رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن فتحي: علاقتنا بالعمارة تشبه علاقة الحلزون بالقوقعة

جريدة الدستور

بمناسبة اليوم العالمي الموافق 7 أكتوبر للعمارة لا يمكننا المرور على كواليس هذا اليوم وأعلام العمارة في العالم، دون الوقوف طويلا أمام تجربة المعماري المصري حسن فتحي، والذي شاع وصفه بلقب "شيخ المعماريين" ونظريته "عمارة الفقراء" التي اعتمد فيها على خلاصة دراساته في العمارة والمناخ والسيكولوجيا.

في فيلم وثائقي نادر مع المعماري المصري حسن فتحي ضمن سلسلة وثائقيات "دفتر الأيام" التي أنتجها التلفويون الأردني، تحدث حسن فتحى عن فلسفته في العمارة، وضرورة الإصرار على اعتمادها في الوعي الجمعي، كنوع أصيل من الثقافة، مثلها مثل اللغة والزي والفنون الشعبية، مع ضرورة ربطها بشكل طردي بالمناخ وسيكولوجية الشعوب.

يقول حسن فتحي الذي سكن في بيت مملوكي بحارة درب اللبانة بالقلعة؛ -وهو البيت الذي تحول بعد رحيله إلى بيت المعمار المصري- أنه رفض العيش في بنايات الأسمنت والخرسانة الحديثة، وفضل العيش في منزله المملوكي الذي يعود تاريخه لأكثر من 500 عام، لأن المنزل بُني على طراز متوافق مع فلسفته الاجتماعية والمعمارية، كما أن أجواء التراث والتاريخ تضفي على المعمار أصالة وطابع يفتقده في البنايات الحديثة.

يتذكر فتحي بداياته ولعه بالمعمار الريفي، فوالدته ملئت قلبه بمحبة الريف، بل ورسمت له صورة عن الريف تقارب صورة الجنة، ورغم أن هذه الصورة قد لا تكون مثالية إلى هذا الحد، إلا أن حسن فتحي أصر على خلق صورة مثالية للريف وسعى إلى زحزحتها من مخيلته إلى الواقع المعماري، فالمكان بطبيعة الحال يحمل أيضا شخصية الزمن التاريخي مثلما يحملها الإنسان وأكثر لأن الإنسان يزول في الغالب بتجاربه ويبقى المكان الشاهد شبه الأمين على الزمن والأحداث.

تخرج حسن فتحي من قسم العمارة في مدرسة المهندس خانة عام 1929 وكان يعبر دائما عن ضجره مما وصفه بـ"فوضى العمارة" من حوله فكان يحلم أن يبني بيتًا مصريًا أصليًا يعبر في نفس الوقت الشخصية المصرية وبتدأ تتبلور لديه فكرة "عمارة للفقراء".

يقول حسن فتحي "العمارة من أهم أركان الثقافة، البيت مثله مثل القوقعة، فالكائن الحي الرخو"الحلزون" عندما يفرز كربونات الكالسيوم تتشكل القوقعة، لكن القوقعة أيضا بعد تشكلها تعيد تشكيل الكائن الحى الرخو الذي شكلها منذ البداية، وهو ما أرغب في التأكيد عليه في علاقة الإنسان بالعمارة وهى علاقة طردية متبادلة".

"العمارة تؤثر في وعي الأطفال من عمر 6 سنوات لذا فهي جزء عضوي حي وقوة طبيعية لابد أن تحوز على عناية كبيرة ونعتبر كل طوبة في البناء مثلها مثل الخلية في جسم الإنسان وفي جسم المدينة الحى الذي نبنيه، وليست مدن ميتة كمدن الأسمنت والخرسانة الفاقدة للحياة والتفاعل".

يصر حسن فتحي على ربط العمارة بالبيئة والتقاليد وشخصية المجتمع فهو يعتبر "العمارة مثلها مثل اللغة والزي والفن الشعبي، وكل خطوة يخطوها المرء في بيته لها معنى وأبعاد وجماليات" لذا فهو يردد مرار جملة أحد المعماريين الفرنسيين "منزل أبي الذي كل خطوة فيه لها معنى".

كان حسن فتحى ينظر بسخط إلى المعمار الحديث ويسخر ممن يعتبرونه رمز للحداثة التي استبدلها بوصف "معمار التخلف "، ففي المناخ الحار الذي يتميز به العالم العربي كان يعتبر حسن فتحي استخدام الزجاج كواجهات للبنايات "تخلف واضح" لأن الزجاج على الواجهات يجلب حرارة داخل المبنى تحتاج إلى اتنين طن تبريد.

يبسط حسن فتحي المسألة بوصف العمارة وسيلة موضوعية لخدمة الإنسان وتعزيز استمراره وتأقلمه مع البيئة والمناخ، مع جلب راحة نفسية محمودة " إذا كانت العمارة لشيء آخر غير راحة الإنسان فهي بذلك أبعد ما تكون عن وصفها كثقافة".

كان حسن فتحي منحازا للمنازل التي لا يزيد ارتفاعها كحد أقصى على أربعة طبقات، مع ضرورة تصميم الشبابيك بطريقة الصبرة التي تسمح للهواء بدخول المنزل وتوزيعه من خلال الفتحات المتعددة، وغير ذلك كان منحازا للصحن الداخلي داخل المنزل باعتبار الصحن منظم لحرارة المنزل، كما أن الحوش الداخلي يحفظ للأسرة خصوصيتها وهو بمثابة بئر يتجمع فيه الهواء من السطح ويقوم بتوزيع الهواء على الغرف التي تحيط بالحوش، ليكتمل بذلك مناخ يسمح للساكنين بالتحاور بينهم وبين أنفسهم وبينهم وبين المادة المعمارية أو البيت الذي يعيشون فيه.