رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الحكيم قاسم

جريدة الدستور


الغرفة مخنوقة بأنفاس النائمين، الضوء مخنوق على الحيطان بتهاويل الظلال، والمصباح عين ناعسة على الحائط، وعمدان السرير النحاس الأربعة الشاهقة تجثم على حيطان الغرفة وسقفها، الأنفاس تتردد فى غير ما نظام، حيوان ضخم راقد تحت أكداس النعاس، حبات العرق على الجباه، الأجساد المتعرية من الزحام والحرارة العالم الغامض المهول بالظلال والعتامة.. رائحة إناء البول الحمضية تنسرب إلى دماغ عبدالعزيز فى نومه يهوش أحلامه، يد ضخمة ذات شعر تمتد لتخنقه، يستيقظ مرعوبًا يزيح يد والده السمينة المشعرة المنداة بالعرق عن وجهه ويدور بعينيه، حمدًا لله أنه حلم، أغمض عينيه مرة أخرى لكنه يقظ تمامًا، تململ الحاج كريم بجوار ابنه عبدالعزيز على السرير، استقام جالسًا، سوّى جلباب النوم على فخذيه العاريتين انحدر نازلًا من على السرير، على الأرض الأولاد متكومون على حصير، داس بين الأجساد بحذر حتى وصل إلى مشجب الملابس، خلع جلباب نومه وقف عاريًا تمامًا، ظهره تجاه عبدالعزيز فتح الولد عينيه، الأب العارى، ثنيات اللحم عند خاصرتيه، أغمض عبدالعزيز عينيه مرة أخرى، لبس الرجل ثيابه ثم خرج إلى المسجد.
عبدالعزيز يتقلب قلقًا.. أخواته يتقلبن على الحصير أغمض عينيه حتى لا يرى عريهن، دفن وجهه فى الوسادة والإحساس بالإثم يرعبه، سمع صوت الأم.
- اصحى يا بت أنت وهيا.. الفجر لاح.. ورانا خبيز.
قمن جالسات يسوين ملابسهن ويفركن النعاس من عيونهن ويغطين الصغار من العيال، نزل عبدالعزيز من على السرير ولبس الطاقية فى رأسه، زر طوق جلبابه وخرج إلى وسط الدار، ضوء اللمبة ذات الشعلة ثابت لا هواء يحركه وحوله هالة صغيرة من النور وفيما عدا ذلك الظلام والسكون ونجمات الصبح تتكدس فى مربع عار من سقيفة وسط الدار، جلس على المصطبة، أصوات غامضة تأتى من بعيد، الحمائم تتحرك فى البنانى قرب السقف، البهائم تجتر طعامها، الحمارة السمراء الكبيرة تتنهد فى ارتياح، الدار عليها سقف من الحطب وفروع الشجر به كثير من أعشاش العصافير، لعل صغارها تحلم، الذكور والإناث تتحاضن، تزقزق بهدوء، ثمة ثعابين أيضًا فى العريشة، الثعبان يبتلع العصفورة دون أن يمضغها يتسلل إليها ثم تجدها فى جوفه متكورة هكذا بوضوح فى جسده الطويل المسحوب.
من رواية «أيام الإنسان السبعة»، عبدالحكيم قاسم