهتمام بها ورعايتها، وكيفية التعامل معها في الحالات الطارئة، مكونًا فريقًا طبيًا لمساعدته في عمله، علق رئيس قسم الوقاية، إن هذا العمل جعل الحراس على مستوى كبير من الوعي في التعامل مع الحيوانات؛ الأمر الذي جعلهم يقدرون على التعامل مع الأزمات، وتنبيه الطبيب إلى ما قد يغفل عنه بحكم اتساع رقعة الحيوانات المسئول عنها.

الصيدلية: مؤهلين لأي طوارئ

غرفة مختفية الجدران، تتكون من عدد كبير من الأرفف الخشبية الموضوع عليها كميات هائلة من الأمصال والعقاقير الطبية الخاصة بالطب البيطري، يجلس في وسطها أحد العمال الذي يقوم بجلب العقاقير اللازمة إلى الطبيب المختص، تستخدم الحديقة كميات كبيرة من الأمصال سنويًا، كما أنها في بعض الأحيان تستخدم عقاقير طبية تُجلب على حسب الحالات.

تحوي الصيدلية بين طياتها عددًا من العقاقير، من بينها اللقاح الجامع للأغنام والماعز، طاعون المجترات الصغيرة "لقاح فيروسي" للطاعون الذي يصيب الثدييات تتبع طائفة الثدييات من شعبة الحبليات، الديستمبر القططية، والديستمبر الكلابي، لقاح السعار، لقاح السل الآدمي الخاص بالقرود والنسانيس، التسمم الدموي الأرنبي الزيتي، الخاص بالأرانب، بالإضافة غلى المكملات الغذائية، وهي الفيتماينات التي تحتاجها الحيوانات كبيديل عن العناصر الغذائية التي تفقدها الوجبات المثلجة التي تتناولها بعض الحيوانات.


وعادت مها صابر، مدير إدارة حديقة الحيوان، للحديث قائلة إنها في كل عام تقدم خطة سنوية لاحتياجات الحديقة الطبيعية، وما يطرأ عليها تقدم به ورقة رسمية تطلب فيها المصل، كما هو الحال مع الضباع التي لا يوجد لها موسمًا للتزواج، فبإمكانها أن تولد في أي وقت من العام، في حال ورود مولدًا جديدًا، فإن الأطباء البيطريين تتجهز إلى حقن المولد بأحد الأمصال، في أسبوعه السادس، حتى لا يخرج مسعورًا.

الحصول على الأدوية العلاجية والأمصال أمرًا سهلًا، إذ أنها مطروحة في الأسواق المصرية، أومن خلال "بروتوكول" التعاون المشترك بين حديقة الحيوان والشركة القابضة "المصل واللقاح"، إذ أن العمل بينهم يقوم على سبيلين، الأول تبادل الخدمات فيما بينهم دون مقابل مالي، فيوفر "المصل واللقاح" الأمصال والأدوية الطبية التي تحتاجها الحديقة، في المقابل يكون لهم أن يأخذون بعض الحيوانات التي تُربى للخضوع إلى التجارب العلمية، أما السبيل الثاني وهو التبادل بمقابل مالي، على حد وصف "صابر".

تكمن الأزمة في العقاقير والأمصال الطبية، التي يحتاجها القسم، في المخدر، والذي لا يكون مطروحًا في الأسواق مثل باقي الأمصال، إنما ستورد من الخارج، أوضحت "صابر" أن عملية استيراد المخدر البيطري تتم من خلال الهيئة العامة للخدمات الوطنية، معقبة: "الصعوبة ليست في المادة أكثر منها في الأموال "

المعمل: تشريح الحيوانات النافقة أبرز مهامنا

غرف صغيرة زجاجية، أحواض، عينات، عدد من الأجهزة الطبية منها، جهاز تقطير ثنائى، فرن تعقيم، جهاز طرد مركزي، أحدث جهاز تحليل كيمياء الدم، جهاز عد خلايا الدم أوتوماتيكيا، حضانة للفحص البكتيري، بالإضافة إلى بعض ميكروسكوبات، هكذا كان مبني المعمل المكون من طابقين داخل قسم تغذية الحيوانات.


قالت الطبية المعملية مسئولة معمل حديقة الحيوان، إن المعمل يقدم خدمة الفحص الطبي للعينات التي تجلب يوميًا من حيوانات الحديقة، والتي يتراوح أعدادها مابين 1600 إلى 1700 من العينات، التي تساعد في عملية الكشف على الأمراض الغير منتشرة التي تصيب بعض الحيوانات.

يتنوع دور المعمل مابين الكشف، والمتابعة إذ يتابع المعمل الحالات المرضية التي تؤخذ منها عينات فورًا، كما أن المعمل يحتوي بين طياته على مشرحة فحص الحيوانات النافقة لتحديد سبب الوفاة، من خلال تشريح الجثمان وفحصه بدقة، بالإضافة إلي وحدة السموم والمسئول عن تحضير الأغذية والكشف عليها، قبل إطعامها للحيوانات.