رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحياد خيانة


لم يكن اختيارنا عنوان «رؤية خبير» للمقال الذى ألتقى فيه حضراتكم بجريدتنا الغراء «الدستور» من فراغ، بل إنه جاء نتيجة اهتمامى بأن أكون ليس مجرد ناقل للأحداث فقط ولكن دارس لها ومحلل لجميع جوانبها للوصول إلى الدروس المستفادة منها.
من هنا فقد كنت حريصًا على متابعة الأحداث الأخيرة منذ ظهور الفيديوهات الخاصة بالمدعو محمد على ووائل غنيم وأساليب مخاطبتهما الشعب والشباب المصرى وهما يقومان بتدخين المخدرات والإتيان بتصرفات غريبة على المجتمع المصرى، على قنوات اليوتيوب الخاصة بهما، ولكنها لفتت أنظار فئة مضللة للأسف من الشباب الذين اختلفت ثقافتهم منذ أحداث يناير ٢٠١١، حيث تسلطت عليهم ثقافة العنف والسخرية والرفض لأى تطور مهما كانت نتائجه الإيجابية، وللأسف ساعد فى ذلك ظهور العديد من مدعى الفن والثقافة والغناء أمثال حمو بيكا ومحمد رمضان، حيث كانت أعداد الشباب التى تحضر حفلاتهم غير منطقية ولا معقولة، ثم تابعت تلك الحالة حتى يوم الجمعة الماضى وهو الوقت الذى طلب فيه المسخ محمد على من الشباب التجمع فى ميدان التحرير وحدد لهم التوقيت وهو مساء ذات اليوم، وهنا لا بد أن نقف قليلًا ونفكر فى أسباب تحديد هذا التوقيت، لنجد أن هناك مباراة مهمة لكرة القدم بين فريقى الأهلى والزمالك وأنه لا بد أن تكون هناك مظاهر احتفالية لجماهير النادى الذى سوف ينتصر. ومع إدخال بعض التقنيات الخادعة فمن الممكن أن نجعلها مسيرات اعتراضية أو رافضة للأوضاع داخل البلاد، كما أن هذا اليوم كان توقيت سفر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، لإلقاء كلمة مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة والمحدد موعدها سلفًا من العام الماضى، ولكن هؤلاء من الممكن أن يستغلوها بشكل آخر.
ومن هنا فإننا تأكدنا أن هناك أجهزة استخباراتية واعية تمامًا لما يحدث فى البلاد من وقائع يومية وأساليب استخدامها العكسى ضد مصالح الوطن. فلا يمكن أن يصل تفكير الفاشل محمد على إلى تحديد هذا الموعد حصريًا. فهو مجرد أداة ساذجة تم استخدامها باحترافية من قبل هذه الأجهزة وسوف يتم الاستغناء عنه فى أقرب فرصة، ولا مانع أن يكون هناك أسلوب آخر لنستدر به تعاطف فئة أخرى من الشباب تحت شعار أن الإخوان المسلمين اختطفوا منهم الحلم وسرقوا ثورة يناير ٢٠١١ ومن بين هؤلاء المدعو وائل غنيم كأسلوب بديل للأداة الأخرى حال فشلها. وقد كان الهدف من تحريك هذا أو ذاك هو مدى تأثر الشارع المصرى بهما خاصة فئة الشباب، ثم بعد ذلك نبحث عن وسائل أخرى لتصعيد الأحداث بشكل تدريجى.
وبالرغم من أن أعداد الشباب الذين تواجدوا فى التوقيت الذى تم تحديده تكاد لا تذكر إلا أنها تعطى انطباعًا سبقت الإشارة إليه قبل ذلك، وهو ضعف الوعى والانتماء لدى شريحة من الشباب، كذلك أيضًا أن الخلايا النائمة لجماعة الإخوان الإرهابية ما زالت قادرة على الحشد حتى ولو بدرجة أقل كثيرًا مما سبق، وهذا هو أسلوبهم ولن يتغير إلا عندما تحين الفرصة للانقضاض على الشارع مثلما حدث يوم ٢٨ يناير ٢٠١١.
ثم نأتى إلى التعامل الإعلامى فى مواجهة تلك الهجمة الساذجة من هاتين الشخصيتين محمد على ووائل غنيم، وإن اختلف أسلوب الأداء بينهما ولكن الهدف واحد حيث وجدنا أن الإعلام فى بداية الأمر لم يعطِ الموضوع الأهمية المطلوبة، واكتفى بانتقاد الأشخاص دون أن يتطرق لأغراضهما الخبيثة، لدرجة أن أحد الإعلاميين استشهد ببكاء وائل غنيم بأنه ندم على ارتباطه بجماعة الإخوان وأنه كان ضحية لهم. إذن فقد كان الاهتمام ينصب على الشكل فقط دون المضمون، وأعتقد أن لهم عذرهم فى ذلك لعدم خبرتهم بوسائل الجماعة الإرهابية ولا بأساليب أجهزة المخابرات المعادية فى تأجيج النفوس والمشاعر لدى الشباب المغيب. يأتى هذا أيضًا فى غياب كامل عن دور الأحزاب وتأثيرها على الشارع المصرى والاكتفاء بإصدار بيانات التأييد والتنديد والحرص على أن يكون ذلك على جميع وسائل الإعلام المتاحة، أما عن دورهم فى استيعاب وتوعية الشباب من مخاطر الانزلاق فى هذا المخطط الدنىء فيكاد يكون معدومًا، حيث تقاس قوة الأحزاب بمدى قدرتها على تحريك الشارع إذا استدعى الأمر ذلك، وأيضًا أن تتصدى إلى حملات التشويه والتشكيك فى تلك الإنجازات التى تحققت وما زالت تحقق يوميًا على أرض الواقع من سواعد مصرية شريفة.
إلى أن وصلنا إلى يوم الجمعة المرتقب، حيث كانت أعداد من نزلوا إلى الشوارع لا تتعدى العشرات فقط، وكانت لمجرد حب الاستطلاع أو الاستعراض، وهو ما قوبل بالكثير من الحنكة والذكاء فى تعامل رجال الشرطة معهم، حيث أعطت لهم الفرصة للعودة من حيث أتوا ولم تعترض طريقهم، بل فتحت مجالات للحوار مع البعض منهم، ونجحت فى إقناعهم بمغادرة المكان وعدم الوقوع تحت براثن حملات الخداع والغش التى تتقنها جماعة الإخوان الإرهابية وأجهزة المخابرات الخارجية.
والآن نأتى- كما تعودنا عند دراسة كل أزمة مهما كانت صغيرة- إلى مرحلة الدروس المستفادة وكيفية التعامل مع مثل هذه المحاولات مستقبلًا وعدم استغلال الشباب الذين قد تسهل السيطرة عليهم تحت وطأة الحاجة إلى العمل مثلًا أو ممن يتعاطون المواد المخدرة وغيرها من أساليب السيطرة.
أولًا: أثبت الشعب المصرى بجميع فئاته وانتماءاته رفضه الكامل محاولات هدم الدولة المصرية والعودة بها إلى ما بعد ٢٠١١ وحتى ٢٠١٤ وتأييدهم المطلق للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
ثانيًا: إن الفئة المستهدفة هى فئة الشباب متوسطى أو عديمى التعليم، والذين يعانون من الفقر أو البطالة، وهى فئة من اللازم الالتفات إليها والعمل على احتوائها والاهتمام بها.
ثالثًا: إن الإعلام ما زال مقصورًا على أسلوب رد الفعل وإن معظم القائمين عليه يفتقدون البعدين السياسى والأمنى، بالإضافة إلى التمسك بعناصر إعلامية معينة بعضها فقد مصداقيته لدى رجل الشارع العادى، وبالتالى فلا بد من اللجوء إلى شخصيات أخرى لا يشترط أن تكون إعلامية، ولكن لها قبول وتأثير لدى المواطن المصرى، وتكون محل مصداقية وثقة لديه.
رابعًا: إن أساليب جماعة الإخوان الإرهابية لم تتغير، حيث تستخدم الغش والتدليس الإلكترونى، بالإضافة إلى إجادة ترويج الشائعات ونشرها على نطاق كبير فى توقيت قصير، ولكن هنا يمكن القول وبقدر كبير من الارتياح إن تلك الأساليب قد فقدت الكثير من مصداقيتها وتأثيرها على الشارع المصرى مؤخرًا، وهو ما ظهر جليًا فى التصدى للدعوة للنزول بل ومهاجمة الداعين والداعمين لها سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعى أو فى اللقاءات والأحاديث العامة.
خامسًا: إن أجهزة الشرطة أصبحت على وعى ودراية كاملة فى التعامل مع هذا الشباب المغيب بحسبانه قد تم التغرير به لأغراض غير معلنة هم أنفسهم غير مدركين لها.
ومن هنا فقد كان لسرعة التصدى لهم وكشف حقيقة المؤامرة عليهم تأثير إيجابى كبير تم من خلاله احتواء الموقف بسرعة، لدرجة أن العديد من وسائل الإعلام عقب توجهها إلى ميدان التحرير، لم تجد أحدًا من هؤلاء الشباب بالفعل.
ولكن تبقى لنا عدة ملاحظات مهمة من الواجب الإشارة إليها:
- إن الوجوه الكريهة التى صاحبت أحداث يناير ٢٠١١ ما زالت تترصد أى موقف لإعادة ظهورها مرة أخرى على مسرح الأحداث، ومن هنا فإنه يجب أن ننتبه جيدًا لمثل تلك الشخصيات وهذه المحاولات.
- إن هناك أحزابًا تضم العديد من العناصر وتعتنق الكثير من الأفكار المتعارضة مع توجهات الدولة، وتتمنى سقوط الدولة بغض النظر على التداعيات التى سوف تترتب على ذلك، منها حزب الكرامة والدستور والتحالف الاشتراكى، وأعتقد أنه أيضًا لا بد من التعامل مع كوادر تلك الأحزاب باحترافية سياسية جديرة بإعادة النظر فى مواقفها المعادية وليست المعارضة. فهناك فارق كبير بين العداء والمعارضة.
- إن هناك العديد من الكوادر المثقفة ورجال الفكر وأيضًا رجال الدين والقانون والصحافة كانت مواقفهم باهتة أمام ما يحدث حاليًا على الساحة، إما خوفًا أو تعمدًا أو ترقبًا. ولهؤلاء أقول إن «الحياد خيانة» وأنا على يقين أنكم وطنيون محبون لهذا الوطن.
وتحيا مصر.