رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالِم «الحلو».. والمتعالم القبيح


منجزات ضخمة قام بها العالم اللبنانى، أو الأمريكى من أصل لبنانى، جورج الحلو، الذى يفخر بلبنانيته، ويتفاخر بأنه نجح فى إثبات صحة نظرية أو أغنية «فيروز» والرحبانية: «إحنا والقمر جيران». وقام، بترجمة كلمات الأغنية إلى الإنجليزية، وأرسلها مع النسخة العربية إلى الكون كله، تعبيرًا عن محبته وعشقه لوطنه، الذى يرى أنه يجاور القمر فعلًا.
الدكتور جورج الحلو، هو المدير التنفيذى لمركز تحليل ومعالجة البيانات بالأشعة تحت الحمراء، IPAC، فى جامعة «كالتيك» الأمريكية. ومنذ أوائل الثمانينيات شارك فى كل المشروعات الفلكية الخاصة بالأشعة تحت الحمراء، التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية. وكان له دور كبير فى إدارة شبكات واسعة من المراصد المتطورة، مثل تلسكوبات «آرسيترى»، «إيراس»، «إيزو» و.. و.. «سبيتزر». كما قام بتصميم نظام يتيح الحصول على البيانات الأولية من تلك التلسكوبات وتحويلها إلى بيانات علمية، وشارك فى وضع برامج لرصد النجوم، وتحليل معلوماتها وتصحيحها وتعديلها وحفظها فى أرشيف فلكى.
بين أهداف الفيزياء الفلكية دراسة البدايات، ومحاولة معرفة من أين جئنا.. وهل نحن وحدنا فى الكون؟ غير أن رصد الظواهر الكونية بالتلسكوبات التى تلتقط الضوء المرئى، لم يكن كافيًا، بسبب الغبار الكونى الذى يحجب ظواهر أكثر، لذلك تم اللجوء إلى التلسكوبات التى تقيس الضوء غير المرئى، لاكتشاف خواص وظواهر جديدة للأجرام السماوية، ورصد ما يحيط بها من غبار كونى، لم تكن التلسكوبات العادية قادرة على رؤيته، كتلك الرقعة السماوية التى كانت تبدو سوداء وفارغة فى تلسكوبات مراقبة الضوء المرئى، وأظهر تلسكوب «سبيتزر» أن بها «مشتل نجوم»، أو سحابة غبار هائلة، تتشكل فى داخلها نجوم وأجسام فلكية أخرى.
تلسكوب «سبيتزر»، Spitzer، تم الاحتفال بعيد إطلاقه السادس عشر، فى ٢٥ أغسطس الماضى. وهو أحد أهم المراصد العظمى التى أطلقتها «ناسا» إلى الفضاء، تكريمًا لذكرى ليمان سبيتزر، عالم الفلك فى جامعة برنستون الذى لعب دورًا مؤثرًا فى إقناع الكونجرس الأمريكى بتخصيص ٦٧٠ مليون دولار لإطلاق أسطول من التلسكوبات المدارية.
فى صفحته على موقع «كالتيك سبيتزر»، Caltech Spitzer، كتب جورج الحلو: مثل العديد من الفلكيين، أسرتنى النجوم فى سن مبكرة. فوق جبال لبنان كانت السماء داكنة، والنجوم كثيفة، ودرب التبانة كان مبهرًا. وبالتدريج تحول هذا الافتتان إلى مسار مهنى وأصبحت الرياضيات والفيزياء حقولًا ممتعة، وفتحت الكتب أمامى آفاقًا لا حصر لها من الاكتشافات، ثم أخذتنى دراستى الجامعية فى الجامعة الأمريكية ببيروت إلى عالم الفيزياء الحديثة، وأعدتنى لاستكمال دراساتى العليا.
حصل الحلو سنة ١٩٧٥ على البكالوريوس فى الفيزياء. وسنة ١٩٨٠ نال درجة الدكتوراه من جامعة «كورنيل» الأمريكية فى فيزياء الفلك.
غير المناصب الرفيعة التى شغلها، ويشغلها، جورج الحلو فى عدد من المراصد العالمية، يعمل باحثًا رئيسيًا فى عدد من المشروعات المتخصصة فى دراسة المجرات. ونشر ما يزيد على ٢٠٠ بحث ومقال فى مجلات علمية متخصصة. وشارك فى أكثر من ٤٠ مؤتمرًا دوليًا. وتشير قاعدة بيانات «أرشيف الفلك العالمى» إلى أنه أول من قدم وصفًا لألوان المجرات، وأول من قدم تفسيرًا لعلاقة تلك الألوان بعملية تكوّن النجوم. وللعالم اللبنانى، أيضًا، مجموعة من الدراسات والأبحاث، حول كيفية تطوّر المجرات وتداخلها مع بعضها البعض، وعن تطوّر الكون منذ ما يزيد على ١٣ مليار سنة، أى منذ حدوث «الانفجار الكبير»، Big - Bang، وعن كيفية تطوّر الجيل الأول من النجوم والمجرات، وصولًا إلى الحالة التى صارت عليها اليوم.
حصل جورج الحلو على العديد من الجوائز والأوسمة الدولية، منذ سنة ١٩٧٥ وإلى الآن، إلا أنه قال مرارًا إن الجائزتين الأهم، هما تكريم الرئيس اللبنانى له فى قصر بعبدا، وإهداؤه درع رئاسة الجمهورية اللبنانية، وتكريم الجيش اللبنانى له بدرع الكلية الحربية. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة، إلى أن مكوك الفضاء «أتلانتيس» حين بدأ، فى ١١ يوليو ٢٠١١، رحلته رقم ٣٣، أو الرحلة رقم ١٣٥ والأخيرة، ضمن برنامج مكوكات الفضاء الأمريكية، تكالبت وسائل الإعلام الدولية، على اثنين، اثنين فقط، من علماء وكالة «ناسا»، هما الدكتور فاروق الباز، والدكتور جورج الحلو، لمناقشة تلك الرحلة وشرح الاكتشافات التى حققها العلماء بفضل هذا البرنامج، الذى يعد واحدًا من أغلى برامج الفضاء فى العالم.
هذه الإشارة نراها مهمة، أو مهمة جدًا، لأن كليهما، الباز والحلو، نموذجان مثاليان لـ«العالم» الحقيقى، الذى لم يتنكر لـ«أصله»، ولم تمنعه ملامسة السماء من التشبث بجذوره. كما نرى فى سيرة كليهما ومسيرته، درسًا مهمًا لأى متعالم قبيح، أوهمه الشيطان، أو جهاز مخابرات، أنه لن يتحقق إلا لو صار خنجرًا مسمومًا فى ظهر وطنه.