رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مواقيت التعرى" لـ هدرا جرجس تكشف المستور

هدرا جرجس
هدرا جرجس

العنوان هو أول عتبات النص لأى عمل أدبى. لذا يدقق الكاتب فى عنوان كتابه رغبة منه فى الوصول إلى جذب أكبر عدد من القراء، وهنا يقع الخلاف بين كاتب يرغب فى أن يخبر عن عمله الأدبى وما يحتويه من خلال عنوان يتسق مع الموضوع، وكاتب آخر يضع عنوانا جذابا لكنه يدور فى فلك مختلف، وكاتب ثالث يبحث عن عنوان مختلف ظاهريا عن المتن لكن إذا أمعنت النظر فى دواخله ستجده متفقا ومتسقا مع النص. وهذا النوع الثالث هو المطابق لما انتهجة الكاتب هدرا جرجس فى روايته "مواقيت التعرى".

فقد يخيل إلى القارئ من الوهلة الأولى أنه بصدد رواية تتحدث عن الجسد ،ربما تكون بطلتها جميلة، تتعرى فى بعض المواسم لتظهرمفاتنها للرجال. ولكن بعد قراءة الصفحة الأولى ستعرف أن هدرا قد أخرج لك لسانه، ولا يكون ساعتها بمقدورك أن تترك الرواية ولو قليلا، وذلك يرجع إلى أمرين أما الأول فهو جمال السرد وسلاسة الخط الدرامى وأما الثانى هو صغر حجم الرواية التى تتكون من 138 صفحة.

يسرقك "هدرا" حتى تصل إلى نصف الرواية فتقف مشدوها وتسأل نفسك مالذى يريد المؤلف قوله ؟
تتحدث الرواية عن سناء تلك المرأة التى قاربت الأربعين ولم تتزوج، تنقسم حياتها بين أم عجوز تحتاج إلى رعاية دائمة، ومدرسة فكرية لأطفال مصابين بتأخر عقلى هى مديرتها. يغوص بنا الكاتب فى عوالم طفلين بالمدرسة كلاهما صاب بالبله المنغولى "نور " التى يتعامل معها والدها بقسوة ظنا منه أنها سبب تعاسته ،وكأنها خلقت نفسها على هذه الشاكلة، وصديقها هادى الذى فقد والده ووالدته فى يوم واحد وأخذه خاله الذى لا ينجب.

الكل يترقب حب هادى ونور، حتى سناء تلصصت عليهما وهما يلعبان. ظنا منها انهما قد فقدا براءتهما داخل فصل المهملات، لكنها تكتشف أنها تعرت أمام نفسها لأنها ظنت بهما ظن السوء.
يطوف بنا المؤلف داخل ذوات الشخوص وكأنه يبحث فى أغوار النفس البشرية موضحا أننا أكثر هشاشة وضعفا، وأننا نتعرى أمام أنفسنا مرات ومرات، ونتظاهر بالحكمة والقوة ورباطة الجأش وكأننا أناس آخرين.

لقد استطاع "هدرا" أن يعرى النفس البشرية المكبلة بالغرائز من خلال طفلين من ذوى الاحتياجات الخاصة مازالا قيد البراءة، لم تنكشف عوراتهما النفسية مثل الكبار الذين يملكون عقولا ناضجة، ولا يعرفون أنهم يمارسون التعرى بشكل موسمى أو يومى.