رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"من قلب النجع".. لماذا انتشر "العديد" بالصعيد وماهى طقوسه؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

العديد، نوع من أنواع الرثاء، وهو "شعر عامي بلهجة الصعيد الجوانى " مجهول النسب والهوية، فلا أحد يعرف موطنه ،ولا توقيته ولا شعراءه. لذا ترعرع فى تربة " الصعيد الجوانى". التى يجتر أهلها الحزن اجترارا، فما من بيت فى صعيد مصر الجوانى إلا ودخله العديد، بعد خروج ملك الموت بسويعات. ذلك لان اهل الصعيد بطبيعتهم يميلون إلى تقديس الحزن. وتهميش الفرح بعكس أهل الشمال.
والعديد إبداع فى نظمه ولحنه وغنائه، وإن اختلفنا معه، ذلك لأنه يُلهب المشاعر ويقلّب المواجع، ويضاعف الأحزان. والهدف من حفظه وتدوينه، ليس احيائه بل رصده فقط.
كما أن العديد "رثاء نسائي" لا يعرف الرجال عنه شيئًا، تنظمه النسوة، فى بيت الميت وقت العزاء، وله طقوس خاصه به.

فهو العنصر الرئيس فى مكونات الجنازة، حيث تردده "المُعزِّيات وأهل المتوفى " بنغمة واحدة دون نشاذ، ويختلف باختلاف الميت. ونوع موتته وعمره ومكانته وصفاته، فما يصلح للرجل لا يصلح للمرأة، وما يصلح للكبير لا يصلح للصغير، وما يصلح للقوى لا يصلح للضعيف.
وللعديد طقوس معينة وقت إلقائه، حيث يجلس النسوة فى شكل دائرى، يفترشن حصير على الأرض، فى صحن الدار بالطابق الأرضى، حتى ولو كان منزل المتوفى من عدة طوابق.

أما "القادمات" لواجب العزاء فيدخلن بشكل منظم، تقودهن أكبرهن سنًا ومقامًا، شريطة أن "تصرخ" أمام عتبة دار المتوفى، وإن كانت عجوز ولا تقدر، تنوب عنها الأصغر منها عمرًا، رافعة منديلًا من القماش لأعلى، فيتبعها من خلفها فيما فعلت. مما يستوجب رد التحية من أهل الميت، أو المعزّيات الجالسات، وهذا نظام مُتَّبع لا يمكن الإخلال به.

وكنوع من التحية تلقى احدى المعزيات "عديدا" تردده خلفها الجالسات جميعًا، وينتقل من "مِعَدِّدَةٍ قائدة" إلى "أخرى"؛ لأنه ليس كما يعتقد البعض أن "العديد" مهنة لها سيدات يؤجَّرن فى الجنازات، وأن "المعددة" امرأة شعثاء غبراء، تسكن كوخٍ على طرف القرية، يستدعيها أهل الميت حين يدق الموت أبوابهم، ولكنها امرأة عادية، فأغلب نساء القرية ممن تجاوزن الخمسين تقريبًا يحفظن شيئا من العديد.

وما سبق ذكره بشأن المعددات القائدات، لا ينفى تمُيز البعض القليل من النسوة بحفظ الكثير من العديد. ما يجعل النسوة يقولون عنها "فلانة تعرف «تِجَصِّد» أي تُلقي قصائد" أو عديد"، لذا يسعد أهل الميت بقدومها ضمن المعزيات، ويصفنها بأنها "تُشَهِّل"- الجنازة، وأقرب المعانى البسيطة لكلمة "تُشَهِّل"، هى "تُشَطْشِطْ أو تُسَخِّن".

وفى الغالب، لا تخلُ عائلة بالصعيد الجوانى من معددة محترفة.

وبعد أن يفرغ النسوة من العديد، الذي لا يكون إلا فى الصباح، تعود المعزيات إلى بيوتهن، على أن ترجعن في صباح اليوم التالي، إلّا قريبات المتوفى فيرجعن فى مساء اليوم ذاته دون عديد، يحملن «صواني» عليها "عدس وفول وبيض وفجل أو جرجير" بالاضافة ‘إلى "برّاد شاي"وذلك بالتناوب وباتفاق مسبق من الصباح، منعًا للتزاحم.

ولايمكن أن تدخل صينيه عليها "لحوم " فى عزاء السيدات ،رغم أن ذلك مسموح به فى عزاء الرجال. فالنساء يعتقدن أن دخول اللحوم فى عزاء السيدات "دليل فرح"
ويُشترط أن تكون أرغفة الخبز والبيض بـ"عدد فردي"؛ اعتقادا بأن العدد الزوجىي "فأل سوء" و"إشارة إلى موت شخص أخ من نفس بيت المتوفى.

وتستمر الجنازة النسائية على هذا النحو لمدة أسبوع، ويسمى اليوم الأخير بـ"القطعية"، ينتهى فيه "العديد"، ولكن يبقى أهل الميت وأقاربهم محتفظين بالشكل الجنائزى، حتى اليوم الخامس عشر، ثم يكررن "العديد" ليوم واحد أيضًا وهو "يوم الأربعين".