رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غذاء السمك

جريدة الدستور



.. ثم رأيت خمسة من الرجال الغلاظ المليئين بالشعر وهم يقتلون رجلًا ويمزقونه بالمُدَى ويبصقون عليه، وبشكل غريزى نظروا إلىّ فوق فلمحونى وأنا خلف الشيش، خَرَجَت منهم أجنحة ملونة بألوان فاقعة حتى صاروا يشبهون ملائكة الصور، وارتفعوا عن الأرض حتى لمسوا النافذة، أزاحونى بخشونة ودخلوا..
فى نفس الوقت فُتح باب الغرفة ودخل أبى وأمى وأخوتى ومعهم خلق كثير بينهم صديقى، اتجهوا ناحية الأوراق ومزقوها كلها..

من المخدرات، التى أزرعها فى غرفتى منذ سنوات طويلة تعلمت أن أضحك. أضحك بنَزَقٍ وبما يُشبه البَلَه على أى شىء أتخيل أنهم قاموا به.. قبل ذلك، عندما كان صديقى يضطرنى للابتسام على أفعالهم كانت شفتاى ترتجفان وتصطك أسنانى وتتأرجح عضلات الوجه بين الانقباض والانبساط وتسقط أكتافى ويتساقط جلدى قطعة قطعة لأبدو أبلهًا.. أقصد عاريًا.. قبضة من الفولاذ كانت تظهر لتدوسَ الضحكات إلى الداخل، حتى تنعجن وتضيع ملامحها فى عينى.. وكلما خرجت مرتعشة لتتنفس، لا تعود ثانية لمقرها الأسود بل تنطلق فى الهواء وتختفى.. أما الآن، ومنذ اليوم فأنا أضحك بأعلى صوت، وبانطلاق لا يحده حدود، لأعوض ما فات.. نجَحَت التميمة التى خلَّقتها بنفسى فى إطلاق روحى وفك عُقَد الأنسجة والخلايا والترتيب على كف الحَفَّار العجوز الذى يُوسع قطر المسام..

أكتبُ فى الظلام، اعتدت على ذلك منذ أن اكتشفت الكتابة، حيث إن النور يجعلنى أرفع رأسى عن الأوراق كل برهة، لأتأكد أنه لن يفاجئنى وينقطع فجأة فينشف دمى.. أنا أحيا فى الظلام لكنى أكره أن أحس بالفرق القاسى بينه وبين الضوء، ثم أنَّ بيتنا ملىء باللمبات التى تشع وهجًا غبيًا، عند التحديق فيه يسحبك إلى أشباحه، أشباحه الملائكية المقرفة، التى ترتد سريعًا إلى حقيقتها القبيحة المخيفة.. إنه يسلبك وعْيك وبعدها يعيدك وأنت تُشبِهُ الخِرقَة، وبعد أن تكون حوافك قد احترقت..
أشباح الظلام أكثر صدقًا وأقل افتعالًا، إنها تتسلل بجوارك وتُدخل أذرعتها فى ذراعك ببطء وليس بفظاظة، فقط عينان تحترقان وتضيئان ظِلَّكَ المنطفئ، وتحشدان حواسك لصرخة داخلية مريحة، لن يؤدى إلى كتمها فقدان الوعى..