رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ادفع.. اسحب.. ثنائية البندول والترس



كل صباح عليها أن تدفع أو تسحب ثمانية أبواب كى تصل إلى هدفها
كل مساء عليها أن تدفع أو تسحب ثمانية أبواب كى تعود من حيث أتت
الأبواب الثمانية ثقيلة تحتاج لجهد كى تنزاح من مكانها، مفسحة ممرًا لعبور جسدها النحيل.. لاحظت منذ اليوم الأول أنها تستجيب لكلمة «push» بعفوية ويسر أكثر من الأمر «pull»، وأن الدفع لا يحتاج منها سوى استخدام أى جزء من جسدها، كتفها، ركبتها، فقط تدفع بكل كتلتها، التى يزداد تأثيرها بثقل ما تحمل فى يديها من حقيبة اليد وحقيبة اللاب و«مج» القهوة الخضراء.
فى علم الرياضة يعرفون قوة الجذب بأنها القوة التى يؤثر بها جسم على جسم آخر دون أن يكون بينهما اتصال ظاهر، بينما يحتاج الأمر «pull»، الذى ترضخ له، إلى أن تجذب الباب من مقبضه، مما يستلزم أن تكون يدها اليمنى خالية كى تقبض بكفها على المقبض وتجذبه إليها، بينما تئن يدها الأخرى من وطأة الثقل المضاف إليها، كما يستدعى أن تتحرك بجسدها للخلف قليلًا كى تفسح مكانًا للباب المرتد ثم تعود وتتحرك للأمام وتعبر من الشقة المفتوحة فى الهواء.
فعل السحب أو الجذب اليومى أكثر من مرة لم يكن يمت بصلة للجاذبية المغناطيسية بين قطبين مختلفين، أو للجاذبية الكهربية بين شحنتين مختلفتين، أو الجاذبية الأرضية بين كتلة ما وكتلة الأرض، أو الجذب الصوفى، الذى يغيب فيه القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق.. وليس هو بالمد والجزر بين القمر والأرض، أو يمشى يسحب ذيله أى يمشى متبخترًا، وليس بالسحاب الذى ينسحب فى الهواء، وقد يتحول لغيمة تسحب ظلها على العطشى وتجبر خاطر المحرومين.
فعل السحب اليومى أكثر من مرة لم يكن هو ما تحتاجه، فهو يضيف عليها عبئًا جديدًا، خاصة أن المسافة بين الأبواب ليست طويلة، فكانت طوال الوقت متحفزة للدخول والخروج أو العكس دون استحباب لشىء.
لماذا يبدو لها الدفع أسهل من السحب، رغم أن العلم يقول إن العكس هو الصحيح؟ فوفقًا لقانون نيوتن الثالث، ينص على أنّ لكل فعل ردَّ فعل متساويًا له فى المقدار ومعاكسًا فى الاتجاه، وبما أن الأجسام المتصادمة تؤثر فى بعضها البعض بالمقدار نفسه من القوة، خلال الفترة الزمنية نفسها، ومن ثم فإن الدفع الناشئ عن هذه الأجسام يكون متساويًا بالمقدار، لكن مختلفًا فى الاتجاه.
أى أنه توجد قوة تعاكس قوة دفعها لكنها لا تشعر بها.. لا تدركها.. فأين تذهب هذه الطاقة؟!.. ربما يمتصها جسدها، جسدها المنهك من كل اتجاه، ربما هى تستسهل الدفع، لأن حركة الباب الظاهرة لها تكون فى الاتجاه للأمام، وكأنها بدفعها الباب تدفع أيامها كى تمضى مما يحفزها للمضى قدمًا ومواصلة السير، وكأنها تزيح كل المعوقات، كل التفاصيل، كل العكارات المتسربة فى قاع كل كوب نشرب منه حتى الثمالة، بينما سحب الباب هو تراجع لحركته للخلف يعوق تقدمها، ويضيف مزيدًا من الأعباء والمسئوليات عليها، كأنها حركة مجداف فى القارب الأبدى.
يرتبط السحب فى ذهنها بالانسحاب الأكثر مرارة فى تاريخ المصريين عام ٦٧، يرمى السحب على السحل، سحل المتظاهرين فى يناير ٢٠١١، الحياة اليومية الضاغطة على الفقراء، حتى إنها لا تتركهم سوى جثث وأمساخ بشر مسحولة على الطرقات.
يقل توترها كلما أدركت أنها يومًا ما ستعتاد الأمر ولن تتوقف كثيرًا للتفكير فى الأبواب الثمانية، التى عليها أن تدخل وتخرج منها، فالتروس المتحفزة قادرة على دفع وسحب كل الناس، وستظل هى معلقة فى بندول الرغبة والحاجة والوقت.