رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد غنام يكتب: ماذا لو استجاب الله لدعاء الأمهات؟


 

5 يوليو 2030، خرجت مترنحًا من الفيلا التي أعيش فيها بمنطقة التجمع الخامس، أبحث عن أي سيارة تقلني إلى المستشفى، ولكن دون جدوى، بعد أن رفض الجميع العمل في أي مهن أخرى تخالف مؤهلاتهم الدراسية. 

حالة من الفوضى في كل المجالات، لا الشوارع نظيفة، ولا المصابيح تعمل، و"طفحت" مياه الصرف الصحي بكل مكان، اختفت وسائل المواصلات، وصار الخبز شيئًا نادرًا. لا شيء على الإطلاق.

ارتفعت معدلات العنف، واقتربت مصر من مجاعة عظيمة. لم يعد هناك شخص واحد قادر على صناعة إبرة، أو زراعة قمحة، وعم الخراب أرجاء المعمورة. 
حسنًا؛ هذا ما سيحدث بكل تأكيد إن لم نتوقف عن السعي وراء أسطورة "كليات القمة".
أيام قليلة وينطلق العام الدراسي الجديد، بما يتضمنه من "سبلايز" ودروس خصوصية، ومصروفات تثقل كاهل الأسرة المصرية، وأحلام وطموحات وأدعية من الأمهات والآباء على حد سواء، تتمحور أغلبها - إن لم تكن كلها - حول "كليات القمة".
في فيلمه "مجتمع الشعراء الأموات" (1989)، يقدم لنا كاتب السيناريو توم شولمان، نموذجًا لمشكلة لا تواجه فقط المجتمع المصري، بل طالت كذلك المجتمع الأمريكي كنموذج، وربما الكرة الأرضية بأكملها.

يحكي "شولمان" قصة حياته في أكاديمية بيل مونتغمري في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، حيث يرفض الطلاب دراسة الشعر، باعتباره شيئًا غير مهم ومملًا.

في بحثه عن معنى الحياة يبين شولمان - على لسان البطل جون كيتنغ (روبن ويليامز) - أن "الجنس البشري تمثله إلى جانب الطب، والقانون، وإدارة الأعمال، والهندسة، العاطفة أيضًا. كل هذه مساعٍ نبيلة وضرورية للحفاظ على الحياة. لكن الشعر والجمال، الرومانسية، الحب، هذه هي ما تبقينا على قيد الحياة".

يمكننا أن نطبق نموذج "شولمان" على واقعنا المصري، فالحياة لا تستقيم بالأطباء والضباط فقط (كأبرز إجابتين للسؤال التقليدي: تحب تبقى إيه لما تكبر؟). 

المجتمع المصري يحتاج إلى "إعادة نظر" فيما يتعلق بتناولنا للمستقبل، فمصر بالتأكيد تحتاج- بجانب الأطباء والضباط - إلى الأدباء، والمعلمين، والسائقين، والمزارعين، والعمال.

هذه المهن لا تحط من قدر صاحبها أبدًا، ولا تستوجب النظرة المتعالية - باعتبار أن لفظة فلاح تقال على سبيل التحقير من شخصٍ  ما - بل إن الحياة لا تستقيم بدون أصحاب هذه المهن أصلا.

هل يمكننا أن نتصور مجتمعًا لا يوجد به عمال وفلاحون ومعلمون بالمجالات كافة؟ بالقطع لا. 


التغيير في هذه النظرة يمكن أن يبدأ من أولياء الأمور باعتبارهم عصب الأسرة والمكون الرئيس لحياة كل طفل أو طالب، كما يمكن أن يتم كذلك عبر حوار مجتمعي تتبناه الدولة، من خلال البرامج التليفزيونية ومنظمات المجتمع المدني واللقاءات الحزبية، بل وبرامج تأهيل المعلمين. كما يجب كذلك تبني حملات للمساهمة في تغيير تلك الرؤية عبر الأعمال السينمائية.

تغيير تلك النظرة يمكن كذلك أن يتم بنموذج تتبناه الدولة في التعامل مع أصحاب المهن وتقديرهم، بما يبرز تأثيرهم ودورهم المهم في المجتمع، وتقديم صورة إيجابية عن الخيارات الأخرى المتاحة في التعليم، بجانب ما يطلق عليه "كليات القمة".

مقالات أحمد غنام: