رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استفيدوا من دروس التاريخ


لم أندهش من حجم ما يُحاك ضد مصر ورئيسها، هذه الأيام.. فذلك شىء توقعه كل عاقل، يعرف حجم المؤامرة على هذه البلاد، خاصة مع كل خطوة ننتهى منها، فى ذلك الطريق الصعب الذى مشيناه، لبناء مصر ما بعد السنوات العجاف.. والأهم، أنها مصر القوية الحديثة، التى قاربت أن تطاول عنان السماء، بكل ما جرى ويجرى على أرضها من مشروعات تستهدف المواطن فى يومه وغده، وتبنى لأولاده مستقبلًا، يعتز معه، أنه من نبت هذه الأرض الطيبة.
إذن.. مصر لم تنكسر بعد يناير ٢٠١١، ولم يخضعها إخوان الشر، على مدى عام من حكمهم، وهى ما زالت أبية على الانحناء، وكل يوم يمر عليها، تزداد بأبنائها وقيادتها، قوة فوق قوة، عمادها فى ذلك، شعب طموح صبور، تحمل مشاق البناء ودفع عن طيب خاطر فاتورة الإصلاح، وجيش يحمى الحدود ويتولى، مع شركات القطاع المدنى، بناء ما تهدم، وإصلاح ما فسد، وهو القوى الأمين فى الحالين.. فماذا يفعل أهل الشر فى هذه التى لا تستجيب لدواعى الانحناء؟
تفتق ذهن الشر عن ضرورة التوجه للحلقة الضعيفة فى منظومة المجتمع المصرى، وإثارة تشككها فى الحلقة الأقوى.. وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد.. أدخلنا الأضعف فى دائرة التيه، ووصمنا الأقوى بما لا يليق، ظلمًا وبهتانًا.. فكان ما كان من اللجوء إلى ذلك المدعو «محمد على»، لعله يكون البطل الشعبى، الذى يقدر، بكذبه وافترائه، على كسر ذلك الطود العظيم، المسمى «شعب مصر»، من خلال حلقته الأكثر عرضة للاستهواء والتأثر. وكان ما كان، من حكايات الزور والبهتان على شرف الدولة المصرية ورجالها الأوفياء.. وحيال ذلك، فإنى لا أجد أكثر من كلمات كتبتها يوم الجمعة ٢٨ من نوفمبر ٢٠١٤، عما يُشبه ذلك الذى نحن فيه، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أقرب ملامح الغد لشكل اليوم، ما دامت مصر تسير فيما انتهجته قيادتها، سبيلًا لإصلاح ما أفسدته السنون الماضية.. وستجد فيما سبق كتابته، نفس الوجوه الخبيثة، التى تكيد لمصر ولا تمل.. الرئيس التركى، الذى خرجت إحدى المقربات إليه، لتقول إن الذى يحدث فى مصر، يمكن له أن ينتهى، إذا قَبِل الرئيس السيسى التفاوض بشأن غاز شرق المتوسط.. إذن.. من هنا تبدأ الحكاية، ومن هنا أيضًا يمكننا تفسير ما يحدث، فما أشد ارتباط أردوغان بالإخوان، وقنوات الشر فى إسطنبول، ومن استطاعوا أن يركبوه، وهو قابع فى إسبانيا، مطية لتحقيق غرض، ربما أصاب، وربما خاب.
قبل أن أقول لك، ما يجب عليك فعله، دعنى أذكرك بأنه عندما يتخلى الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، عن حصافة رئيس الدولة، وتغيب عنه أبجديات دبلوماسية العلاقات الدولية، ويعلن أن اليوم، سيكون فارقًا فى تاريخ مصر، مشيرًا إلى تهديدات أعضاء التيارات المتطرفة بالخروج إلى الشارع، مسلحين، رافعين المصاحف على أسنة رماحهم، محرضًا على اندلاع العنف فى أرجاء المحروسة، ومتخذًا جانب هذه التيارات المتطرفة، فى تحديها للدولة المصرية، فإنه يؤكد بقوة، وجود المؤامرة الخارجية التى تحاك ضد مصر، ويقدم برهانًا على أن الذين سينزلون إلى الشوارع اليوم، هم أذرع عميلة لتنفيذ مخططات إسقاط الدولة التى رسمها ويدعمها ويمولها، متربصون بهذا البلد القوى العفى الأبى، على أن يكون نموذجًا مكررًا من العراق وسوريا وليبيا واليمن، بل إن قوته وتماسكه وصلابة بنيانه، ما زالت تحمل الأمل فى أنه ربما استردت هذه الدول عافيتها، بعد حين، لأن القلب من العالم العربى، مصر، ما زال صحيحًا معافى، إلا من بعض اضطرابات فيروسية، تتسلط عليه من ذات جسده، لا تلبث أن تزول، إذا وقف الشعب المصرى أمامها، متحديًا عنفها، محبطًا سعيها هدم كينونته ومحو هويته.
نعم.. الشعب هو من يحمى الوطن، وشعب لا يقدر على حماية وطنه، لا يستحق أن يعيش فوق أرضه، وقد فعلها الشعب مرتين، وهو قادر على دحر أعدائه.. صحيح أن الجيش هو درع الوطن وحاميه، والشرطة صمام أمنه الداخلى، لكن الحماية التى أعنيها، لا تنصب فقط على القوة.. وإذا كان الجيش والشرطة يملكانها، فإن للشعب آليات أخرى للحماية، ليس من بينها مواجهة جماعات التطرف فى الشوارع، بل إن الشعب يحمى وطنه عندما يثق فى قيادته التى اختارها بإرادته الحرة، ويؤمن بأن مُبتغى هذه القيادة، من كل تصرفاتها وقراراتها، هو خير الناس، بعد رضا الله.. عندما يقف صفًا واحدًا خلف جيشه وشرطته، ولا يكون من بينه أحد، هو عون للشيطان على من يدفعون حياتهم فى كل يوم، ثمنًا لحياة أمة، فى مواجهة أعمال الخسة والعِمالة، ممن اختاروا أن يكون الشعب والوطن، هما العدو، دون الأعداء التاريخيين للأمة العربية، هؤلاء الأنذال الذين تحايلوا على البسطاء باسم الدين، فأغروهم بالجنة، ولا يملك مفتاح الفردوس إلا الله، لمن آمن به وكتبه ورسله واليوم الآخر، وسعى بين الناس بالحُسنى، وأشاع السلام فى الأوطان.. لكن هؤلاء سخروا من الدين، فسخّروه لأغراضهم، يرفعون كتاب الله على فوهات بنادقهم، مثلما فعل الخوارج، عندما رفعوا المصاحف على أسنة رماحهم.
يحمى الشعب وطنه، عندما لا تجوز فيه ألاعيب الذين اتخذوا من الدين ستارًا لأغراضهم السياسية، متواطئين مع أعداء مصر والأمة العربية، إلا من شق عصا هذه الأمة، ممن لا يزالون حيارى، بين أوهام صورها لهم الغرب، ورباط العروبة الذى ما زال البعض يشدونه إليه، أملًا فى عودته إلى جادة الطريق.. يحمى الشعب وطنه، عندما لا تخيل عليه شائعات مغرضة، تمس تماسك الوطن وتوهن من إنجازاته، وتنال من نزاهة أبنائه المخلصين.. تتحقق الحماية، يوم يُحصن كل أب وكل أم أولادهما، ضد دعاوى الغلو والشطط، والسير فى ركاب من أرادوا محو هويتهم، وجعلوهم وقودًا لمعركة، هم أول خاسريها، ويوم يتقى بعض أصحاب بوتيكات الإعلام الله فى كلامهم.
مسئولية كبيرة على الشعب المصرى فى حماية وطنه، والدفاع عن مكتسباته والتطلع إلى غده، يوم أن تنحاز الأحزاب والتيارات السياسية إلى هموم الوطن وآماله، ويوم أن تصطف وراء مصر، مُنَحية هوى المكاسب والغنائم.. يوم أن تتواجد فى الشوارع، حقيقة لا أوهامًا، تحتضن الشباب، فتخلق منهم سواعد للوطن تبنى غده المنشود.. ويوم أن يستفيق الشعب على حقيقة أنه من يحمى الوطن، وعندما اختار قائدًا، كان رهانه على أنه رجل ليس له من هوى إلا هوى مصر وشعب مصر، ولا يجد أمامه إلا وطنًا غاليًا، يستحق أن نتنازل من أجله عن أى مكسب أو غنيمة، ومن حقه أن نحافظ على وحدته وسلامة أراضيه، التى يتهددها الخطر من كل ناحية. اليوم.. نحن فى واحد من تحديات الأمة، وعلينا أن نعقِل الأمر ونقرر أنه لا انحياز إلا للوطن، لأن الانحياز للوطن هو انحياز للذات، ولا غير ذلك.
حمى الله مصر من كل سوء.