رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاسبة أردوغان أو علاجه


تحقيقًا للعدالة، طالبت الخارجية المصرية، فى بيان صدر الثلاثاء، المجتمع الدولى بمحاسبة الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، على دعمه للإرهاب وتوفيره الملاذ الآمن للإرهابيين وإمداده لهم بالسلاح، بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن، إضافة إلى جرائمه ضد شعبه.
البيان جاء ردًا على تصريحات الرئيس التركى خلال إحدى الفعّاليات، التى شهدتها مدينة نيويورك مؤخرًا، واتصالًا بما جاء فى بيانه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من ادعاءات واهية وباطلة، ظاهرها: الدفاع عن قِيَم العدالة، وباطنها: مشاعر الحقد والضغينة تجاه مصر وشعبها الذى لا يكنّ سوى كل التقدير للشعب التركى الصديق ويتعاطف معه ضد ما يتعرض له من انتهاكات صارخة، على يد المذكور الذى نصّب نفسه مُدافعًا عن قيم الحرية والعدالة، بينما هو فى الحقيقة لا يُدافع سوى عن فكره المتطرف وأمثاله من الإرهابيين.
بيان الخارجية المصرية لم يذكر غير عناوين رئيسية، أما التفاصيل فسبق أن تناولناها فى مقالات عديدة، أوضحنا فيها أن أردوغان، جعل تركيا مقرًا رئيسًا لتنظيم إرهابى مركزى، وراهن بعشرات المليارات من أموال الشعب التركى على نجاح تنظيمات فرعية، فى احتلال عدد من الدول، وضمها إلى الدولة العثمانية أو دولة الخلافة. كما سبق أن توقفنا، مرارًا، عند الدور الذى تلعبه العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، وتنظيم الدولة الفارسية، الضلع الثالث فى المثلث أو الرابع فى المربع، أو إحدى المواسير المتصلة بـ«ماسورة المجارى الأم»، التى تتحكم فى حركة ما تحمله كل المواسير الفرعية من مخلفات وصراصير وجرذان وإرهابيين.
من محاسن الصدف أنه قبل ساعات من صدور بيان الخارجية المصرية، كتب أيكان إرديمير، Aykan Erdemir، وجوناثان شانزر،Jonathan Schanzer، فى جريدة «نيويورك بوست» أن تركيا أصبحت فى عهد أردوغان الداعم الرئيسى للأنظمة المارقة وملاذًا لقوى الشر والجماعات الإرهابية الإقليمية، مؤكدين أن الأدلة على الدعم التركى للإرهاب أصبحت تتزايد باستمرار، وآخرها قيام وزارة الخزانة الأمريكية، منذ أسبوعين، بفرض عقوبات على أفراد و١١ كيانًا مرتبطين بالنظام التركى لدعمهم جماعات إرهابية. ما يؤكد استمرار الإرهابيين فى العمل من داخل الأراضى التركية.
الكاتبان طالبا، أيضًا، بمحاسبة النظام التركى عن الجرائم التى ترتكبها الجماعات الإرهابية بسبب الدعم الذى تتلقاه تلك الجماعات من أنقرة. وأشارا إلى أن جماعة الإخوان، بعد طردها من مصر، سنة ٢٠١٣، أنشأت معاقل ومؤسسات جديدة لها فى تركيا، وأطلقت محطات تليفزيونية تبث تهديدات بالقتل ضد المسئولين المصريين والرعايا الأجانب فى مصر. كما توقف الكاتبان عند مفارقة قيام السلطات التركية بغض الطرف عن الإرهابيين الفعليين، وسماحها لهم بالعمل بحرية على أراضيها، فى حين أنها تتعامل بمنتهى القسوة والعنف مع معارضى أردوغان أو المطالبين بالديمقراطية فى الداخل.
المفارقة نفسها، توقف عندها بيان الخارجية المصرية، وذكر بالأرقام عددًا من الجرائم التى ارتكبها ويرتكبها أردوغان ونظامه ضد الشعب التركى: ما يزيد على ٧٥ ألف مُعتقل سياسى فى تركيا بين مدنيين وعسكريين، ووقوع عشرات حالات وفاة بين المسجونين نتيجة ظروف مشبوهة، أو تحت التعذيب، أو بسبب المرض جراء الأوضاع السيئة داخل السجون التركية، فصل أكثر من ١٣٠ ألف موظف تعسفيًا من وظائفهم الحكومية، مُصادرة أكثر من ٣٠٠٠ جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية مع فصل آلاف الأكاديميين، حبس وسجن المئات من الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامى، شهادة تقارير دولية عديدة أكدت أن تركيا أكثر دول العالم سجنًا للصحفيين والإعلاميين، وفرار عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى الخارج نتيجة الحملات القمعية.
الدور الذى لعبه الرئيس التركى، ولا يزال، فى رعاية ودعم التنظيمات الإرهابية لم يعد خافيًا، وأثبتته تقارير عديدة مدعومة بوثائق مكتوبة، ومسموعة، ومرئية. بينها، مثلًا، تقرير أصدرته دائرة المخابرات العامة والأمن الهولندية، العام الماضى، عنوانه «تركة سوريا: الجهاد الدولى ما زال يشكل تهديدًا لأوروبا»، الذى أكد أن تركيا كانت «مركز عبور عشرات الآلاف من الأجانب الذين انضموا إلى صفوف التنظيمات المتطرفة خلال ذروة الحرب الأهلية السورية». وغير مَن ذهبوا للقتال فى سوريا والعراق وليبيا وغيرها، أكد التقرير أن التنظيمات الإرهابية منتشرة فى كل أنحاء تركيا، وأن الحكومة التركية تمنحها «مساحة تنفس كافية وحرية تنقل»، تمكنها من التخطيط والانطلاق لشن هجمات فى أوروبا.
أخيرًا، وكنتيجة طبيعية لفشل رهانات الرئيس التركى، وتبدد أحلامه أو أوهامه، ظهرت شواهد كثيرة تؤكد أنه أصيب بأمراض نفسية خطيرة، تجعل وجوده فى الحكم، خطرًا على المنطقة وما حولها. والخطر الأكبر، طبعًا، هو ما حل «وسيحل» بتركيا وشعبها الصديق، من أزمات وكوارث. الأمر الذى يضع «المجتمع الدولى» أمام أحد خيارين: محاسبة المذكور أو علاجه.