رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسطفانوس الأول.. أول كاردينال قبطى


الكاردينال إسطفانوس الأول بطريرك الإسكندرية «١٩٥٨-١٩٨٤» وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك والنوبة والحبشة. وُلد باسم «استيفى» فى ٢٢ فبراير ١٩٠٤ من عائلة مصرية عريقة، فوالده هو الدكتور «سيزوستريس سيداروس باشا» نجل «إسطفان جرجس حنا سيداروس كامل تويج» ابن ابنة طوبيا بك ابن المعلم غالى «١٧٧٥- ١٨٢٢» الشهير وكان وزيرًا فى عهد محمد على الكبير، ووالدته هى «كلوتيد» بنت باغوص باشا «ابن نوبار باشا أول رئيس وزراء لمصر وهو من أصل أرمنى». كان والده الدكتور سيزوستريس سيداروس باشا وزيرًا مفوضًا فى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على كثير من المناصب العالمية.
كان «ستيفى» هو الأبن الأكبر بين أبناء أسرته، قد أتم علومه الابتدائية والثانوية بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين «الجيزويت» بالقاهرة ثم سافر إلى باريس لدراسة الحقوق والعلوم السياسية وعاد إلى القاهرة سنة ١٩٢٦ وقد قيد اسمه محاميًا أمام المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية. ذهب للرهبنة منضمًا إلى رهبانية القديس منصور للآباء اللعازرين «نسبة إلى القديس لعازر حبيب السيد المسيح» وسافر إلى باريس، حيث بدأ حياته الإكليريكية يوم ١٩ مارس ١٩٣٣ زاهدًا بصدق الدنيا والعالم ومباهجه متجردًا كليًا لينذر الفقر والعفة والطاعة. أتم مدة الاختبار فى دير الابتداء ودراسة الفلسفة وتلقى العلوم اللاهوتية بمدينة «داكس» بفرنسا. سيم كاهنًا يوم ٢ يوليو ١٩٣٩ ثم عُين مدرسًا بالكلية الإكليريكية فى مدينة «إفرو» بفرنسا، قام بتدريس علم اللاهوت بنفس المدينة ثم مدرسًا للاهوت الأدبى وعلم الاجتماع بمدينة «بوتييه» فى الفترة «١٩٤٢– ١٩٤٦». ثم فى أكتوبر ١٩٤٦ استُدعى من الرهبنة اللعازرية ليتولى رئاسة المعهد الإكليريكى بطهطا وكان شعاره «الخدمة والمحبة للجميع»، حيث أظهر مهارة سامية وخبرة إدارية ملحوظة.
تم ترشيحه من قبل المجمع المقدس وتعيينه معاونًا لـ«الأنبا مرقس الثانى خزام» وسيم أسقفًا فى ٢٥ يناير ١٩٤٨ فى كاتدرائية القيامة بالإسكندرية، وباشر رئاسة المعهد الإكليريكى بطنطا، ثم طهطا حتى نُقل إلى مقره النهائى بالمعادى سنة ١٩٥٣. وعلى إثر وفاة الأنبا مرقس الثانى خزام انتخبه الـ«سنودس الكاثوليكى» بطريركا فى ٢ فبراير ١٩٥٨ وسيم بطريركا فى ٢٩ يونيو ١٩٥٨ فى عهد البابا بيوس الثانى عشر بابا روما، متخذًا شعار «الطيبة والتدبير والمعرفة»، وظل يشغل هذا المنصب مدة ٢٨ عامًا.
شارك فى أعمال المجمع المسكونى الثانى ويضعه التاريخ فى مقدمة الذين صنعوا المجمع، وقد أصدر رسالتين لنشر وشرح تعاليم المجمع بمناسبة الصوم الأربعينى المقدس سنتى ١٩٦٢ و١٩٦٦، وفى عهده تمت ترجمة وثائق المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى إلى اللغة العربية.
فى ٢٢ فبراير ١٩٦٥ بمناسبة يوبيله الفضى الكهنوتى منحه البابا بولس السادس رتبة كاردينال للكنيسة الجامعة، ويُعد بذلك أول من حمل هذا اللقب فى الكنيسة القبطية الكاثوليكية. فى ٢٠ فبراير ١٩٨٤ تقدم الأنبا إسطفانوس الأول باستقالته إلى الكرسى الرسولى بروما نظرًا لاعتلال صحته. انتقل إلى الراحة الأبدية فى ٢٣ أغسطس ١٩٨٧، حيث فجعت الكنيسة الكاثوليكية عامة والقبطية خاصة بفقدانه كعلم من أعلامها ومنارة من مناراتها. رقد عن عمر ٨٣ عامًا وقد كان القدوة والمثل الصالح والموعظة الحسنة لطائفته القبطية الكاثوليكية، ليس هذا فحسب، بل لجميع الطوائف المسيحية، وأيضًا لجميع المصريين بمختلف معتقداتهم، إذ كان حكيمًا جدًا فى جميع تصرفاته، مثقفًا بصدق، متواضعًا بالحقيقة.
من بين أعماله العديدة: أسس صندوق ادخار الكهنة لكى يؤمّن للكهنة معيشة كريمة بعد بلوغهم سن المعاش والتقاعد، كوّن لجنة طقسية هدفها إعادة طبع الكتب الطقسية، أنشأ مطرانيتين جديدتين: الأولى استقطعها من إيبارشية سوهاج وهى إيبارشية الأقصر والثانية استقطعها من إيبارشية القاهرة وهى إيبارشية الإسماعيلية ومدن القناة، شيد كنيسة مار جرجس بعزبة القصيرين وكنيسة السيدة العذراء بعين شمس ورمم كنيسة القديس يوسف بالزقازيق، كما تم هدم وإعادة بناء كنيسة العائلة المقدسة بدرب الجنينة وهدم وإعادة بناء كنيسة القيامة بالإسكندرية، كما تم أيضًا فى عهده شراء أرض بمدينة نصر خصص نصفها لبناء الكاتدرائية، ونصفها الآخر لإقامة مدرسة سان جورج، أقام على سبيل المثال لا الحصر المعهد الإكليريكى بأبى الدرداء، ومدرسة سان ميشيل بالإسكندرية، فى عهده تمت رسامة ١٥٠ كاهنًا، منهم ٤٩ رسمهم بيده، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الأب يوحنا قلته «الأنبا» فى «١٩٦٠»، الأب موريس ينى فى «١٩٦٣»، الأب أنطونيوس إسكاروس فى «١٩٦٦»، الأب بولس إسكندر فى «١٩٦٨»، الأب باسيلى فانوس فى «١٩٦٧»، الأب فاضل سيداروس اليسوعى فى «١٩٧٤»، الأب بولس زكرى فى «١٩٧٥»، الأب ألفونس جبرائيل فى «١٩٧٦»، الأب أنطون فرنسيس فى «١٩٧٧»، الأب فرنسيس نوير فى «١٩٧٧»، الأب موريس بسادة فى «١٩٧٩»، الأب إبراهيم إسحق «الأنبا» فى «١٩٨٠»، وغيرهم، كان حريصًا على زيارة أبنائه فى المهجر «بأمريكا وكندا»، حيث توجه لزيارتهم مرتين سنتى ١٩٦٦ و١٩٧١. كانت له صداقة رائعة مع البابا كيرلس السادس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وكان يحرص على زيارته بالمقر البابوى البسيط بالإسكندرية ويجلس معه فى جلسات مودة ومحبة فائقة دون التعرض لأى مناقشات بين الطوائف المسيحية، وأيضًا علاقة مودة ومحبة مع البابا شنودة الثالث، وفى ٧ يناير ١٩٨٤– فى الاحتفال بعيد الميلاد المجيد طبقًا للتقويم الشرقى- رأيته بنفسى بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون ومعه وفد من الآباء الأساقفة والكهنة الكاثوليك مستقلين أتوبيسًا- لتحية البابا شنودة الثالث فى فترة التحفظ عليه بدير الأنبا بيشوى بعد قرارات الرئيس السادات فى ٥ سبتمبر ١٩٨١. تحية لهذا الكاردينال الجليل الذى عاش راهبًا حقيقيًا.
قال عنه الأنبا يوحنا قلته: «فى عالم ضج بالضوضاء والزيف فى عصر غلبت عليه أمور السطحية فى زمن الترف والسعى وراء الرفاهية عاش الكاردينال إسطفانوس الأول فى عمق وفى صمت فى جوهر الحياة الروحية الرهبانية وفى فقر اختيارى، حبس نفسه ابن الباشا فى صومعة الزهد والتبتل والصلاة فكان رمزًا لحياة الإنجيل الحية المتجددة». وقال عنه الأب ألفونس عبدالله: «كان صاحب مبادئ يقدس المواعيد بسيطًا فى حياته، وفى جميع المواقع التى عمل فيها لم يتغير أسلوب حياته، ولم يخفف أبدًا حياة الزهد والتقشف، كان قدوة لكل من تعامل معه رجل بسيط وبطريرك زاهد». وقال عنه الأب باسيلى فانوس: «كان الأنبا إسطفانوس الأول ينعم بنفس هادئة قريبة من الله وفكر مستنير وشجاعة مثالية رجل الله ورسول المسيح خادمًا للجميع، وسيسجل التاريخ اسم إسطفانوس الأول كوجه من ألمع كبار رجالات الكنيسة فى الشرق». وقال عنه الأب جبرائيل غطاس: «مهما تمر السنون فإن ذكراه العطرة ستظل حية فى النفوس وصورة شخصيته الفذة والنادرة ستظل محفورة بأحرف من نور فى أعماق القلوب، أحب الجميع هذا الأب التقى والوديع ورأوا فيه رجل الله الجدير بالثقة والاحترام». يذكره المصريون بكل الخير والحُب إذ كان محبًا بالحقيقة للجميع.