رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتمية التصحيح قبل وقوع الكارثة


فى فترة التسعينيات كان هناك نشاط ملحوظ للجماعات الإرهابية المتشددة فى مصر نتيجة عوامل كثيرة لا مجال لشرحها الآن، فهى معروفة للجميع، ولكن مصر وجدت نفسها تلتحى ويرتدى نساؤها الحجاب والنقاب، وظهر من الشباب الصغار من يقول إنه يريد تعبيد المصريين ودعوتهم لدينهم من جديد، وكأننا كنا كفارًا أو لا نعى من الدين شيئًا.
برزت فى تلك الفترة محاولات جر الكتاب والعلماء إلى المحاكم، فكان أن أبدى الدكتور عبدالصبور شاهين ملاحظة على بحث ترقية قدمه الدكتور نصر حامد أبوزيد لجامعة القاهرة ليترقى إلى درجة أستاذ مساعد، ولم يسكت عبدالصبور شاهين وحرض البعض على رفع دعاوى قضائية للتفريق بين الرجل وزوجته، باعتبار أنه أصبح كافرًا، وبالفعل قضت المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته، ولولا أن الرجل سافر خارج البلاد لكان هناك من يكمل شرع الله فيقتله بناءً على فتوى أفتى بها بعض هؤلاء المتشددين والتى تبيح قتل المرتد.
من هنا تنبهت الدولة لخطورة ما يحدث وبدأت تصحح بعض مسارات قوانينها ولا تتركها لكل عابر سبيل وقصرت إقامة الدعوى فى تلك المسائل على النيابة العامة، مما قلل كثيرًا من هذا النوع من القضايا الذى هدد به المتطرفون كل أصحاب الأقلام الحرة والشريفة فى مصر.
وربما لا يعرف الكثير من المسلمين أن هناك كمًا هائلًا من الخرافات والأساطير التى تمتلئ بها كتب التراث الإسلامى، ولا تتم الإشارة إليه إلا فى بعض المراجع والدوريات المختصة والندوات التى لا يحضرها إلا النخب من الباحثين والمفكرين وأصحاب الاختصاص، دون سائر العوام الذين يكتفون بما يروج فى المختصرات التقليدية فى الفقه والعقيدة والسير.
وبعد الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات، بدأ الحديث عن هذا الأمر يصل للبسطاء فى عقر دارهم وبدأ الفلاح البسيط والجاهل الذى لا يقرأ يسمع خرافات لا يصدقها عقل عن رضاعة الكبار وزواج الصغيرات والتسرى وغيرها من الأشياء التى لا تصدق، ومن هنا بدأت المطاعن والتشكيك وحملات هدم الدين، حيث سمحت وسائل الاتصال والإعلام بنفاذ الكثير من التهم التى يتوجه بها بعض المتربصين إلى الإسلام فيصيبون منها بسهامهم الكثير من النفوس المهتزة، بل وقد يصلون بتشكيكاتهم فى بعض الأحيان بالمسلم البسيط إلى التشكيك فى دينه كله، خاصة أن كل من تكلم فى هذا الأمر يواجه عادة من بعض المتطرفين ممن يسمون أنفسهم أهل العلم بفتاوى نارية وردود قد تخرج فى الكثير من الأحيان عن حدود اللياقة والأدب.
وأصبح من الواجب ومن المحتم أن يقوم رجال الدين بالمواجهة ولم يعد بالإمكان التستر على تلك الأمور الشائنة، وقد سبقنا إلى ذلك الكثير من العلماء والمحققين الأفذاذ، قديمًا وحديثًا، كالشيخ أبورية فى كتابه «أضواء على السنة المحمدية»، الذى يعد من أشهر البحوث فى هذا المجال، وقد اعتمدنا عليه كثيرًا فى هذا المقال.
الغريب فى الأمر أن بعض العلماء حاول التصدى لتلك الظاهرة التى عرفوها باسم الإسرائيليات التى تسربت إلى كتب التراث، ومن هؤلاء الشيخ الدكتور محمد الذهبى وزير الأوقاف الأسبق، عندما وضع كتابًا عن الإسرائيليات فى التفسير والحديث، بعنوان «التفسير والمفسرون» تكلم فيه عن تلك الظاهرة الخطيرة والقديمة التى لازمت الدين طويلًا دون أن يتنبه لها أحد، ويقصد بالإسرائيليات ما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب من أصحاب الديانات الأخرى، سواء أخذوا ذلك عنهم مشافهة أو من كتبهم، وقد أخذ المسلمون عنهم ذلك ونقلوا أخبارهم للعبرة والاتعاظ انطلاقًا من قول النبى، صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج. رواه البخارى عن عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما.
الغريب أن هناك من هاجم الدكتور الذهبى وتربصوا به وقامت جماعة التكفير والهجرة بخطف الرجل وقتله والتمثيل بجثته وإطلاق الرصاص على عينه اليمنى عام ١٩٧٧.
جماعة التكفير والهجرة أطلقت على نفسها جماعة المسلمين وما غيرهم ليسوا كذلك، وبدأت فى فرض أفكارها الساذجة على الناس، وهاجمت معهد الموسيقى العربية ومسرح فريد الأطرش لخطف عبدالحليم نويرة، مدير المعهد ورئيس فرقة الموسيقى العربية كرهينة، ووصفوا نويرة الذى دخل فى معركة مع إسرائيل لإنقاذ التراث الغنائى العربى وتسجيله رئيس فرقة الدعارة العربية، ولما لم يجدوه فجروا عبوة ناسفة بالمبنى، وعبوة أخرى انفجرت فى سينما سفنكس.
من أجل تلك الممارسات الشاذة التى ملأت عقول شبابنا فى تلك الفترة بل وملأت عقول الكثير من الناس كانت الدعوة إلى تنقية وتنقيح وتصحيح الخطاب الدينى من تلك الشوائب التى علقت بالدين دون تصحيح وأصبح التدين عندنا شكليًا ومظهريًا وليس حقيقيًا، وأصبحت الأخلاق شيئًا وتأدية الفروض الدينية شيئًا آخر، وأصبحت الذنوب كلها قابلة للغفران بالحج والجهاد فى سبيل الله، وهو ما أسهم فى انتشار الكذب والغش والرياء والتطاول وكثير من الموبقات الأخلاقية أو ما يسمى الذنوب الصغيرة.