رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدِّق ما تراه.. لا ما تسمعه..

محمد الباز يكتب: ثورة الأرشيف.. خطة إنقاذ مصر من التخريب والفوضى

ميدان التحرير
ميدان التحرير

لما يقترب من الشهر حرصت منصات جماعة الإخوان الإرهابية على التحريض المباشر على مصر، مستغلة فى ذلك مقاولًا أجيرًا هاربًا لم يقدم دليلًا واحدًا على كل ما قاله.
بذلتْ أقصى ما تستطيعه لشحن الناس ودفعهم للتظاهر.
أنفقت على ما أرادت تحقيقه ملايين الدولارات، حتى تعيد مرة أخرى العجلة إلى الوراء.
لكن المحاولة فشلت تمامًا.
لن أقول لك إن شيئًا لم يحدث فى الشارع المصرى، فقد قضت مصر ليلة السبت، 21 سبتمبر، وهى تترقب حابسة أنفاسها، وسط حالة من الترويج الكاذب لخروج الشعب فى ثورة حاشدة، رغم أن ما حدث بالفعل لم يخرج عن كونه مجموعات متفرقة فى عدد من المحافظات، زادت فى بعضها قليلًا، سرعان ما تبددت وتفرّقت، وهو ما يجعلنى أقول لك: صدّق ما تراه فقط.. أما ما تسمعه أو حتى تشاهده عبر منصات التواصل الاجتماعى فلا تثق فيه مطلقًا.
 
يمكن أن تظل أسيرًا لحالة الحراك الإلكترونية التى تراها على منصات التواصل الاجتماعى، وتقول إن التواجد فى الشارع كان كثيفًا وعنيفًا، وإن الجماعة الإرهابية التى خططت وأنفقت نجحت فيما تريده، لكننى سأختلف معك تمامًا، فما حدث على الأرض أن الجماعة فشلت فشلًا ذريعًا، وفشل معها كل من تعاون أو هتف بالوكالة أو اعتقد أنه صاحب قضية مستقلة.
تريد منى دليلًا على ما أقول، من حقك بالطبع.
لكن قبل أن أقدم لك دليلًا، هل يمكن أن تسأل نفسك سؤالًا، وهو: إذا كانت الدعوة للتظاهر نجحت، وإذا كان الناس استجابوا لها بقوة، فلماذا لجأت قناة «الجزيرة» وقنوات الإخوان الناعقة من تركيا، وصفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعى، إلى فبركة فيديوهات وصور، ونشرها على أنها لما يجرى فى مصر؟
أغلب الظن أن الجماعة الإرهابية ومن يتعاونون معها ومن يسيرون فى ركابها فعلوا ذلك لأن ما حدث على الأرض كان أقل بكثير جدًا مما توقعوا، ولذلك لجأوا إلى سلاح الأرشيف يستخرجون منه الصور والفيديوهات ليعيدوا إنتاجها من جديد، متجاهلين أن هذه الحيلة من السهل كشفها، لكن يبدو أنهم متعجلون فى تحقيق النتيجة التى يريدونها، ولذلك يلجأون إلى كل وأى شىء ليصلوا إلى النقطة الأخيرة، وهى زوال نظام عبدالفتاح السيسى وعودتهم من جديد.
المدهش أننا أمام حالة من الغيبوبة التى يعيشها قيادات الجماعة، وهى الغيبوية التى تصور لهم الأمور على الأرض فى مصر على غير حقيقتها، ما يجعلهم يعتقدون أن خروج البعض وهتافهم فى الشوارع يمكن أن يهز دولة- دولة استقرت بالفعل، وبدأت فى الانطلاق ناحية حصد نتائج الإصلاح- فسارعوا إلى استغلال ذلك للدرجة التى جعلتهم يعتقدون أنهم يمكن أن يحزموا حقائبهم ويعودوا إلى مصر مرة أخرى.

ولأنهم يعيشون فى الغيبوبة، فهم يعملون بنفس الطريقة التى أنتجت الفوضى والخراب فيما تعاقب علينا من سنوات بعد 25 يناير 2011.
لم يكن الهدف فيما يبدو مجرد التظاهر، كان الإخوان يريدون قتلى، دمًا يُراق، حتى يرفعوا ما يعتبرونه وقتها قميص الشهداء، يطالبون بحقهم رغم أنهم من أخرجوهم ودفعوهم للهلاك، وهو أمر معتاد لديهم، لا جديد فيه على الإطلاق.


مفاجأة.. شهيد الإسكندرية: "والله أنا حي والصورة لواحد ميت من 2013"

حتى الساعات الأولى من صباح السبت كانت الأمور فى مساحة المعتاد جدًا، فاخترعت الجماعة وإعلامها حكاية سقوط قتلى، وأشاروا إلى اثنين بالتحديد، الأول هو خالد محمد صالح، وقالوا إنه مات مختنقًا بسبب الغاز فى منطقة الدراسات بالمنصورة، والثانى أحمد أبوليلة، الذى ادّعوا أنه مات بالغاز أيضًا فى مسيرة بسيدى بشر.
ولأن الزيف لا يستطيع الصمود طويلًا، فقد اتضح أن الأول، وهو خالد محمد صالح، توفى فى 28 أكتوبر 2013 فى شبرا وليس المنصورة، وكتب أصدقاؤه كلمات مؤثرة لوداعه على صفحته على «فيسبوك».
أما الثانى، وهو أحمد أبوليلة، فقد ثبت أنه حى يرزق، وعلى صفحته بـ«فيسبوك» قال لمن ينشرون صورًا له باعتباره شهيدًا: «يعنى ينفع كده، والله أنا حى أرزق، ياريت الناس تبطل تنشر أى كلام وخلاص، شيروا يا جماعة لو سمحتم».
كان الهدف إذن هو دفع النظام إلى مواجهة جديدة مع الناس بلغة الدم الذى لا بد أن يكون له ثمن.
تعجُّل الخصوم جعلهم يقعون فى أخطاء مشابهة وكاشفة، والمفروض أنها مخجلة، هذا لو كانوا يخجلون بالطبع.


وكالة «الأناضول»، وهى الوكالة التركية التى لا تُخفى هواها السياسى وبغضها الشديد لكل ما تقوم به مصر، سيرًا على خطى أردوغان وعصابته، كشفت الغطاء عن خطة الكذب الممنهجة التى يعمل بها معسكر الأعداء.

نشرت «الأناضول» صورة لمصريين فى ميدان التحرير، الصورة بها حشد هائل، وكتبت عليها: لأول مرة منذ سنوات.. مصريون يهتفون ضد السيسى بميدان التحرير حتى الساعة 22:00 (ت. غ) بات هاشتاج «وسم» #ميدان_التحرير، الأول تداولًا على تويتر فى #مصر، والثالث عالميًا بعد وقت من حديث المعارضة عن انطلاق تظاهرات وسط القاهرة.

وعندما تفتش فى الأرشيف ستكتشف أن الصورة التى نشرتها «الأناضول» نفسها تسجل لحظة احتفال المصريين فى ميدان التحرير بوصول مصر إلى كأس العالم، وكان الاحتفال فى العام 2017.
الأمر نفسه تكرر على إحدى الصفحات الإخوانية، حيث نشرت صورة لاحتفالات المصريين فى ميدان التحرير بفوز المنتخب الوطنى فى يونيو 2019، على أنها صورة لأحداث الجمعة 20 سبتمبر.
يمكن أن تقيس على هذا الكثير من الصور والفيديوهات التى تم تركيب صوت هتافات معادية للنظام عليها، ثم إعادة إذاعتها على أنها حديثة، هذا بالطبع غير السيناريوهات الكثيرة التى وضعها الإخوان وحلفاؤهم لما ادّعوا أنه ارتباك داخل النظام المصرى.



ما حدث بالفعل يدفعنا إلى التفكير بعقل شديد ومنطقية ضرورية وتروٍ مطلوب.
لا أنحاز بالطبع لمن يقللون من خطورة ما جرى، فمع اقتناعى الشديد بأن الحراك على الأرض كان هزيلًا جدًا، لكن لا يمكن أن نتجاهل الحراك الإلكترونى الذى يمكن أن يتحول إلى حراك على الأرض وبعنف، بعد الترويج لأفكار من نوعية أن الناس كسرت حاجز الخوف، وأن المصريين هتفوا لأول مرة ضد نظام عبدالفتاح السيسى، وهو ما ليس صحيحًا بالمرة، فلم يكن ما جرى أول حراك على الأرض فى عهد السيسى، لكن ربما يكون الأكثر صخبًا.
ولذلك فإننا أمام تحديات واضحة جدًا، علينا أن نعمل بجدية شديدة حتى نتجاوزها، لأننا إن لم نفعل ذلك فببساطة شديدة يمكن أن نجد أنفسنا فى فخ لن نتمكن من الفرار منه، حتى لو خرجنا على الناس بألف دليل يقول إن ما يحدث كاذب ومفبرك وإفك تام.
كان لافتًا بالنسبة لى أن كثيرين من الداعمين للدولة والمؤيدين لمشروع 30 يونيو يحاصرهم القلق كلما رأوا صورة منشورة أو شاهدوا فيديو يتم تداوله، الغريب أنهم كانوا يعيدون نشر هذه الفيديوهات، دع عنك أن معظمها كاذب، فالأولى بهؤلاء أن يقفوا موقفًا مبدئيًا برفض كل ما يحدث، لأنهم يعرفون من يقفون وراءه وماذا يريدون.
شىء من هذا يمكن أن نشير إليه على أنه بداية الخيط لإنقاذ مصر من الخراب والفوضى، وهى أمور يخطط لها الخصوم بدأب وسخاء، نحن الذين يجب أن نحافظ على تماسك جبهتنا الداخلية، أن نوضح للناس حقيقة ما يحدث على الأرض، وهو ما فعله كثيرون بالمناسبة، نزلوا إلى الأماكن التى ادّعى الإخوان ومَنْ وراءهم أنهم يتظاهرون فيها، وصوروا على الأرض ليكشفوا الحقيقة.





هل أفصح لكم عن أمر مدهش جدًا ومستفز فى آنٍ واحد؟.
فى الوقت الذى يقوم فيه خصوم الدولة بالتظاهر الإلكترونى وتدوين التغريدات على «تويتر» وكتابة التعليقات على صفحاتهم بـ«فيسبوك»، وترويج الأكاذيب المصورة بالفيديو، أجد الكثيرين من مناصرى الدولة يقفون صامتين تمامًا، لا يقومون بدورهم الطبيعى جدًا فى توضيح الحقائق التى تكون عند أطراف أيديهم، بل المؤسف بالفعل أنهم يتماهون مع خصوم الدولة، فيضيفون إلى رصيدهم ما لا يملكون ويمنحونهم قوة ليست لهم من الأصل.
لقد مضى الوقت الذى يجب أن نقنع فيه أنصار الدولة بأننا نواجه خطرًا، لأن الخطر أصبح واقعًا.
نراه فى تحريض القنوات المعادية علينا ليل نهار.
ونراه فى محاولة صنع حالة ثورية كاذبة من خلال صور وفيديوهات وأحداث مفبركة تمامًا.
ونراه فى تحالف كل من لم يستطع تحقيق مكسب بعد 30 يونيو، فتحول إلى مُعارض ومحرض وراغب فى خرابها على الجميع، والأسماء معروفة ومحددة ومعلنة.
الآن نحن فى حاجة للوقوف بوضوح أمام هذا السيل من الزيف الذى لا يريد أن يتوقف.
مقاعد المتفرجين لا تليق بالشعب المصرى الذى لا بد أن يكون فاعلًا فى مواجهة أعدائه، الذين يصرون على خداعه بأنهم أصدقاء محبون ومخلصون.
على الجانب الآخر، لا بد أن تتحرك الحكومة وبأقصى سرعة لاستيعاب غضب واحتقان قطاعات من الشعب أضيرت من سياسات الإصلاح الاقتصادى، فهؤلاء صيد سهل جدًا، يمكن استخدامهم بسهولة وتحويلهم إلى براميل بارود سرعان ما تنفجر فى وجوهنا.. وهذا جانب مهم من جوانب إنقاذ الدولة المصرية أيضًا، فلا يمكن أن نترك للعدو وقودًا يشعله فى وجهى وأنا قادر على منعه من استخدامه.
ما حدث فى 20 سبتمبر يمكن أن يتكرر، الذين خططوا له يعيشون الآن زهوة الانتصار الكاذب، لكنهم فى النهاية يتعاملون معه على أنه نصر كبير، وهو ما منحهم دفعة معنوية هائلة، ستجعلهم يطمعون فيما هو أكثر، ولذلك فالوعى الآن مهم بأننا دخلنا جولة جديدة من المعركة التى يتعامل معها الإخوان على أنها معركة مؤجلة، وحتمًا ستأتى.
أسلحة الإخوان الخارجية، رغم التمويل الذى يحصلون عليه، والدعم المخابراتى الذى تقدمه لهم دول بعينها، ليست قوية بما يكفى، إلا أن الشعب إذا غفل لحظة واحدة، وتعامل باستهانة مع ما يُدبر له، سيمنح هذه الأسلحة قوة ليست لها، وهذا هو الخطر الحقيقى.