رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا أنفاق جنوب بورسعيد.. معجزة تحت الأرض بسواعد مصرية

أنفاق جنوب
أنفاق جنوب

نعرف جميعًا أن عصر المعجزات ولى منذ زمن بعيد، ولكن ما يحدث فى جنوب بورسعيد لن نغالى إذا وصفناه بـ«المعجزة».
هنا ترى بعينيك كيف تمكن شباب فى العشرينات من أن يشقوا الجبال إلى شطرين، ويحولوا الأرض السهلية التى لا تتحمل دابة على ظهرها لأنفاق عملاقة تحت قناة السويس حاملة الخير إلى سيناء أرض الفيروز.
هنا تشاهد كيف تحول بحر من الرمال والأراضى التى لا تصلح لشىء على الإطلاق إلى منطقة اقتصادية واستثمارية واعدة على ناصية شرق القناة، وترى كيف أصبحت الشركات المصرية «حصانًا أسود» يغنينا عن الاستعانة بالأجانب.
أما كيف حدث ذلك؟
هذا ما نكشفه عبر جولة لـ«الدستور» داخل أنفاق قناة السويس، التى يبلغ إجمالى طول الواحد منها ٣٩٢٠ مترًا، وتم حفرها وإنشاؤها بمعايير جودة دولية وبأحدث المعدات، وتزويدها بأنظمة أمان تكنولوجية فائقة.

3920 مترًا طول الواحد.. الحفر بدأ فى أكتوبر ٢٠١٦.. ومصنعان لإنتاج الحلقات الخرسانية اللازمة
يشمل مشروع أنفاق قناة السويس ٥ أنفاق، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى اثنين منها فى الإسماعيلية خلال الفترة الماضية، وجرى إنجاز اثنين آخرين جنوب بورسعيد فى انتظار الافتتاح والتشغيل التجريبى، بجانب نفق الشهيد أحمد حمدى الجديد.
ويسهم المشروع فى إنعاش حركة التنمية والتجارة من وإلى سيناء، التى كانت مقتصرة قبل حفر الأنفاق على معديات هيئة قناة السويس، وكوبرى السلام، ونفق الشهيد أحمد حمدى الذى تم إنشاؤه منذ أكثر من ٣٦ سنة، وكانت تعانى تلك المنطقة التكدس الشديد، حيث تصل مسافة انتظار السيارات فى بعض الأحيان إلى ٥ كيلومترات.
ويتكون مشروع أنفاق جنوب بورسعيد من نفقى سيارات، يخدم كل نفق اتجاهًا مروريًا واحدًا، وتمر أسفل قناة السويس، ويبلغ إجمالى طول النفق الواحد ٣٩٢٠ مترًا، واستخدمت ماكينات TBM- ١٠٦٠ م فى حفر ٢٨٦٠ مترًا منها، عبر آلية الحفر المكشوف، إضافة إلى ممرى طوارئ عرضيين.
ويتم ربط النفقين بمجموعة من الممرات العرضية المتكررة كل ١٠٠٠ متر بطول النفق، والتى تستخدم فى عمليات إخلاء الأفراد فى حالات الطوارئ.
وعن المواصفات الفنية للأنفاق، قال المهندس كمال حمادة بالمكتب الفنى للمشروع، إن القطر الداخلى للنفق يبلغ ١١.٤ م، والخارجى ١٢.٦ م، والارتفاع الصافى داخل النفق يبلغ ٥.٥م، ويضم حارتين مروريتين كل حارة بعرض ٣٫٦ متر، وتتراوح المسافة الفاصلة بين النفقين من ١٧ إلى٣٠ مترًا، وسمك الجدار الخرسانى للنفق ٦٠ سم، وأقصى عمق لهما من سطح الأرض ٤٢ مترًا، وتم تصميم مداخل ومخارج الأنفاق على انحدار ٣.٣٪.
وأضاف «حمادة» أن العمل الجاد والمتواصل فى التخطيط والتنفيذ بدأ فى توقيت متزامن لإنجاز المشروع، وجرى التغلب على كل المصاعب.
وأوضح: «تم تسلم موقع العمل بنهاية فبراير ٢٠١٥، ثم توالى وصول ماكينات حفر الأنفاق اعتبارًا من نوفمبر ٢٠١٥ حتى مارس ٢٠١٦، وتم تجميعها بمواقع العمل بأيدى المهندسين والفنيين والعمال المصريين تحت إشراف الشركة الألمانية على عملية التركيب وقيادة الماكينات أثناء أعمال الحفر لمسافة ١٠٠ متر، وبدأ الحفر فى أكتوبر ٢٠١٦ بسواعد مصرية ١٠٠٪».
وذكر أنه جرى التعاقد مع شركات عالمية لتقديم الاستشارات الفنية، لتحقيق قيمة مضافة للمشروع، مثل شركة ARCADIS الهولندية كمكتب استشارى لأعمال التصميمات، وشركة CDM Smith الألمانية كمكتب استشارى لأعمال المراجعة على التصميم والإشراف على التنفيذ، وشركتى CMC الإيطالية وHERRENKNECHT الألمانية للدعم الفنى فى التنفيذ.
وأنشأت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بالتعاون مع الشركات الوطنية، المصانع والمحطات المكملة لأعمال التنفيذ بكل موقع، واشتملت على مصنعين لإنتاج الحلقات الخرسانية لتصنيع حلقات تبطين جسم النفق، ومصنعى تسليح الحلقات الخرسانية، ومحطتى توليد الطاقة «قدرة المحطة ٥٦ ميجاوات»، ومحطتى فصل وتنقية البنتونيت «قدرة المحطة ٢٨٠٠ م٣ ساعة»، ومحطتى خلط الخرسانة، ومحطتى الهواء المضغوط «قدرة ١١ بار»، ومحطتى خلط مادة الحقن «قدرة المحطة إنتاج ٣٠ م٣ ساعة من الجروات»، إضافة إلى ٤ خزانات مياه أرضية «سعة ٦٠٠٠ م٣».


٤ شركات وطنية تتعاون مع الهيئة الهندسية فى التنفيذ
قال المهندس مينا طارق، أحد المشاركين فى حفر الأنفاق، إن بداية العمل جاءت بعد تكليف الرئيس السيسى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بالتعاون مع ٤ شركات وطنية مصرية، لتنفيذ الأعمال.
وأضاف «طارق» أن النفقين اللذين افتتحهما الرئيس فى الإسماعيلية، شاركت فيهما شركتا «بتروجيت» و«كونكورد»، فيما تشارك شركتا «المقاولون العرب»، و«أوراسكوم» فى حفر أنفاق جنوب بورسعيد.
وذكر أن الرئيس كلف بتوفير ماكينات حفر الأنفاق لتكون مملوكة للدولة، لترشيد تكلفة التنفيذ، ووقع الاختيار على الشركة الألمانية «Herrenknechtc» هيرنكنتش، وتمت مفاوضة الشركة لتخفيض التكلفة بنسبة ٢٥٪، وتم التعاقد معها على تصنيع وتوريد ٤ ماكينات حفر كاملة بالمعدات المساعدة، إضافة إلى تدريب نحو ٤٠ مهندسًا إلى جانب قيام الشركة بالمعاونة فى الإشراف على أعمال الحفر.
أما عن مواصفات ماكينة الحفر TBM، فكشف عن أن وزنها يبلغ ٢٤٤٠ طنًا، وطولها الكلى ٨٦ مترًا، وطاقتها المستخدمة ٧٠٠٠ كيلووات، وتعمل تحت ضغط ٧.٥ بار، كما أن بها حجرة إسعافات وطوارئ وإعاشة.
وعن أهم الصعوبات والتحديات التى كانت أمامهم، قال: «تمثلت فى الأرض الطينية غير الثابتة، حيث لم نكن نستطيع الوقوف فقط عليها قبل العمل، خوفًا من أن تبتلع الأرض العمال، لذلك عدلنا خواص التربة عن طريق خليط من السن والرمل، لجعلها جاهزة فقط لنقل المعدات عليها، واستغرق تجهيز الموقع فقط نحو ١٠ أشهر.
وواصل: «حفرنا بمعدات عادية ٥ بيارات كبرى على أعماق ٢٥ مترًا، لكى نتمكن من تنزيل وتجميع ماكينة الحفر تحت الأرض، وبدأت عمليات الحفر ووضعنا الحلقات الخرسانية التى كنا ننتجها ونصنعها بمعايير جودة دولية حتى انتهينا منها».
ووصف المهندس مشهد خروج ماكينة الحفر من الجهة الأخرى، بأنه كان أشبه بمشهد العبور فى حرب أكتوبر العظيمة، مضيفًا: «لذلك نعتبر الأنفاق العبور الثانى لسيناء».

المشروع مؤمَّن بشكل تام ضد أى مخاطر
كشف العمال الذين شاركوا فى حفر الأنفاق عن أنهم عملوا تحت عمق ٥٠ مترًا من أعمق مكان أسفل قناة السويس، مشيرين إلى أن الموقع ضم ٤ آلاف عامل ومهندس، وكانوا بمثابة خلية عمل منظمة، يعمل كل منهم فى مجاله دون تشتيت أو تداخل اختصاصات.
وأكدوا أن المشروع أضاف لهم خبرة لم يكونوا يتخيلونها، لدرجة أنهم أصبحوا جاهزين للمشاركة فى حفر أنفاق المترو بأنفسهم دون الاستعانة بخبراء أجانب، لافتين إلى أن الخبراء لم يتخيلوا أنهم سيُنجزون ذلك المشروع فى هذا التوقيت القصير.
وقال إسلام الشناوى، مشرف سلامة وصحة مهنية، إن الإدارة كانت حريصة على حياة كل عامل، موضحًا: «جرى تجهيز فرق طوارئ فى حالات الحريق أو الانهيار».
وأشار إلى أن أنفاق جنوب بورسعيد ستسجل ضمن الأعمال العالمية اللافتة فى مجال الأنفاق، بسبب نفقى الطوارئ اللذين تم حفرهما للإنقاذ، وهما غير موجودين إلا فى دولتين أو ٣ حول العالم.
وشدد على أن الأنفاق مؤمّنة بنسبة ٩٩٪ ضد أى مخاطر، حيث جرى إنشاء نظام حريق عالمى وحنفيات مياه وطفايات نيران، إضافة إلى نظام «fm ٢٠٠» الذى لا يوجد مثله سوى فى دولتين فقط فى العالم، وهو عبارة عن مضخات «co٢» تعمل بنظام التنبيه للحريق، حيث تفرد ستائر أوتوماتيكية على منطقة الحريق تعزلها تمامًا حتى لا تتمدد لباقى جسم النفق، كما تم تخصيص إذاعة على تردد «fm» لتوجيه السيارات داخل النفق إذا ما حدثت أى أزمة للسائقين.