رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكتوبر يعود بمذاق انتصار جديد



ها هو شهر أكتوبر يعود إلينا بعد ٤٦ عامًا ليذكرنا بيوم العبور العظيم من النكسة إلى النصر المبين.. ها هو ذات الإحساس بالفرحة الكاسحة حينما تم عبور خط بارليف المنيع الذى كانوا يقولون عنه إنه «من المستحيل عبوره».
ها هو يوم حرب السادس من أكتوبر يوقظ فى داخلنا، كمصريين وكأمة، مشاعر الفخر والكرامة والعزة، ويعطينا الدليل الحى على بسالة وشجاعة وقدرة رجال الجيش المصرى من أصغر جندى إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إن شهر أكتوبر هذا العام قد أطل علينا بمذاق انتصار جديد، وهو الانتصار المبين على قوى الشر الدولية والداخلية فى محاولاتهم المستميتة للتشكيك فى الجيش المصرى، وإضعاف العروة الوثقى التى بين الشعب المصرى ورجال الجيش المصرى والقائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى.
إنه انتصار جديد للمصريين، جيشًا وشعبًا، فى مواجهة قوى دولية وخونة من الداخل والخارج، تحالفوا علينا باستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا فى الاتصالات والتواصل الاجتماعى والإعلام وكل أدوات التضليل الحديثة والشائعات المغرضة، أطل علينا السادس من أكتوبر هذا العام ليجدد فينا هذا الإحساس العظيم بأننا قادرون على هزيمة الأعداء، مهما بلغت قوتهم، ومهما بلغ بطشهم ومهما بلغت خططهم من أساليب حديثة أو مستحدثة.
حينما أعود بالذاكرة إلى سنوات الصبا، أتذكر أيامًا كانت صعبة وغامضة وضبابية، كنت ما زلت صغيرة، لكن نشأتى كانت وسط أم وطنية تعشق وطنها، هى السيدة «رجاء حجاج» التى ربتنى على حب الوطن منذ نعومة أظافرى، وعلى الاعتزاز ببلدى وبمصريتى، مع الانفتاح فى نفس الوقت على الثقافات الأخرى، والقراءة والاطلاع على أهم الأحداث والأخبار العالمية.
كما أننى نشأت على احترام «خالى» أيضًا، فهو أحد كبار الضباط بجيشنا الباسل، سلاح المدفعية، اللواء محمد فريد حجاج، الذى شارك فى كل حروب مصر: اليمن ويونيو ١٩٦٧ وأكتوبر ١٩٧٣، حيث كان مقاتلًا فى الجيش الثانى فى سلاح المدفعية أثناء العبور العظيم الذى كان معجزة بكل المقاييس، كما روى لى ذلك بفخر بعد عودته سالمًا من الحرب يحمل أكاليل النصر الذى كنا نزهو به ونفتخر.
كان خالى دائمًا ما يروى لنا أن جيشنا العظيم يخوض حرب الاستنزاف ببسالة وجسارة، وأن المقاتل المصرى على درجة عالية من الكفاءة وحب الوطن، كما كان يطلب منا ألا نقلق على مصر ما دام الجيش المصرى موجودًا.. وعلى الرغم من أننا كنا مع أمى دائمى القلق عليه من أهوال الحرب، فإنه كان دائمًا يطمئننا بأن الأمور ستتحسن، حيث كانت نكسة يونيو ٦٧ قد ألقت بظلالها الكئيبة على كل وجوه الحياة فى مصر لمدة ٦ سنوات.
وأتذكر أيضًا أن والدتى كانت قد تطوعت فى الهلال الأحمر المصرى، وكانت ترافق السيدة جيهان السادات فى جولاتها بالمستشفيات لرفع الروح المعنوية للضباط الجرحى أثناء حرب الاستنزاف، وما زالت بينهما صداقة ومودة حتى يومنا هذا، كما رافقتها بعد ذلك لزيارة الضباط الجرحى فى المستشفيات أثناء حرب أكتوبر المجيدة.
ورغم حالة الحزن والغضب التى كانت تخيم على شعبنا العظيم بعد نكسة يونيو ٦٧، فإن نساءنا تبرعن بمصوغاتهن من أجل المجهود الحربى، وكانت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم تقيم الحفلات فى مصر وفى الدول العربية لجمع المال من أجل إعادة بناء الجيش المصرى.. كانت العروة الوثقى بين الشعب والجيش كأقوى ما تكون أملًا فى الخلاص من النكسة.
ثم كان قرار العبور الشجاع من الرئيس البطل الراحل محمد أنور السادات، الذى لا بد أن نتذكره بالخير، لأنه اتخذ هذا القرار المصيرى الذى فاجأ العدو الإسرائيلى وأربكه وأوقع به خسائر جسيمة وعبر إلى سيناء الغالية فى ٦ ساعات، وتحقق لنا النصر العظيم على الجيش الإسرائيلى الذى كان يدعى أنه لا ينهزم، فتحقق بذلك المستحيل أثناء شهر رمضان المبارك، وبدأت إذاعة أول البيانات العسكرية الصحيحة فى تمام الساعة ٢.١٥ ظهرًا ببدء الاشتباكات بيننا وبين العدو، بينما كنا نجلس جميعًا حول أجهزة الراديو انتظارًا لبث البيانات حتى أُذيع نبأ العبور واقتحام خط بارليف الذى استقبلناه بالتهليل والتكبير والفرحة.
ثم توالت أنباء تفاصيل العبور الباسل الذى تحقق ببطولات وعبقرية رجال الجيش المصرى الباسل والقائد الأعلى الشجاع وبتضحيات أبطال استشهد منهم الكثيرون أثناء عملية العبور التى تم تنفيذها وإتمامها بسواعد وخطط مصرية صميمة.. إنها لحظات لن أنساها حيث كنا نترقب الأخبار لحظة بلحظة، والتى اختلط فيها الإحساس بالفخر والفرح والقلق والخَوف والزهو بهؤلاء الرجال البواسل على الجبهة المصرية الذين يخوضون حربًا صعبة وشائكة، لكنهم انتصروا وعبروا إلى سيناء لاسترداد الأرض الغالية ثم استكمل السادات خطوات استرداد الأرض بالمفاوضات حتى تم رفع العلم المصرى على طابا خفاقًا وعاليًا.
وما زلنا فى أيام فرح بانتصارات أكتوبر التى رافقها تيار من الأغانى الوطنية التى ما زلنا نحبها ونحفظ كلماتها ونرددها فتبعث فينا روح أكتوبر المعجزة والانتصار.. وإذا كان يوم ٦ أكتوبر قد عاد إلينا مُحملًا بذكريات عزيزة وبأحاسيس جياشة ومفرحة، فإن أكتوبر هذا العام قد جاءنا بمذاق جديد وإحساس مضاعف بالانتصار، حيث انتصر الشعب والجيش معًا على محاولات الأعداء والخونة شق الصف الوطنى وإضعاف الدولة المصرية، إلا أن الشعب والجيش يؤكدان مرة أخرى أنهما يد واحدة وعلى قلب رجل واحد حين يلوح الخطر.. إن انتصارات الشعب والجيش لن تتوقف لأنهما كيان واحد لحماية مصر من أعداء الاستقرار والسلام والحياة.
كل عام ومصر فى انتصار وتقدم واستقرار إن شاء الله.. ومنصورة يا مصر دائمًا على أن نظل على العهد معًا يدًا واحدة متحدة وقوية جيشًا باسلًا وشعبًا مخلصًا.. أما الذى لا يعرفه أعداء الوطن فهو أن مصر روحها فى جنود وضباط جيشها الذين هم خير أجناد الأرض.