رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان وقطر.. سطر فى كتاب الشيطان


إذا أردنا إعراب كلمتى «الإخوان وقطر» إعرابًا سياسيًا لا نحويًا، ستكون جماعة الإخوان مكسورة فى الدنيا كلها، باعتبارها مضافًا إليه، أى مضافًا إلى المخابرات البريطانية، أما قطر فستكون مرفوعة من خريطة العالم العربى، وعلامة رفعها أميرها تميم، ولكن كيف اجتمعت قطر مع الإخوان؟ بريطانيا كانت هى المبتدأ، فهى الأم الشرعية للإخوان، وهى فى الوقت ذاته الراعى الرسمى لقطر، التابع الأمين للمخابرات البريطانية، وإذا كانت هذه التبعية غير منكرة، لكن المسألة تبدو أعمق من ذلك، إذ إنها من ناحية أخرى موصولة بالإخوان، الذين هم على صلة وثيقة بالأمريكان، الذين هم كما قلنا على صلة أوثق بالإنجليز.
لمن لا يعرف فإن المخابرات البريطانية هى الرائدة فى العالم فى مجالات التجسس وإنشاء الأنظمة التابعة والموالية، أما المخابرات الأمريكية فهى تابعة فى المنهج والأسلوب، ولك أن تعلم أن المخابرات البريطانية بعد أن فقدت الإمارات العربية المتحدة، بعد توحدها تحت زعامة الشيخ زايد، إذا بها تنقل العطاء على قطر كإمارة تابعة لها، من حيث الولاء والتوجيه والإدارة، وقد كانت بريطانيا هى المشرفة على استخراج الثروة النفطية بتلك الإمارة، عندما تفجرت آبار البترول والغاز فيها، وعندما طالبت المملكة السعودية فى القرن العشرين بضم قطر لها، باعتبارها جزءًا من منطقة الإحساء السعودية، وقفت بريطانيا ضد هذا المطلب، إذ إنها كانت تعتبرها قاعدتها التى تسيطر من خلالها على منطقة الخليج كلها، كما أن استقلال قطر عن السعودية وعن الإمارات يجعل منها أداة لبريطانيا وأمريكا بالطبع، لتهديد منطقة الخليج كلها متى شاءت، بل إن بريطانيا من أجل خلق حالة من التوتر الدائم فى السعودية والإمارات، قامت بتسليم ثلاث جزر إماراتية لإيران، عندما أنهت احتلالها لدولة الإمارات، ولا تزال هذه الجزر إلى الآن تحت السيادة الإيرانية، ولكى تتحقق أهداف بريطانيا يجب أن ينشأ للإخوان تنظيم فى قطر.
ولكن كيف تكوَّن تنظيم الإخوان فى قطر؟ ومتى؟ البداية كانت مبكرة نوعًا ما، ومن خلال شيوخ الإخوان، الذين تزعمهم الشيخ عبدالبديع صقر وتابعه الشيخ يوسف القرضاوى، هؤلاء الشيوخ ومن تبعهم ذهبوا إلى قطر هربًا من مصر، وكأن قطر هى المأوى الدائم للهاربين من مصر، الخارجين عن قانونها وشرعيتها، وفى قطر اهتم شيوخ الإخوان فى الخمسينيات والستينيات ببناء المساجد والمدارس، والمعاهد الدينية، فمن خلالها يستطيعون توجيه العقول والسيطرة عليها، وبواسطة المخابرات البريطانية عقدوا صلات قوية مع الحكام، وكان أن وجهوا اهتمامهم للعمل الخيرى والدعوة، فتأثر بهم عدد من الشباب القطرى، كما أنهم أسسوا أول مجلة قطرية فى السبعينيات، وكانت فكرتهم الأساسية تدور حول محورين، المحور الأول هو الإعلام والثانى هو التعليم، وبهما يقول الإخوان إنهم يستطيعون تغيير الأمة لصالحهم.
وفى منتصف السبعينيات تشكل تنظيم الإخوان القطرى، من خلال اجتماع حضره مائة شخص قطرى بمباركة من يوسف القرضاوى والشيخ على السالوس، وقرروا تشكيل تنظيم الإخوان فى قطر بشكل رسمى وبمباركة من الحكام، وأنشأوه على نظام تنظيم الإخوان الأم فى مصر نفسه، فكانت قطر من الناحية التنظيمية بمثابة منطقة.. وفيها أربع شُعَب، وكل شعبة فيها أربع أسر، وكل أسرة تتكون من خمسة أفراد، ثم هناك فى القمة مكتب إدارى، واختار الإخوان هناك رجلًا من كبار العلماء القطريين؛ كى يكون مراقبًا عامًا للإخوان هناك، هو الشيخ عبدالله الأنصارى.
وكان الشيخ الأنصارى قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالإخوان من خلال الشيخ يوسف القرضاوى، وفى منتصف الثمانينيات جاء الأنصارى مع القرضاوى إلى مصر وتقابلا مع الشيخ عمر التلمسانى مرشد الإخوان، وفى أيامها رحب الإخوان ترحيبًا كبيرًا بالشيخ الأنصارى، وألقى درسًا فى حضور الشيخ القرضاوى بمسجد خضر التونى، بمدينة نصر، الذى كان مسجدًا جديدًا استطاع الإخوان السيطرة عليه.
وفى تلك الزيارة أعطى الشيخ عبدالله الأنصارى البيعة للمرشد عمر التلمسانى نيابة عن إخوان قطر، وكلفه المرشد التلمسانى بأن يتلقى بيعة إخوان قطر نيابة عنه، وبهذا أصبح إخوان قطر أعضاء فى التنظيم الدولى للجماعة، وقد حضرت بنفسى جانبًا من هذه الزيارة فى مقر الإخوان بشارع سوق التوفيقية، إذ إننى بعدها أخذت الشيخ عبدالله إلى لقاء «كتيبة إخوانية» فى حى الزيتون، حيث ألقى درسًا، دار معظمه حول تاريخه وتلقيه العلم وحفظه للقرآن وهو بعد طفل صغير، وتتلمذه على بعض علماء الحرم، وإعجابه بحسن البنا وأمنيته بأن يراه ويجلس معه، ولكن الله لم ييسر له هذا الأمر، فمات البنا ولم يلتق به الأنصارى، ثم تحدث عن إعجابه بعمر التلمسانى وأنه شعر بأنه أخاه الذى لم تلده أمه، وأظن أن الشيخ الأنصارى مات فى بداية التسعينيات.
ولكن كيف سيتم استغلال قطر والإخوان لإسقاط أنظمة عربية؟ وضعت المخابرات البريطانية مخططًا لهذا الأمر، وعرضته فى غضون عام ١٩٩٤ على الشيخ «خليفة» الوالد، لكنه رفضه، فكان أن أمرت بريطانيا على الفور بالإطاحة بالشيخ الرافض واستبداله بابنه «حمد بن خليفة»، الذى بدأ بالفعل فى تنفيذ المخطط، أما المخطط فقد وضع أطره «معهد تافيستوك» و«معهد تشاتام هاوس»، وكلاهما تابع للمخابرات البريطانية، «تافيستوك» متخصص فى علوم البرمجة الذهنية وإدارة العقلية الجمعية للجماهير والشعوب، وقد أسهم هذا المعهد بشكل فاعل من قبل فى تهيئة الأجواء فى إيران للقيام بثورة يناير ١٩٧٩ الخومينية ضد الشاه رضا بهلوى، ومن خلال خبرات معهد «تافيستوك» المتعددة وضع منظومة لقطر، من أجل إنشاء قناة فضائية «الجزيرة»، وأعطى الحكومة القطرية أكبر خبرائه فى مجالات التأثير على الجماهير وإدارة حركتها الجمعية، ويعرف المصريون الذين عملوا فى تلك القناة ماهية الدورات الإعلامية التى خاضوها، والتى كان مستهدفها الأكبر هو التأثير الجمعى على الجماهير، ومع معهد «تافيستوك» كان معهد «تشاتام هاوس»، الذى كان هو صاحب اليد العليا فى وضع مسار قناة الجزيرة من ناحية تحليل الأخبار وصنع الأفلام الوثائقية، والاسم الأصلى لهذا المعهد هو «المعهد الملكى للشئون الدولية»، وشهرته: معهد تشاتام هاوس، ومقره لندن، وهذا المعهد التابع للمخابرات البريطانية يقوم بمهام تحليل المعلومات، وإعداد الأبحاث المتعلقة بالشرق الأوسط، ويعمل فيه مجموعة من الإخوان، تتزعمهم مها عزام، ويعطى جائزة دولية سنوية حصل عليها بعض قادة التنظيم الدولى للإخوان، مثل راشد الغنوشى، فضلًا عن أنه أعطى جائزته فى إحدى السنوات للشيخة «موزة»، وقد وضع هذا المعهد الخطط الإعلامية لكل الأفلام الوثائقية التى أعدتها قناة الجزيرة، وكان أثناء ثورات الربيع العربى هو الذى يضع التحليل لنشرات الأخبار، حيث يقوم المذيعون فى الجزيرة بتلاوتها بطريقتهم التى تم تدريبهم عليها، أما معهد «تافيستوك» فكان قد أمد الجزيرة بخبيرين إسرائيليين، من كبار المتخصصين فى مجالات الإعلام، وقد كان هذان الخبيران ومعهما خبير علم النفس الاجتماعى «ستيفن هيرشل» هم من قادوا «الغزوات الإعلامية» لقناة الجزيرة أثناء ثورات الربيع العربى، وأثناء انتخابات الرئاسة فى مصر، حيث كانت كل جهودهم ترمى إلى توجيه الجماهير ناحية التصويت لمحمد مرسى.
ومنذ سنوات وقبل الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣ استطاع أكبر جهاز مخابرات عربى تسجيل حوار دار بين معمر القذافى والشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر، ويبدو أن الشيخ حمد قد أصابه وقتها، لسبب أو لآخر، «سلس الكلام»، الشبيه بسلس البول، فقال للقذافى «نحن نعرف أن نظام صدام حسين سينتهى، فأمريكا على وشك غزو العراق، ولن يبقى لنا بعد ذلك إلا إسقاط مصر، ثم إسقاط السعودية»، واستطرد «حمد» قائلًا: «نظام السعودية نظام فاسد وهم دائمًا ما يطعوننا من الخلف وسنسقطهم!»، واستمع الملك عبدالله بعدها لهذا الحوار، فأخذ يتعامل بحذر شديد مع حمد ثم مع ابنه، وفى الفترة الأخيرة استطاع هذا الجهاز المخابراتى الأكبر فى المنطقة، أن يكشف تآمر القوات القطرية المشتركة فى التحالف ضد قوات التحالف لصالح الحوثيين بالاتفاق مع إيران، فكان التعجيل بقطع العلاقات وطرد قطر من التحالف.
وحين يسأل البعض: أين سيذهب الإخوان الذين فى قطر بعد ظهور المؤشرات الدالة على قرب انتهاء حكم تميم؟ فلنا أن نقول إن السؤال الأصح هو: أين سيذهب تميم وأمه موزة؟ أما الإخوان فهم الآن فى مرحلة الشتات، مثلهم كاليهود فى تيههم وشتاتهم، حيث سيتفرق جمعهم بين لندن وجنوب إفريقيا وماليزيا والفلبين وتركيا، والكل بعد ذلك إلى زوال.