رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بناء الوعى.. المعركة الأكثر إلحاحًا



لماذا لا نجيد تسويق الحق، بينما يجيد غيرنا تسويق الباطل؟
هذا هو السؤال الذى يُلخص لُب المعركة الثالثة، التى علينا خوضها فى مصر. فبينما نحن نحارب الإرهاب، فى معركة ضارية لم تنتهِ بعد، ونخوض معركة بناء الدولة الحديثة، التى تليق بمكانة وقيمة مصر، ويستحقها شعبها، تأتى المعركة الأهم، وهى معركة بناء الوعى فى المجتمع المصرى كجدار صلب، تتكسر عنده كل سهام الأعداء، قبل أن تفت شائعاتهم فى عضد الدولة، والنيل من شعبها، وإضعاف مناعته، وتركه لقمة سائغة لكل من يريد أن يلتهمه، وقودًا لمعركة، لا يبغون منها سوى إسقاط الدولة التى حافظ عليها أبناؤها إلى الآن، وهم يريدون لها التفكك، وربما الزوال.
الذى لا شك فيه أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعى، وتراجع اللجوء إلى وسائل التثقيف التقليدية، خلقا نوعًا من السطحية الفكرية، والعجز عن القدرة على التحليل المنطقى للأقوال والمواقف لدى شريحة من المجتمع، جعل من العسير علينا التسويق والدعم المستمر والدائم والتفصيلى لمشروعات وإنجازات الدولة، وعرض التحسن، الذى حدث فى جميع القطاعات الخدمية التى تقدم للمواطن، وتذكيره الدائم بالحال، الذى كنا عليه، وما وصلنا إليه الآن فى كل المجالات، من بنية تحتية فى قطاعى الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى القضاء شبه الكامل على العشوائيات، وغيره الكثير.
صحيح أن الإعلام استطاع خلال الأيام الماضية استنفار الحس الوطنى لدى العامة من الناس، فى مواجهة أباطيل أهل الشر، إلا أن ذلك جاء كرد فعل عاطفى، عند منعطف تاريخى وجد الشعب نفسه أمام السؤال المهم: نكون أو لا نكون.. لكن يظل ذلك أثرًا مؤقتًا، ربما ضعُف، أو تلاشى مفعوله، إذا ما استمرت الأبواق الشريرة فى نفث سمومها لدى العامة من الناس، إن لم يكن هؤلاء الناس محصنين بالحقائق الدامغة، على أن مجتمعهم شهد تطورًا، وأن بلدهم يسير فى الطريق الصحيح، حتى ولو شاب ذلك بعض الشوائب، التى يمكن إزالتها من الطريق، لاستمرار المسيرة، أى بقناعات تخاطب العقل وتلتقى بل وتتحد مع عاطفة الانتماء والولاء. إن مصر، بشرفائها المخلصين الوطنيين فقط، تصلى من أجل شهدائها الأبرار من قواتنا المسلحة، وتصلى من أجل أن يحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء ومكر يحيط بها، لأن ثمة حقائق ترتبط بهذا الوطن العريق، أهمها وأولاها، أن شعبها طويل النفس، بنوا الأهرام وشيدوا المعابد وأقاموا أروع المساجد فى العالم وحفروا للسويس قناتين، وبنوا السد العالى وحاربوا الكيان الصهيونى، وانتصروا فى معركتى الحرب والسلام.. هذه هى مصر العتيدة، التى لا يعرفها المتربصون بها، وهذه مصر التى ستنتصر فى النهاية رغم حقد الحاقدين عليها، سيذهب الحقد والغل والكراهية جفاء، وستمكث مصر بأهلها المخلصين.. لكن أهلها هؤلاء يحتاجون بناءً للوعى، وتبصرة بالحقائق، وفهمًا لمجريات الأمور فى بلدهم، فكما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إن «المعركة لم تنته، وما زالت موجودة بمفردات مختلفة.. فمعركة الأمس غير معركة اليوم فى أدواتها.. والعدو والخصم كان واضحًا، وأصبح الآن غير واضح.. والوعى المنقوص والمزيف هو العدو الحقيقى»، وبالرغم من إيمان الرئيس بشعبه، وثقته فى قدرته على مواجهة الأباطيل وقوى الشر، إذا ما دعا الداعى، «لازم تعرفوا كلكم إن الشعب المصرى بقى واعى أوى، وعارف إزاى الصورة تترسم علشان يزيفوا الواقع ويخدعوا الناس ويضحكوا عليهم.. الكلام ده مش هينفع، واللى اتعمل قبل كده مش هيتعمل تانى»، وإصراره على أن ما حدث فى مصر، خلال السنوات الماضية، لن يحدث مرة أخرى «اللى حصل قبل كده مش هيحصل تانى، علشان ربنا وعلشانكم إنتو.. متقلقوش من حاجة.. مصر مكانها كبير أوى بشعبها، ومكانة مصر بشعبها.. إحنا جامدين أوى إن شاء الله.. والبلد جامدة أوى بيكو»، إلا أنه، وفور وصوله إلى القاهرة، عقب مشاركته بالدورة الـ٧٤ للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، عاتب المصريين على متابعتهم واستماعهم لقنوات وإعلام الإخوان «إنتو بتسمعوا كلامهم وبتصدقوه، وبتتعاملوا معاه على إنه حقيقة.. الموضوع مش كده خالص.. دى صورة بتترسم زى ما اتعمل قبل كده.. كل ما يثار فى إعلامهم عبارة عن كذب وافتراء وتشويه، واللجان الإلكترونية وشوية إعلام شغالين علشان يقدموا صورة مش حقيقية.. أنا قولتلكم قبل ما أسافر: يا مصريين خلوا بالكم، مش هيسيبوكوا تنجحوا، ولا هيسيبوكوا تتهنوا على حاجة.. هى حرب بينا وبينهم، الحرب بين مجموعة ضد الشعب كله.. يعنى بتصدقوهم إزاى؟.. والإعلام عليه واجب كبير، وعوا الناس أكتر وتصدوا للشائعات والكذب المُثار، ومتسيبوش الناس البساط، لأنهم طيبين أوى». أعجبتنى مشاركة على الفيسبوك، كتبها الخبير الاقتصادى محمد نجم، يقول فيها إنه على الرغم من أن أغلب المحتوى الاقتصادى، فى فيديوهات المدعو محمد على، كلام غير علمى، إلا أنه استطاع، بأسلوب بسيط وشعبى، أن يخدع الناس، فى ظل برنامج إصلاح اقتصادى عنيف، كان من أهم نتائجه ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبالتالى الناس غضبانة، ومن السهل جدًا توظيف غضبها فى سياق سياسى ضد النظام.. وبالرغم من أن الخداع واضح، إلا أن أناسًا كثيرين وقعوا فى الكمين.. لماذا؟.. لأن الفن والإعلام والإعلان، وكل ما يظهر على الشاشة، وعلى مدار عقود طويلة، بيشتغل على نشر الأفكار الشعبوية والشعارات هذه وسط الناس، مع خليط من المظلومية والطبقية، وأن الشعب هو الضحية، والحكومة هى الجلاد، وأى رجل غنى، هو فاسد حرامى، وأى فقير، هو شريف غلبان، والحكومة لازم توزع علينا «شكاير» فلوس وتاخد من الغنى تدّى الفقير.. إلخ.. فكانت كل هذه مقدمات للذى وصلنا إليه اليوم، تغذية شعور الاستحقاق، وهو الاعتقاد الخاطئ بأنك تستحق أن تنال كل حقوقك، المنطقية وغير المنطقية، وفى نفس الوقت لا تقوم بأداء أى واجبات، ولا تدفع أى ثمن.. «المظلومية»، وهى الاعتقاد الخاطئ بأنك مظلوم طوال الوقت، والحكومة سبب فشلك.. «الطبقية»، وهى الاعتقاد الخاطئ بأن وجود الأغنياء سبب كل مشاكلك فى الحياة. هذه القناعات الفاسدة، هى أساس كل الأزمات التى مررنا بها، فى حين أنك لا تستحق إلا ما يعبر عن ثمنك الحقيقى فى سوق العمل.. لا تستحق إلا ما سعيت من أجله ودفعت تكلفته، من عرقك وجهدك وصبرك وطموحك ومثابرتك، لا أكثر ولا أقل.. وبالتالى فإن هذه الجرعات المكثفة من الجهل، والشحنات العاطفية الغزيرة، فى جميع أعمالنا الفنية والدرامية والإعلانية، رسخت فى عقل بعض المصريين، أفكارًا خاطئة وأوهامًا غير حقيقية، عن الاستحقاق والمظلومية والطبقية، وبالتالى، أصبحوا ناقمين على النظام الاقتصادى طوال الوقت، وكان طبيعيًا أن يستجيبوا لفيديوهات «المقاول» وتفنيده لسياسات الدولة الاقتصادية، بالرغم من معرفتهم أنه لا يملك أى قدرة على تفنيد هذه الأمور المعقدة، الأكبر من قدراته العقلية بكثير، وقد اعترف بنفسه، بأن كل مؤهلاته العلمية هى «الدبلوم»، وهى بالتأكيد غير كافية.
ربما عمدنا إلى بيت القصيد، ولكنا لم نستكمل بعد أدوات بناء الوعى، ولهذا حديث آخر.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.