رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استراتيجية المواجهة


قد يكون ما حدث يوم الجمعة الماضى هو بداية لوضع استراتيجية جديدة لمواجهة كل محاولات أعداء الوطن على كل الأصعدة الشعبية والإعلامية وأيضًا الأمنية، وذلك من خلال توحد الشعب المصرى فى كل مواقعه للتصدى لمحاولات إحداث زعزعة وقلاقل فى البلاد، والتى كان ينبح للدعوى إليها بعض الخونة والمأجورين من أشخاص باعوا وطنهم بأبخس الأثمان وراحوا يروجون الفتن والشائعات، بل ويدعون البسطاء من المصريين إلى القيام بمظاهرات ليس من ورائها طائل سوى إشاعة الفوضى والتوتر فى الشارع المصرى.
الواقع أن هذه المواجهة قد تمت بصورة تلقائية، حيث اندفع أفراد الشعب فى موجات تأييد للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى ولاستقرار الوطن ورفضًا للفوضى..فى ذات الوقت كان الإعلام فى القنوات الفضائية المصرية ينتهج أسلوبًا جديدًا فى التعامل مع القنوات المعادية التى تبث سمومها فى عقول الشباب المصرى وتحرضه على التظاهر وأعمال الشغب، حيث تم استثمار بعض المعلومات الواردة له من الخارج توضح الهدف والأغراض الدنيئة لهذا التحريض، وهى إسقاط الدولة المصرية بعدما أصبحت هى القوة الوحيدة القائمة فى المنطقة العربية، والقادرة على التصدى لأى محاولات اعتداء على أمن وسلامة أراضيها، بل وإنها اقتربت من اجتثاث جذور الإرهاب المدعوم من دول عربية وإقليمية وأجهزة مخابرات دولية.. وهنا أيضًا نشير إلى نجاح أجهزة الأمن المصرية فى تأمين الميادين الرئيسية والتعامل بعقلانية مع الشباب المغيب الذى تأثر بتلك الدعوات الباطلة، والتى كانت تستهدف فئة معينة من هذا الشباب، مستغلة فى ذلك قلة الوعى السياسى والدينى عنده، وأيضًا ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
عندما كنا نتابع تلك الأحداث فى هذا اليوم لاحظنا أن هناك عدم تنسيق واضح بين جميع الأجهزة والفئات والبرامج الإعلامية التى كانت تغطى مظاهرات التأييد والدعم لثبات الدولة المصرية، بل لاحظنا أيضًا غياب دور رجال الدين، المسلمين والمسيحيين، عن المشهد، وعدم قيامهم بالواجب المفروض عليهم من احتواء لهؤلاء الشباب والتعامل معهم بالفكر والفهم والموعظة الحسنة.. وكانت معظم هذه المظاهرات نابعة من مشاعر وطنية للملايين من الشعب المصرى الذى أبدى تخوفه من العودة إلى غيابات الظلام والانقسام والإقصاء وممارسات العنف التى كانت تمارس ضدهم منذ يناير ٢٠١١ وحتى يونيو ٢٠١٣.
ومن هنا فقد كان من الضرورى أن تكون هناك استراتيجية موحدة للتعامل مع هذه المحاولات المتكررة والمستميتة، التى سوف تحاول جحافل قوى الشر والإعلام المضاد والأشخاص المأجورين مدعومين بذلك الفكر الشيطانى الذى تنتهجه جماعة الإخوان الإرهابية، بل وتقوم بتطويره بشكل مستمر بحيث تصبح مواجهته التقليدية غير مجدية.. ولعل آخر شائعة أطلقتها تلك الأبواق، والتى يمكن تسميتها «الشائعة الملونة» أو «رفع سقف الطموح» التى تدعى فيها أن هناك اتجاهًا رئاسيًا لإعادة النظر فى أسعار البنزين وتخفيضها، وكذلك صرف العلاوات التراكمية المستحقة لأصحاب المعاشات وإدخال بعض التعديلات فى بطاقات التموين، وكلها شائعات إيجابية كما نرى مطلوبًا من خلالها رفع طموح المواطنين ثم إصابتهم بالإحباط والصدمة عندما لا تحدث، وهو ما قد يؤدى إلى تصاعد حالة من الغضب الذى تترتب عليه مظاهرات واعتراضات لتقاعس الدولة عن تنفيذ وعودها وهى أصلًا لم تعد بشىء.. ومن أبرز هذه الأمثلة ما حدث فى مدينة بنى غازى بليبيا، والذى كان من أحد أسباب اشتعال الأحداث فى فبراير ٢٠١١، عندما أشيع أن القذافى يعطى لكل عائلة ليبية ٥ آلاف دولار، وهو الأمر الذى أدى إلى الازدحام الشديد أمام المصارف الليبية، وعند التأكد من عدم صحة ذلك ثار الشعب الليبى هناك وأصبحوا يهتفون بسقوط النظام.. ولقد قصدت من عرض تلك الشائعة التى بدأت تسرى مثل النار فى الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعى مدعومة بحسابات وهمية من الخارج، وللأسف يقوم بعض المصريين بترويجها، إما بحسن نية أو سوء نية أو عن جهل.. ومن المنتظر أن تشهد هذه الموجة من الشائعات تطورًا نوعيًا بهدف إصباغ الحقيقة عليها، وسوف تستمر هذه المعركة طالما كان تأثيرها كبيرًا وتكلفتها بسيطة، طالما نحن ندافع فقط ولا نهاجم، أو نواجه هذا السلاح بما هو أكثر منه فكرًا وتطورًا ووعيًا.
إن الرؤية الاستراتيجية لمواجهة الشائعات المتطورة ودعوات التظاهر المستمرة والتى من الممكن أن يكون لها تأثيرها السلبى على الأجهزة الأمنية التى تعلن حالة الاستنفار فى أعقاب كل دعوة للتظاهر، وكذلك تأثيرها الإيجابى على من يروجون ويقومون بتلك المظاهرات، طالما لم تكن هناك مواجهة إيجابية وحاسمة لها تجعلهم يعيدون النظر فى توجهاتهم تحسبًا من تعرضهم للمساءلة القانونية.. فمن أمن العقاب أساء الأدب.. تتمثل فى تشكيل لجنة أو مجموعة عمل متخصصة للتعامل مع تلك التوجهات خلال المرحلة القادمة، بحيث يكون لها دور استباقى مهاجم وليس مدافعًا، يتمثل، على سبيل المثال لا الحصر، فى الإسقاط المستمر على الدول والأجهزة الراعية للإرهاب وللفوضى، وكذلك إزالة القناع عن هؤلاء المأجورين الذين يعملون ليلًا ونهارًا لإثارة الرأى العام خاصة لدى الشباب، وأعتقد أن هذا الأسلوب قد حقق نجاحًا كبيرًا فى إجهاض محاولات إثارة الشارع المصرى يوم الجمعة الماضى، بل والإتيان بنتائج معاكسة تمامًا لأهدافهم الدنيئة التى كان لها أكبر الأثر فى احتواء الشباب المغيب والمغرر به.. كذلك الحال فإنه تجب إعادة النظر فى دراسة برامج الأحزاب التى تمارس عملها على الساحة السياسية فى البلاد، بعدما تبين أن البعض منها يتبنى أفكارًا مناوئة لنظام الحكم بل وداعية إلى الخروج فى مظاهرات عدائية له، وهو ما شاهدناه مؤخرًا من حزب الدستور والكرامة والتحالف الشعبى الاشتراكى، وكذلك الأحزاب ذات المرجعية الدينية التى تظهر ما لا تبطن، وذلك للوقوف على مشروعية توجهاتهما ومصداقية أهدافهما، ومن المفترض أن تقوم لجنة الأحزاب بهذا الدور فى أسرع وقت.. ويأتى متوازيًا مع هذا وذاك تفعيل دور رجال الدين والثقافة والفكر الذين يجب أن يكون لهم دور إيجابى فى تنمية الوعى لدى الشباب بشكل مستمر، وأن تكون لغة مخاطبتهم له بسيطة ومفهومة، بعيدًا عن التهويل أو التهوين.. ويجب ألا نغفل أيضًا مدى تأثير القوى الناعمة على الشارع المصرى، ولعلنا نتذكر تلك الطاقة الإيجابية والتجاوب مع مسلسلات تتحدث عن بطولات حقيقية قام بها أفراد عاديين من الشعب المصرى، مثل رأفت الهجان وجمعة الشوان.. كذلك ما حققه فيلم الممر الذى عرض مؤخرًا وكانت غالبية مشاهديه من الشباب الذين لم يعاصروا انكسار ١٩٦٧ وانتصار ١٩٧٣.. إن الفن والكلمة والرياضة والغناء لها تأثير كبير على وجدان الشباب، خاصة إذا كانت قريبة من فكرهم وثقافتهم واهتماماتهم. ويأتى بعد ذلك التعامل الأمنى.. وكما نلاحظ أننى قد جعلته الورقة الأخيرة فى التعامل مع تلك المحاولات الخسيسة التى تهدف إلى إثارة المجتمع المصرى، وجميعنا يشهد أن الأجهزة الأمنية قد تمكنت بأقل مجهود من إحباط أى محاولات للشغب أو التظاهر، وكان تعاملها مع الأفراد القائمين به فى منتهى الرقىّ والشفافية، لقناعة تلك الأجهزة أن هؤلاء الشباب قد تم التغرير به وتغييب عقولهم، تحت الشعارات والوعود البراقة التى يروجها المخادعون والخائنون من أعداء الوطن وعديمى الضمير.. ولقد أحدث نجاح تلك الأجهزة ارتباكًا كبيرًا فى حسابات الفضائيات المأجورة جعلتها فى حالة تخبط وارتباك غير مسبوق أفقدها مصداقيتها لدى المواطن البسيط، ولعل المداخلات التى قام بها العديد من أبناء الشعب المصرى مع تلك القنوات قد أظهرت مدى الوعى والانتماء الحقيقى لهذا الشعب، ورفضه التام دعوات الانفلات والفوضى.. ولكن التعامل الأمنى يجب ألا يكون هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع مثل تلك الأحداث. إن وضع استراتيجية علمية لمواجهة تلك الحرب النفسية والإعلامية التى تتم بالتوازى مع العمليات الإرهابية أصبح مطلبًا جوهريًا واجب الاهتمام به، حتى يكون التنسيق والتعاون بين كل الأطراف المكلفة بالمواجهة على المستوى الإعلامى والثقافى والدينى والأمنى، يتم بشكل متناغم ومترابط حتى يمكن أن تحقق تلك الاستراتيجية الهدف المنشود منها، وهو مواجهة وإسقاط وإجهاض كل محاولات النيل من أمن وأمان واستقرار وطننا المفدى.
وتحيا مصر..