رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ثورة الشك» فى شوارع مصر!


من الممكن أن نختلف على هدف فى مباراة يحضرها مائة ألف مشاهد، هل هو صحيح أم نتيجة تسلل؟، أو أن نختلف حول دخول الكرة بأكملها للمرمى أم لا، فنلجأ إلى تقنية الـ«var»، لحسم الجدل السخيف، لكن هذه هى أول مرة فى التاريخ نختلف فيها حول «ثورة شعبية»، حيث تحاول قنوات مأجورة وعقول مغيبة، أن تقنع مائة مليون مصرى بأنها قامت على أرضهم، رغم أنهم لم يروها ولم يسمعوها ولا يعرفون أحدًا شارك بها.
إنها أحدث مساخر عصر الربيع العربى الأسود، الذى يوهم الناس بأشياء لم يروها بأعينهم ولم يلمسوها بأيديهم، ولكن القائمين على «المسخرة الكبرى» لديهم القدرة على الكذب ببجاحة نادرة، بأفلام مفبركة وصور مصنوعة تنشر على قنوات مأجورة ومواقع الذباب الإلكترونى، لإقناع الناس بالأوهام وبأن الأكاذيب هى حقائق دامغة لا تقبل التشكيك.
والمسخرة الأكبر والأدهى أن تجد أناسًا ظللنا نعتقد لسنوات أنهم محترمون، بحكم وظائفهم أو شهاداتهم الجامعية، أو لخلو سجلاتهم الصحية الشخصية والعائلية من أى إصابات بالجنون أو الأمراض النفسية، يصدقون هذه الأوهام ويتحدثون عنها وكأنها حقيقة لا ينكرها إلا المرجفين، أو الضالين، أو من سماهم كهنة ربيع الكذابين المطبلاتية والمعرضين.
هناك فرق بين ما تتمناه وبين ما يحدث على أرض الواقع، وإذا فقدت القدرة على التمييز بين أمنياتك وأحداث حياتك، فأنت حالة من اثنين... إما مريض نفسى أو ناشط من نشطاء الربيع الأسود، وفى كلتا الحالتين أنت مريض وتحتاج إلى مساعدة طبية.
وهذا يذكرنى بعبارة جميلة قالها عبقرى الطب النفسى الدكتور يحيى الرخاوى مفادها أنه قد يكون من الطبيعى أن تتحدث مع نفسك بصوت عالٍ ومع الباب مثلًا أو مع الدولاب، لكن عندما تشعر أن الدولاب بدأ يرد عليك فإن عليك أن تتوجه فورًا إلى عيادة الطبيب النفسى، وبناء على هذا فقد يكون من الطبيعى أن يتمنى بعض الإخوانجية والنشطاء والكلجية والسرسجية، وقوع ثورة فى البلد، وأن يرددوا وهم فى الحمامات ودورات المياه شعاراتها، ويصيحون بصوت مسموع «يسقط يسقط طعم البنجر» أو «الشعب يريد كوتشى جديد»، لكن عندما يسمعون من يهتف وراءهم بهذا الهذيان فعليهم البحث فورًا عن أقرب طبيب نفسى، حتى لا يصل المرض لحالة مستعصية ويتم إلباسهم البالطو الأبيض بالمقلوب، وإقناع كل منهم أنهم سيزوجونه «هنومة» بعد أن تعين الثورة «قناوى» رئيسًا لأول حكومة من المجانين الذين كانوا يهتفون وراءه..!!
ما رددته قنوات الجزيرة و«مكملين» والشرق ووكالة الأناضول مساء الجمعة، هو قمة الهلوسة التى أنتجتها مهزلة الربيع الأسود، الذى باع للحمقى «وهمًا» أشعل بلدانًا بأكملها، وهجر ملايين تشردوا حول العالم، وأصبحوا لعبة قذرة فى يد سياسيين كذابين، مثل رجب طيب أردوغان.. الذين صدقوا أوهام الربيع الأسود وخرجوا كالمهاويس تحركهم آلة الكذب الجبارة، أحرقوا سوريا وليبيا واليمن، وأدخلوا ملالى إيران إلى قصور الحكم ليصبحوا أصحاب القرار الأول فى كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وقطر، ويوجهون الطائرات المسيرة والصواريخ لضرب مصافى البترول فى السعودية.. وأهداف أخرى مدنية وعسكرية.
الذين صدقوا أوهام الربيع الأسود جعلوا إسرائيل تعيش وحدها فى سلام وأمان، رغم هتافات المتأسلمين «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» بعد أن أقنع كهنة الربيع كل المغيبين، بأن استعادة القدس لن تتم إلا بعد إحراق دمشق والقاهرة وبغداد وطرابلس الغرب وصنعاء، والغريب أن النشطاء الشمامين إضافة إلى الموهومين الذين يتبعونهم، يرددون هذا الهبل، على صفحاتهم فى السوشيال ميديا، ويصدقون قنوات الهذيان الإعلامى التى تبث من الدوحة وإسطنبول.. والتى أكدت أن شوارع مصر تموج بـ«ثورة الشك».. مع الاعتذار للأغنية الشهيرة لأم كلثوم.
قد يسألك أحد أصحاب الحالات غير المستعصية من هؤلاء، والتى يمكن إنقاذها بجلستين أو ثلاث، هل تنكر أن أسباب الثورات كانت متوافرة فى دول الربيع الأسود؟ وأن هذه الثورات خلعت حكامًا يستحقون الخلع؟ وعليك أن تجيب عليهم بلا تردد، نعم كان كثير منهم يستحقون الخلع، لكن هناك فرق بين أن تثور لتحقق مصلحة بلدك، وبين أن تثور لتحول خارطة الشرق الأوسط المفتت والمجزأ والتى كانت معلقة لسنوات فى مبنى البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية إلى حقيقة، هناك فرق بين أن تثور لأنك تريد بناء بلدك، وبين أن تتثاور لإحراقها، أو أن تسعى لهدمها على طريقة «إنسف حمامك القديم» حتى تبنيها من جديد، كما كان «الكلجية» يرددون فى أحداث محمد محمود.
فى الجنة يعدنا المولى عز وجل بأن نجد «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، ويريد كهنة وسحرة الربيع الأسود أن يقلبوا الآية عن طريق آلة الكذب العملاقة التى تدار بالمليارات، ليجعلونا نرى فى بلادنا المحترقة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فيقنعون مائة مليون أن هناك ثورة قامت حتى لو لم يروها، وأن مرسى راجع للاتحادية بعد أن مات، وأن جبريل- عليه السلام- نزل على الكذابين والقتلة فى «رابعة»، وأن مخابرات أمريكا وبريطانيا سوف تقودنا إلى بر الديمقراطية.
من حق كهنة وسحرة الربيع الأسود ومن يمولهم ويدربهم ويحبك لهم السيناريو الجحيمى، أن يكذبوا كما يريدون، وأن يمارسوا ألاعيب الخداع التى تفوقوا فيها على إبليس، حيث جمعوا ملايين المهاويس خلفهم، لكن ليس من حقى أن أفرط فى عقلى وأسير وراءهم إلى الجحيم وأنا مفتوح العينين..
ومن يقبل أن يساق فى القطيع، فيرى ما لا يرى ويسمع طنينًا لا وجود له، فقد حرم نفسه من احترامنا إلى الأبد، وحق علينا أن نصفهم بالخبل والجنون، وأن نبعدهم عن مواقع التأثير خوفًا من انتشار عدواهم وعمى قلوبهم بين الناس.
الذين يقبلون أن يقودهم حكام عملاء كارهون لنا فى كل من الدوحة أو إسطنبول، وقنوات الكذب والتضليل التى تبث من هناك، قد اختاروا مصيرهم مع سبق الإصرار والترصد، اختاروا أن يكونوا مجرد خراف أو دواب تسير إلى الجحيم مفتوحة الأعين.. وهنيئًا لهم باحتقارنا، واحتقار من يقودهم ويسلب عقولهم.