رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التربية من أجل السلام مع تعدد الأديان


لا شك أن العالم يواجه أزمات حقيقية ارتبطت بتعدد الأديان، وبصورة متواترة متزايدة فى منطقة الشرق الأوسط الكبير، الذى يحتوى على تعدد دينى أغلبه ديانات يهودية ومسيحية وإسلامية، نذكر هذا الترتيب تاريخيًا، وبدلًا من التعايش السلمى والتركيز على القيم المشتركة بين الديانات ليست الإبراهيمية وحدها، بل والعالمية أيضًا، اتخذ البعض، بل والغالبية، منطلقًا للاختلاف والجدال الذى يصل إلى حد الصراع، بل وللأسف الشديد، العداء أحيانًا.
لقد تغير معلم الصراع عالميًا بعد أن كان صراعًا بين الرأسمالية والشيوعية، ليحل محله صراع من نوع آخر أكثر شدة يقوم على الاختلاف العقدى أو الدينى لينتقل به من الصراع الإقليمى، مثل الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتى، حيث حل مكانه صراع دينى فى مجتمع يسوده الطابع الدينى، وتتمركز ثقافته حول اليهودية والمسيحية والإسلام، وبنظرة تعدادية يأتى الترتيب، إسلاميًا مسيحيًا ويهوديًا، أى تصارع بين ذوى الديانات الإبراهيمية التى تمركزت نشأتها فى شرقنا الأوسطى، ومنه إلى الاتجاه العالمى. وزادت الأمر إشكالًا حركة النهضة الدينية، أو الميل الروحى بصورة أكثر قوة وأشد تأثيرًا بعد نهضة دينية ظهرت بداياتها فى الاتحاد السوفيتى، بعودة النهضة الأرثوذكسية بعد زمن طويل من الحراك اللا دينى أو الشيوعى فى روسيا والدول التى كانت تابعة لها أو واقعة فى نطاقها السياسى، وكان مقابل هذا الحراك حراك دينى مسيحى وإسلامى ساد منطقة الشرق الأوسط الكبير، مما ترتب عليه تشكيل إطار سياسى دينى بين العرب وإسرائيل، ليس على أساس عقدى- دينى، بل على أساس الدفاع عن الأرض فى مواجهة غزو يناهضه ويحاربه دفاعًا عن الأرض والعرض، وفى الواقع المُعيش ليس فقط فى بقعة من الأرض، بل تنامى الصراع ليشمل كل الأرض، حيث يعيش عالمنا بِما فيه شرقنا الأوسطى أزمة التدهور القيمى والإنسانى. وفى مواجهة ذلك دعوة واضحة المعالم بضرورة العودة إلى التربية الأخلاقية استنادًا إلى الفكر الدينى الذى يبدأ من البيت، ثم المدرسة، فدُور العبادة. ومما ساعد على تنامى هذا التوجه ما اعترى الاتحاد السوفيتى الذى كان قد توارى فيه الاتجاه الدينى لتحل مكانه أولوية الصناعة والإنتاج، بما فيه الإنتاج الحربى المتزايد فى مواجهة الحراك الغربى عمومًا، والأمريكى بوجه خاص، حتى امتزج الدينى بالسياسى.
كان من الضرورى فى مجتمع متعدد الأديان مواجهة مخاطر الخلط بين الدينى والسياسى، وذلك بتأسيس ثقافة الاتفاق حول القيم المشتركة مع التركيز على قيمة التسامح والقيم الإنسانية المشتركة، مع ثقافة قبول الآخر، والتركيز على قيم المواطنة وقيمة الإنسانية، واحترام المواطنة المشتركة.
ورجوعًا إلى تاريخ ليس ببعيد، اقترح الدكتور محمد محمود رضوان، وكيل وزارة التعليم فى مصر، فى مقال له فى جريدة الأهرام عام ١٩٧٦، تخصيص كتاب واحد مشترك لطلاب الثانوية العامة يحتوى على القيم المشتركة بين الديانتين المسيحية والإسلامية يشتمل على القيم والتعاليم الأخلاقية والسلوكية، كما اقترح الدكتور وليم قلادة تعديل ذلك بأن تتضمن كتب الدين فصلًا أوليًا موحدًا يقدم للتلاميذ القيم الدينية العامة التى تحفظ للإنسان كرامته، وتبرز رسالة الدين ومساهمة المسيحية والإسلام على مدى تاريخ مصر فى كفاحها، وأثرها عبر التاريخ فى تكوين الإنسان.
جاء هذا البيان منشورًا فى جريدة الأهرام فى الثامن والعشرين من يناير عام ١٩٩٤. والسؤال الذى يلوح لنا هنا هو: لقد مر على هذا الفكر نحو ربع قرن من الزمان، فأين إذن دور التربية؟ وأين آثارها فى قضية محورية لا غنى ولا انفصال عنها؟ إنها قضية التربية ودورها فى صناعة ثقيلة، لكنها لا تهرم ولا تشيخ، بل على النقيض هى تبحث عن دورها فى صناعة لا غنى عنها ولا هدنة تتوقف معها الأنفاس، إنها قضية محورية من أجل صناعة السلام من باب التربية والثقافة والإعلام.