رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات خاصة من واقعهم.. كيف نجحت الحكومة في تجربة طلاب الدمج؟

جريدة الدستور

أطفال صغار وجدوا أنفسهم محاطين بسجون الحرمان، والمنع من المتع التي يعيشها من هم في نفس عمرهم، الحاجز الذي يقف أمامهم ليس الفقر أو العوز، إنما مرض فُرض عليهم أن تكون أسرتهم الصغيرة هي حدود العالم بالنسبة لهم، عوارض المرض ترغمهم على العزلة والانطواء.

هم أطفال الدمج الذين تبدأ معاناتهم كل عام مع بداية العام الدراسي، بسبب قرار وزارة التعليم دمجهم في المدارس مع زملاؤهم من الطلاب لكي لا يشعرون بأي فرق.

"الدستور" تحدثت مع عدد منهم للتعرف على حكايته مع بدء العام الدراسي الجديد. أحمد مصطفى، 11 عامًا، أحد الطلاب المكفوفين الذين طُبق عليهم قرار الدمج في مدارس محافظة الجيزة، تقول والدته السيدة فاطمة، 38 عامًا، أنها كانت تشعر بالقلق والحيرة حول إلحاق طفلها بمدرسة، وتركه وسط العملية دون مراقبة فورية منها، وكانت خائفة أيضًا من ممارسة زملائه لتصرفات التنمر والسخرية معه نظرًا لضعفه وإعاقته.

"الحالة النفسية للطفل أصبحت في تقدم ملحوظ منذ إلحاقه بالمدرسة، بجانب الصداقات التي كونها مع زملائه في الفصل، ومشاركته معهم في الدراسة واللعب"، تشير السيدة إلى سعادة الطفل واهتمامه بالذهاب إلى المدرسة بشكل يومي لمقابلة أصدقائه، والخروج معهم بعد الانهاء من الفترة الدراسية.

تستكمل: "كنت في حالة قلق بشأن التنمر الذي كان على وشك التعرض له، لكن ماحدث عكس ذلك، فاصدقائه يهتمون دومًا بالسؤال عنه أثناء غيابه عن المدرسة، كما يأتون بشكل دوري لزيارته في المنزل، والجلوس معه لأطول فترة ممكنة، حتى لا يشعر بالوحدة، ومن هنا اطمأن قلبي على الطفل، وتركته ينسجم داخل حياته الإجتماعية الجديدة".

محمد شعبان، مدرس اللغة الفرنسية في مدرسة الواديان بمحافظة الأسكندرية، يوضح في حديثه لـ"الدستور"، أن قرار دمج طلبة ذوي الاحتياجات الخاصة مع غيرهم من الطلبة الأصحاء يمكن أن يحقق الهدف المرجو منه، من عدم شعور طالب ذوي الاحتياجات الخاصة بالوحدة والعزلة الإجتماعية.

وآوضح أن وذلك في حال فقط كانت نسبة الإعاقة بسيطة، ولا تتسبب بإزعاج أو ضرر للمحيطين به، أما في حال كانت الإعاقة كبيرة أو تتسبب في التأثير المباشر على المحيطين، يصبح للدمج آثارًا سلبية على كل من حوله.

يستطرد: "الطالب المُعاق الذي قد يشعر بوجود فوارق كبيرة بين قدراته وبين زملاؤه؛ مما يؤثر على نفسيته سلبًا خاصة في حال تعرضه للتنمر والسخرية من غيره من الطلاب الأصحاء، والطالب السليم نفسه قد يتأثر بوجود الطالب المعاق بإعاقة كبيرة بنفس الفصل المدرسي، وذلك بفقدان تركيزه وتحصيله الدراسي لما قد يسببه الطالب المعاق من إثارة بعض الحركات اللاإرادية التي قد تكون مزعجة أثناء سير العملية التعليمية".

أماني طلعت، 37 عام، والدة طفل يعاني من متلازمة داون، تحكي خلال حديثها مع "الدستور"، عن رحلة طفلها "سمير" الذي التحق بمدرسة إبتدائية في منطقة فيصل تم تفعيل نظام الدمج بها، موضحة أنه كان يمتنع دومًا عن الاختلاط بأي أطفال أو تجمعات، وكان يفضل الانعزال في غرفة نومه الخاصة، حتى قدمت أوراقه إلى المدرسة، وتم قبوله بها.

"لحظات قليلة مرت من أول يوم دراسي حتى استقبلت مكالمة هاتفية من إدارة المدرسة، تبلغني بأن الطفل في حالة من الانهيار والبكاء"، تقول السيدة أن الطفل لم يتحمل تواجده وسط مجموعة كبيرة من الأشخاص داخل الفصل، لكن في اليوم التالي تم خضوعه إلى دروس تثقيفية بشأن التفاعل الإجتماعي، كما ساعده زملائه في المدرسة على المعايشة، وتقربوا منه بعد علمهم بحالته الصحية.

"بعض المدرسين ليست لديهم القدرة على التعامل مع طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة" هذا ما بدأ به أحمد سمير، مدرس اللغة العربية بمدرسة سراي القبة الثانوية بمحافظة لقاهرة، حديثه لـ"الدستور"، موضحًا أن المدرس قد يتعذر في الاهتمام والمتابعة بالطالب المعاق المدمج، والذي يحتاج إلى رعاية واهتمام فائقين، بسبب الأعداد الكبيرة للطلبة في المدارس الحكومية.

يدعو سمير، إلى تطبيق قرار الدمج بالمدارس التي تتحمل فيها الكثافة العددية وجود نسبة من الطلاب المعاقين إلى جانب عدد طلابها، مضيفًا أنه لابد أن تكون نسبة طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس قليلة، حتى يمكن تقديم الرعاية اللازمة لهم، ومساعدتهم في التحصيل الدراسي بالقدر الذي يتناسب مع إعاقتهم.

ينص قانون حقوق الأشخاص من ذوى الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، على إلزام الجهات المعنية بتمكين الشخص ذي الإعاقة من الحصول على التعليم، وتوفير البيئة المناسبة له، من خلال ضمان وجود مكان فى المؤسسات التعليمية، وتمكينه من التعلم بالأنظمة و البرامج و الوسائل واللغات الملائمة لإعاقته، وتوفير العدد الكافي من المختصين المؤهلين لتعليمهم.

النائب فايز بركات، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، أوضح رؤيته في أن نسبة الإعاقة تختلف من طفل لآخر، وبناءًا عليه يختلف صحة دمج طالب معاق عن آخر وسط الطلاب الأصحاء، مشيرًا إلى أن الإعاقة البسيطة لا تتسبب في ضرر كبير بالنسبة للطالب المعاق في حال الدمج مع زملاؤه الآخرين، بل من الممكن أن تتسبب في تحقق بعض الآثار الإيجابية على حالته الصحية والنفسية بتعايشه الطبيعي مع غيره.

يضيف بركات، أن في حالة دمج أصحاب الإعاقات الكبيرة مع الطلاب الأصحاء يُعد ظلمًا للطالب المعاق نظرًا للتفاوت الكبير بين قدراته، وقدرات أقرانه العقلية والفكرية وشعوره الدائم بذلك، فمن المفترض دخول طلاب الإعاقات الكبيرة لمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة المشتركة كي يكون الحل الأنسب لحالتهم ،والأفضل إليهم من نظام الدمج.