رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا شىء يضلّل الناس مثل الحقيقة



أحيانًا تجد نفسك فى دوامة هى خليط من الدهشة، السخط، الإنكار.. فلا تجد نجاة لك غير أن تستريح قليلًا، وتبحث فى ذاكرتك عن مرفأ تركن له.. وفى معظم الأحوال يكون مرساى على ضفة الشاشة الكبيرة التى عشت فى حيواتها أكثر وأعمق مما عشت فى الحقيقة.. فاخترت لكم بعضًا من الكلمات التى ومضت فى ذهنى، والتى قد تخلق معنى ما فى نفوسكم.
فى فيلم «لون الجنة» (١٩٩٩).. يؤلمنى الوجع الذى يملأ وجه الصبى الصغير الكفيف، ونتبادل مواقعنا، وأمسح دموعًا لا تنضب من نبع أساه وهو يقول: «الآن قد بدا لى أنى غير مرغوب فيه ولست محبوبًا، وحتى جدتى لا تحبنى، لأنى ضرير.. الكل يهرب من بين يدى، لو لم أكن ضريرًا لذهبت إلى المدرسة مع أطفال القرية، ولكن بسبب حالتى علىّ أن أذهب إلى مدرسة خاصة للذين هم مثلى، بمكان بعيد جدًا عن أهلى وقريتى.
قال المعلم مرة إن الله يحب الضرير أكثر لأننا لا نرى.. ولكنى سألته: لو كان كذلك إذًا لماذا خلقنا أضرارًا؟ هل خلقنا هكذا حتى لا نراه؟
أجابنى: إن الله لا تدركه الأبصار، إن الله فى كل مكان تستطيع أن تراه بإحساس..تستطيع أن ترى قدرته عندما تلمس الأشياء بيديك، ومنذ ذلك الحين وأنا أتلمس الأشياء.. إلى أن يأتى اليوم وتلمس يدى يداه، لكى أخبره بكل شىء وبكل ما فى قلبى من ألم وحزن».
قد يكون الحزن صخرة عليك أن تحملها دومًا وأنت صاعد على الطريق، وقد يكون سوط جلاد يدمى ظهر عبد لا يمكنه أن يقول غير ما قاله بطل «١٢ سنة عبودية» (٢٠١٣): «لا يوجد رجل مدرك يمكنه أن يجلد إنسانًا آخر يومًا بعد يوم دون أن يمزق نفسه إربًا، ذلك يأخذه إلى مكان، إما أن يضع أعذارًا فى داخل عقله كى يصبح طبيعيًا أو أن يجد سبيلًا كى يسحق أحاسيس الشعور بالذنب لديه».
ليس كل ما يكون على الشاشة الكبيرة مؤلمًا وحزينًا، لكنه قد يكون أحيانًا مراوغًا كما يصرخ «تونى مونتانا» فى فيلم «ذو الندبة» (١٩٨٣):
«كلكم حمقى..
ما الذى تنظر إليه؟.. مجموعة من الحمقى والملاعين.. أتعلمون لماذا؟
لأنكم جبناء. ولا تملكون الشجاعة لكى تصبحوا ما تريدون.
أنتم تحتاجون إلى شخص مثلى. دائمًا تحتاجون إلى شخص مثلى تشيرون إليه بأصابعكم القذرة وتقولون: هذا هو الشرير.
ماذا تكسبون من ذلك؟ الصلاح؟
لا أنتم لستم بصالحين. أنتم تعرفون فقط كيف تتبخترون، وتكذبون.
أنا لا أعانى هذه المشكلة.. إننى أقول الحقيقة دائمًا.. حتى وأنا أكذب..!
هيّا قولوا ليلة سعيدة.. للرجل الشرير! هيا.. قولوا: هذه آخر مرة ترون فيها رجلًا شريرًا مثلى. هيا.. أفسح أيها الحارس. أفسح الطريق.. هنا رجل شرير يمُر...
من الأفضل أن تبتعد عن طريقه».
وبعض الكلمات صادم كالحقيقة كما فى نصيحة فيلم «إمبراطورية الشمس» (١٩٨٧): «العالم ليس مثل أمك، تغضب عليها وتصرخ فى وجهها فى النهار، وفى نهاية اليوم تناديك للعشاء.. العالم سيتركك تموت جوعًا!».
وقد تكون الكلمات بسيطة ومنطقية «الجميع يريدون الذهاب إلى الجنّة، لكن لا أحد يريد أن يموت»، فيلم «اضطراب فى العقل» (١٩٨٥).
وكثيرًا ما يكون على الشاشة مجرد كلمات.. كلمات فقط لتزجية الوقت كما فى فيلم «ارتجاج فى المخ» (٢٠١٥): فى الحياةِ أحيانًا يجب أن نتخـلَّـى عن الأشياء.
وأحيانًا كثيرة لا يُمكننا ذلك..!.
وقانا الله وإياكم مهالك السوء، ورزقنا بصيرة تستطيع أن تفرق بين الطرق الوعرة والطرق المهلكة.